الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

«سفينة» الاقتصاد العالمي ترسو على «شاطئ» تشديد السياسة النقدية

«سفينة» الاقتصاد العالمي ترسو على «شاطئ» تشديد السياسة النقدية
24 ابريل 2011 21:29
قام البنك المركزي الأوروبي، وبعد عامين من المحافظة على تكاليف الاقتراض الرسمي عند أدنى مستوياتها لإبعاد شبح الأزمة الاقتصادية، بزيادة سعر الفائدة الرئيسية من 1 إلى 1,25%. ومن المؤكد أن حدود تأثير ذلك ستتجاوز فرانكفورت “مقر المركزي الأوروبي”. وبدأت مصارف مركزية أخرى خاصة في آسيا وأميركا الجنوبية وكذلك أوروبا، في تشديد سياساتها المالية بالفعل. ومهما تكن خطوة “البنك المركزي الأوروبي”، فإنها تفتح ثغرة كبيرة في الإجماع السياسي العالمي الذي تبنته الدول إبان الأزمة المالية العالمية. وبقرار “المركزي الأوروبي”، وبينما يخفف “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي في سياساته ويقف “بنك إنجلترا” محايداً، تذهب التأثيرات التي تنعكس على التوقعات الاقتصادية العالمية لأبعد من حدود واشنطن وفرانكفورت ولندن. وحينما انهار “ليمان براذرز” في سبتمبر 2008، تناغم رد فعل البنوك الثلاثة لتعلن في وقتٍ واحدٍ خفض أسعار الفائدة للمساعدة في استعادة الثقة. وينصب اهتمام “المركزي الأوروبي” حالياً على محاربة مخاطر التضخم، في الوقت الذي يستمر فيه “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي في دعمه الاقتصادي من خلال برنامج “التيسير الكمي” بشرائه للأصول. وتبقى واشنطن وفرانكفورت على النقيض لفترة طويلة من الزمن، حيث يقود ارتفاع أسعار الفائدة في منطقة اليورو إلى انخفاض قيمة الدولار على الرغم من أزمة الديون في تلك المنطقة. ونتيجة لذلك، من المنتظر أن تتلقى الصادرات الأوروبية القارية ضربة قاضية. وربما تتسارع وتيرة التضخم الأميركي في ظل ارتفاع أسعار الواردات. وقلّما تتحرك البنوك المركزية الكبيرة في العالم في اتجاهات مغايرة؛ لذا يقول روبرت باري الاقتصادي في “كريديت سويس” ليس من الطبيعي أن نرى “المركزي الأوروبي” يشدد في سياسته المالية، بينما لا يزال “الاحتياطي الفيدرالي” يستمر في سياسة التخفيف. وأعتقد أن ذلك لا يمكن أن يستمر طويلاً. لكن في حالة اختلاف ردة الفعل في السياسة، يشير ذلك لسوء فهم أحد الأطراف أو وربما يكون أكثر من بنك مركزي واحد”. ويسود نوع من الاستغراب خارج فرانكفورت فيما يخص رغبة “المركزي الأوروبي” في محاربة التضخم الذي سببته صدمات التكلفة وعلى وجه الخصوص أسعار النفط والسلع. كما أن دلالات نمو الأجور وتدابير توفير السيولة النقدية التي تشير إلى ضغوطات التضخم طويلة المدى والتي دفعت “المركزي الأوروبي” لزيادة أسعار الفائدة في الماضي، ليست مثيرة للقلق. وفي غضون ذلك، يهدد خطر تأخير سداد الديون بعض دول منطقة اليورو مثل اليونان والبرتغال. ويبدو أن “المركزي الأوروبي” عازم على مراجعة اعتقاده القديم في أن الأزمة ناتجة عن شح السيولة، ومن إصرار دول المنطقة الهامشية الضعيفة على البقاء في منظومة اليورو. وفي المقابل، يعتقد “الاحتياطي الفيدرالي” أن ارتفاع معدل التضخم الرئيسي الذي سبّبه ارتفاع أسعار النفط، سيكون مؤقتاً، وأنه يخطط للاستمرار في برنامج “كيو إي 2” البالغ 600 مليار دولار الذي يهدف لإنعاش أسواق المال حتى يونيو المقبل. ومن مقره في فرانكفورت، يرى “المركزي الأوروبي” الأشياء بعين مختلفة، حيث يرى أن الاقتصاد الألماني أكبر الاقتصادات الأوروبية يحقق نمواً سريعاً خاصة في ظل تراجع البطالة لمعدل هو الأدنى منذ عقدين من الزمان. كما يرى البنك بوصفه حامي عملة اليورو، أن وقت خفض أسعار الفائدة لأدنى مستوياتها قد ولى بالفعل. وفي رفعه لأسعار الفائدة بنسبة متوسطة، إشارة واضحة لمدى جديته في محاربة التضخم. ولا تختلف كثيراً البنوك الأخرى عن نظيراتها في منطقة اليورو وأميركا، حيث يتخوف “صندوق النقد الدولي” ومؤسسات