الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوم في حياة مواطنة فقيرة

يوم في حياة مواطنة فقيرة
29 يناير 2009 23:35
عند منتصف الليل أيقظني حلم مخيف، استيقظت مفزوعة عندما شاهدت أحد أولادي وقد تعرض لحادث سير ثم مات، إنه الحبيب إلى قلبي، المدلل الذي أخاف عليه من نسمة الهواء، الدموع ملأت عيني وصرت أردد: الله يحفظك يا ابني من كل مكروه، يا إلهي!! حتى في النوم لا أرتاح!! لا حول ولا قوة إلا بالله، أستغفرك ربي وأتوب إليك· أسرعت بالنهوض وأنا أتعوذ من الشيطان الرجيم، صليت ركعتين وطلبت من ربي أن يخرجني من محنتي ويحفظ أولادي وبناتي، ويجعلني أعيش باقي عمري براحة واطمئنان، ثم عدت للنوم فلم يبق على موعد استيقاظي إلا ساعات قليلة لأبدأ يومي كله في الركض والتعب الذي لا ينتهي، على الرغم من تجاوزي الخامسة والأربعين من العمر، إلا أن المسؤوليات الكثيرة الملقاة على ظهري لا تعطيني مجالا للراحة أبداً، عشرة من الأولاد والبنات، مشاكلهم ومتطلباتهم، كل ذلك أتحمله وحدي، سامحك الله يا زوجي· أول النهار قلبي يحترق بشدة، ترى ماذا ينتظرك يا ولدي، ما زال تأثير ذلك الحلم يطاردني، الولد لا يزال يدرس في الثانوية، وقد تزوج ابنة عمته برأس الخيمة، وهو يسكن عندهم، فيضطر للذهاب يومياً إلى أبوظبي ثم يعود لرأس الخيمة لينام عند أهل زوجته، سيارته قديمة ولا تتحمل كل هذه المسافات، اتصلت به لأطمئن عليه، أخبرته بقلقي عليه فضحك وقال: لا تقلقي يا الوالدة، أنا بخير والحمدلله، سأزورك في أقرب فرصة إن شاء الله· على الرغم من شوقي له وقلقي عليه إلا أنني قلت له: كلا·· لا تفعل، يكفيك المشوار اليومي الصعب بين أبوظبي ورأس الخيمة، فهل أشق عليك بالمجيء إلينا في مدينة العين؟، كلا يا ولدي يحفظك الله، فقط انتبه أثناء القيادة، لا تسرع· ضحك ضحكته التي أحب أن أسمعها وأسعد بها ثم قال: أي سرعة ''يا الغالية''؟ سيارتي المهكعة لا تقدر على السرعة مهما حاولت، هل تصدقين يا الوالدة؟ فأنا أحمد ربي كثيراً لأنها ما زالت تمشي، وأقول بيني وبين نفسي إنها بسبب دعواتك الطيبة لي· أغلقت الهاتف ودعوت ربي أن يوفقه ويحفظه، ثم أسرعت لإيصال أولادي الصغار الى المدرسة مشياً على الأقدام، يا له من مشوار متعب لامرأة مثلي لديها أوجاع شديدة في العظام، ولديها قائمة بأمراض لا تنتهي، فكلما ذهبت الى المستشفى وأجريت لي الفحوصات، بشروني بإصابتي بمرض جديد، قائمة طويلة لا تنتهي من الأمراض، وأكياس مليئة بالادوية أحملها بعد عودتي من المستشفى· طلبت من إدارة المدرسة أن يمر الباص كي يأخذ أولادي، ولكنهم أخبروني بأن الطلبة الذين يسكنون بنفس منطقة المدرسة لا يسمح للباص بتوصيلهم، فهل هذا معقول؟، كيف أترك الصغار يذهبون إلى المدرسة لوحدهم؟، ماذا لو تعرضوا لحوادث الطريق؟