الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسات الرعاية العنصرية!

19 أغسطس 2016 21:36
إذا ما حاولنا تخيل هوية ناخب دونالد ترامب، وخصوصاً ذلك النوع الذي عرفته الدراسات المختلفة بأنه مؤيده التقليدي، فسنجد أنه رجل أبيض، لم يتلق تعليماً جامعياً، ويعيش في منطقة ما، يعاني فيها من ضائقة اقتصادية. ثم ماذا نرى أيضاً عندما نحاول تخيل هوية ذلك الناخب؟ هل نرى «رجلاً منسياً» جديداً، يتعرض للتجاهل من نخبة الحزبين، ويعاني جراء الاضطرابات السوسيو- اقتصادية، ويميل نحو ترامب، لمجرد أنه يبدو راغباً في إعطاء الأولوية للطبقة العاملة؟.. أم نرى متعصباً أبيض ساخطاً، يرد بقوة على عملية تغيير هوية أميركا، من خلال التحلق حول مرشح، يعد بجعل أميركا ساحة آمنة للعنصرية مرة أخرى؟ يذكر أن المحافظين الذين يشعرون بالرضا عن الوضع الحالي للحزب الجمهوري بشكل عام، والسعداء بمزيج السياسات التي وضع ترامب نفسه في مواجهتها، ركزوا على الميول والعواطف الأكثر وضاعة لمؤيديه، ووصفوهم بأنهم متعصبون، وأنهم هم دون غيرهم السبب المباشر في المصائر التعيسة التي انتهوا إليها. أما المحافظون الذين يحبذون إجراء نقلة شعبوية، في الكيفية التي يقارب بها الحزب الجمهوري قضايا مثل الضرائب، وتحويل المخصصات من قطاع لآخر، فقد ركزوا على الطرق التي خذلت بها «المبادئ الجمهورية الريجانية» الطبقة العاملة، مع تشجيعهم في الآن ذاته سياسة التضامن المحافظة، التي تستعير -على الأقل- شيئاً من حطام «الترامبية». وعلى المنوال نفسه، نرى الآتي في الجانب اليساري: إنه كلما ازداد مستوى رضاك عن الليبرالية، التي توفر فيها القضايا الاجتماعية معظم طاقة الحزب الديموقراطي، زاد احتمال تقديمك لرد منطقي ولاذع على موقع تويتر، في كل مرة يبادر فيها ترامب، أو أحد مساعديه، أو أنصاره، بالإدلاء بتصريح ينطوي على كراهية للأجانب. وبالنسبة لي فعواطفي مع المجموعة الثانية في كلا النقاشين، كوني رجلاً حزبياً يتبنى نسخة محافظة أكثر تضامنية، وشخصاً غريباً يفضل سياسات اليسار القديم الطبقية، على السياسات شبه الكوزموبوليتانية، لليبرالية النخبوية السائدة اليوم. ولكن من المهم بنفس القدر بالنسبة لحزبيي التضامن السوسيو- اجتماعي، من الجناح اليميني أو اليساري على حد سواء، الاعتراف بأنه ليس من الممكن دائماً الفصل بين المظالم العنصرية والاقتصادية، وأن سياسة المنافسة العنصرية، هي لسوء الحظ، الحالة العادية والمألوفة في مضمار السياسة. وإذا ما أخذنا مسار الليبرالية في الحسبان، فسنرى أن برنامج «العهد الجديد» لفرانكلين روزفلت، قد تعمد إقصاء السود من مزايا معينة ومن برامج التوظيف. وكان ذلك بالطبع تمييزاً. وبعد ذلك بعقود انتقلت الليبرالية لخلق برنامج العمل الإيجابي لمساعدة الأميركيين من أصول أفريقية، وكان ذلك بمثابة نوع من التعويض عن الضرر والتكفير عن الذنب، كما مثل في الآن ذاته نوعاً آخر من الرعاية، من خلال الوعد بتقديم يد المساعدة على النهوض والترقي، والحصول على مزايا قائمة على أساس العنصر، تستطيع الليبرالية وحدها، دون غيرها، توفيرها. وبمرور الوقت امتد هذا الوعد، إلى جماعات ذات مطالب بإصلاح الضرر والتعويض أضعف من أسلافها من الأرقاء السابقين الأميركيين. وفي نهاية المطاف، انتهى بنا الحال إلى ليبرالية، تحبذ التفضيلات الدائمة لجماعات الأقلية، وتدفقات الهجرة الكبيرة الدائمة. وهذا المزيج متجذر في معظم الأحيان في المثالية السياسية، ولكنه يرقى أيضاً إلى أن يشكل نظاماً من الرعاية العنصرية، يراه الأميركيون البيض، ممن هم غير ميسوري الحال، أو فقراء بدرجة تكفي لوضعهم على لائحة المستفيدين من برنامج الرعاية الصحية، متحيزاً ضدهم بشكل خاص. وفي رأيي أن دعوات ترامب الحمائية، هي في نهاية المطاف عبارة عن رغبة في إعادة امتلاك السياسات التي تفيد الطبقة المتوسطة الدنيا من البيض. وهذه محاولة فجة من جانب ترامب للتقليد، ولكنها تشكل للأسف جزءاً من حلقة مفرغة مألوفة للغاية في السياسة الأميركية. وكسر هذه الحلقة المفرغة، لن يكون بالأمر اليسير، بالنسبة لأي من الحزبين. فطاقة النشطاء في الجناح اليساري، تدفع في اتجاه المزيد من السياسات المتمركزة على أسس عرقية، والمكرسة لإصلاح المظالم البنيوية القائمة على العرق. وهذه الطاقة سيضعف تأثيرها مؤقتاً بسبب ابتعاد البيض المتعلمين تعليماً جيداً عن ترامب، ولكن غياب الأرضية الاقتصادية المشتركة بين البيض المصوتين لهيلاري كلينتون من المعتدلين، وبين أعضاء الحزب الأفقر، وقاعدة الأقلية، تعني أن ائتلافها المؤقت سينقسم أولًا، وفقاً لخطوط عرقية على الأرجح. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©