مالية عالمية أخرى، من البطء الذي لازم البنوك المركزية في الأسواق الناشئة في تشديد سياساتها المالية. وواجه “بنك الشعب الصيني” مهمة صعبة عند محاولته اتخاذ تدابير التشديد لتقليل ضغوطات التضخم من جهة، وتخوفه من أن تساعد زيادة أسعار الفائدة في جذب المزيد من رؤوس الأموال الخارجية مما يجعل من الصعب منع الارتفاع السريع في قيمة اليوان، من جهة أخرى. وقام البنك ومنذ بداية العام الماضي برفع متطلبات الاحتياطي للمصارف بنحو تسع مرات في محاولة منه الحد من المبالغ التي يمكن أن تقترضها هذه المصارف. كما أن المصارف الكبيرة مطالبة بإيداع 20% من احتياطياتها في المركزي الصيني الذي قام أيضاً بزيادة مؤشر الإيداعات وأسعار فوائد الإقراض لنحو أربعة أضعاف. وفي غضون ذلك، تواجه الهند أكبر قدر من التضخم مقارنة بأي من الاقتصادات الآسيوية الكبيرة مما جعل البنك المركزي الأكثر نشاطاً في تطبيق سياسة التشديد النقدية من بين مجموعة العشرين دولة الكبيرة في القارة. وقام “بنك الاحتياطي الهندي” بزيادة معدل الشراء، وهو المعدل الذي يُقرض به البنك المركزي البنوك التجارية، بنحو 2% إلى 6,75%. وقامت مؤسسات مالية شبيهة في أميركا اللاتينية بزيادة سعر الفائدة. وتواجه هذه المؤسسات فائض في التدفقات النقدية الخارجية مما يعقد سياساتها المالية ويقود إلى تضخم اقتصادات بلدانها. وفي البرازيل، خفضت الحكومة من معدل الإنفاق المالي ورفع أسعار الفائدة بنحو خمسة أضعاف إلى 11,75% وتطبيق سياسة “التشديد الكمي” مقابل سياسة “التيسير الكمي” المُتبعة في أميركا. أما شيلي أكبر منتج للنحاس في العالم، فرفعت أسعار الفائدة بنحو تسع مرات إلى 4%، وذلك منذ يونيو الماضي. كما رفعت شيلي التي تحل في المرتبة التي تليها من حيث إنتاج النحاس، أسعار الفائدة بنحو ثماني أضعاف إلى 3,75% مستغلة بعض التدابير مثل زيادة متطلبات الاحتياطي المصرفي. ويمكن أن يستشهد “المركزي الأوروبي” ببعض أمثلة زيادة أسعار الفائدة في دول أوروبية خلاف منطقة اليورو مثل بولندا والسويد بالرغم من أن النمو فيهما يتفوق على كثير من دول جنوب القارة الأوروبية. وينطوي على الجدل الدائر حول إمكانية تشديد البنوك المركزية للسياسة النقدية من عدمها، سؤال واحد وهو: ما الذي تسبب في رفع أسعار السلع التي تغذي التضخم العالمي؟. خاصة مع ارتفاع سعر خام برنت لأكثر من 130 دولاراً للبرميل، بالإضافة إلى تسجيل تضخم أسعار المواد الغذائية لأرقام قياسية جديدة. وتعتبر الإجابة واضحة بالنسبة “للمركزي الأوروبي” و”بنك الشعب الصيني”، وهي سياسة التشديد النقدي. وذكر الاقتصادي الأميركي ميلتون فريدمان، الحائز جائزة نوبل، أن التضخم يعتبر في كل زمان ومكان ظاهرة نقدية، مما يُلزم البنوك المركزية انتهاج سياسة التشديد. ويعود اختلاف سبب ارتفاع أسعار السلع بالنسبة “لمجلس الاحتياطي” و”بنك إنجلترا”، لزيادة الطلب من قبل اقتصادات الدول الناشئة. وبذلك لا تملك هذه البنوك حيلة كبيرة تجاه هذا الواقع. كما لا يمكن إغفال حقيقة أن معظم اقتصادات دول العالم مرتبطة بالدولار مما يجعل اقتصادات الدول الناشئة تتأثر بقرارات واشنطن. ووسط هذا الخلط، تبنت الأسواق بأنفسها كل هذه القضايا. وإذا كان ميل البنوك المركزية يعني أن أسعار الفائدة لم تعد دليلاً كافياً للدورة الاقتصادية، فيمكن لأسعار السلع أن تحل محلها. وفي حقيقة الأمر، ربما يمثل النفط سعر الفائدة العالمي الجديد. ومن هذا المنطلق، يعتمد “المركزي الأوروبي” و”الاحتياطي الفيدرالي” على النفط ليقوم مقامهما في تنفيذ هذه المهمة. ومن المؤكد أن ارتفاع أسعار النفط ستدمر في النهاية عامل الطلب في أسواق الدول النامية، لكنها تقود أيضاً إلى زيادة التكاليف للمستهلك في الدول الغربية الذي ينفق نسبة معتبرة من دخله على فواتير الطاقة. نقلاً عن: “فاينانشيال تايمز” ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©