، أنا لا أملك سيارة، لذلك أضطر لتوصيلهم مشيا على الاقدام في ذهابهم وإيابهم في كل الظروف المناخية، الحر، البرد، المطر، الرياح، فماذا أفعل غير ذلك؟ بعد ان أوصلت الأولاد بدأت رحلتي الشاقة الثانية، والتي صرت أقوم بها يومياً، ومنذ ست سنوات تقريبا، انها زيارة البلدية من أجل متابعة موضوع حصولنا على بيت حكومي فأنا في تواصل يومي مع الموظفين هناك، حتى عرفني الكثير منهم، وتعودوا على رؤيتي وكأنني أحد العاملين لديهم، حصلت على المرسوم منذ ثلاث سنوات، إلا أنني لم أحصل على البيت، انتظرت طويلا حتى تفاقمت مشاكلي، وصرت غير قادرة على تحمل المزيد، الى متى سأصبر؟ وان صبرت أنا، فهل سيصبر صاحب البيت المستأجر الذي نسكنه؟ انه يهدد ويتوعد، يريدنا أن نخلي بيته بأسرع وقت لأنه بحاجة إليه ليسكن فيه ولده، قام بضرب أحد أولادي هو وابنه فماذا أفعل؟ سبع مرات انتقلت فيها في بيوت مستأجرة، والإيجارات في ارتفاع مستمر، ما زالت معظم أغراضنا في علب الكارتون من كثرة التنقل، فلا أحد يقبل بأن تسكن عائلة كبيرة مثل عائلتنا في بيته، وأية عائلة؟ لا أحد يصدق!! خمسة عشر شخصاً يعيشون كلهم على راتب الشؤون، وهو 4400 درهم، تشمل الإيجار وفواتير الكهرباء وجميع مصاريف الأسرة· عند الظهر في طريق عودتي من البلدية، مر شريط حياتي المتعبة برأسي، عندما تزوجت ابن عمتي وأنا في الثانية عشرة من عمري، كنت في الصف الدراسي الرابع، فتركت الدراسة وسكنت مع زوجي في عش الزوجية، وقد كان عبارة عن خيمة، نحن أناس بسطاء لم نكن نعرف الدنيا على حقيقتها، كم هي متعبة ومؤلمة، كان زوجي يعمل في مغسلة للثياب في أحد القصور، وهو يحصل على راتب بسيط كان يكفينا وقتها· عندما حصلت أخواتي على بيوت حكومية، كانت البيوت متجاورة، فاقترحوا علي بناء ملحق صغير وسط البيتين لنعيش فيه بدلا من الخيمة، كان عرضا سخيا وطيبا، فتقبلته بصدر رحب وانتقلت للعيش عندهم، مرت السنين وقد أنجبت عشرة من الاولاد والبنات، ثم بدأت الحياة تتطور والصعوبات تزداد يوما بعد يوم، وكلما كبر الأولاد زادت متطلباتهم ومشاكلهم· في هذه المرحلة الصعبة انسحب زوجي - سامحه الله - من حياتنا، دون سابق انذار، تزوج من شابة صغيرة بعمر بناته وطلقني ليتخلص من عبء العائلة الكبيرة ومسؤولياتها، ليبدأ حياته مرة أخرى من جديد، وتركنا في مهب الريح، فبعد أن أكملنا عشرين عاما في ملحق أخواتي اضطررنا لتركه بسبب رغبتهم ببناء ملاحق لتزويج أولادهم، وإعادة بناء البيوت التي أصبحت قديمة· اضطررنا للسكن في بيت مستأجر مما زاد في الأعباء والمصاريف، وكذلك فإن الأولاد قد كبروا وازدادت مصاريفهم ومتطلباتهم، في هذا الوقت الحرج، هرب زوجي من كل المسؤوليات وتركنا وهو يعلم أنني لن أفكر في رفع قضية نفقة ضده، لأن ذلك ليس من شيمتي، وقد تركته لربه ليقضي بأمره ما يشاء· أيقظني - راعي التاكسي - من أفكاري وطلب مني الأجرة، فدفعتها له، ونزلت عند مدرسة الأولاد، فقد حان موعد خروجهم من المدرسة· ما بعد الظهر عدت بأولادي الى البيت فوجدت ابنتي الكبرى وقد نظفت البيت وجهزت الطعام، استقبلتني بالدعاء لي قائلة: أعانك الله يا أمي، لم تأكلي شيئا منذ الصباح، فأخبرتها بأني نويت الصيام لوجه الله هذا اليوم ليحفظ ربي ابني، ثم حكيت لها عن ذلك الحلم المخيف، فاقترحت علي ان أتصل بمعلمتي لتساعدني في تفسيره، يا لها من فكرة طيبة، أسرعت بالاتصال بتلك الإنسانة الرائعة التي أتعلم على يديها تجويد القرآن الكريم منذ أربع سنوات· استمعت لي جيدا وأنا أروي لها تفصيلات الحلم وأنا أبكي من التأثر، فقالت لي: أنت إنسانة مؤمنة، كوني قوية ، لا تجعلي دمعتك تنزل لأبسط الأمور، توكلي على الله، إنه مجرد حلم، وتفسيره خير بإذن الله· أغلقت الهاتف وتاه عقلي المتعب في كل أمور حياتي، كله كوم وقلقي على أولادي كوم آخر، ظلت ابنتي تتحدث معي وتواسيني، مسكينة ابنتي الكبرى هذه، انها تعيسة كأمها، تزوجت وهي صغيرة في المرحلة الابتدائية، فكان زوجها مريضاً نفسياً، أذاقها أنواعاً من الضرب والمهانة، بقى لفترة تحت العلاج النفسي في مستشفى (الأمل) فنصحنا الأطباء بتطليق ابنتنا منه، لأنه يتسبب بإيذائها، فاستمعنا لنصيحتهم، فعادت إلينا البنت وهي مطلقة ولديها طفلة، وقد تعقدت نفسيتها بسبب تجربتها الفاشلة في الزواج، فصارت تدفن همها في العمل المنزلي بشكل متواصل طوال اليوم· أما ابني الأكبر فقد حاول أن يتهرب من التحدث معي، لأن قلبه يعتصر بشدة وهو يراني متعبة بهذا الشكل، ولديه الشعور المؤلم بالعجز الكامل لعدم قدرته على فعل شيء· حكاية هذا الولد صعبة للغاية، فقد أخرجه والده من المدرسة وهو في الثالث الابتدائي، وأخذه للعمل في ورشة لتصليح السيارات، ليساعدنا في المصروفات، كان العمل شاقاً بالنسبة إليه، ولكنه تحمل وصبر حتى سقط مريضاً في أحد الايام، وبعد إجراء التحاليل ثبتت إصابته بالسكري والضغط المرتفع، وقد كانت حالته متأخرة، فتأثر بصره ولم يعد يرى جيدا، فخسر عمله ولم يستطع ان يجد عملا في مكان آخر بسبب مرضه، فجلس في المنزل منذ أربع سنوات، وهو متزوج ولديه ولد مصاب بالثلاسيميا، ويحتاج لتغيير الدم كل سبعة أشهر، لكل ذلك صار ابني هذا محطماً نفسياً، لديه شعور بالعجز وعدم القدرة على فعل شيء· وفي المساء غفوت غفوة قصيرة، أيقظني أحد أولادي من نومي، هذا الولد المتعب يدرس في الإعدادية، ما ان استيقظت حتى بدأ مواله اليومي الذي يأكل به قلبي ورأسي وكل أعصابي: ''ابا فلوس ابا تلفون·· ابا نعال يديد·· ابا كندورة·· حرام عليكم،، شوفوا عيال الناس''· هذا الولد يتعبني كثيرا، لا يريد أن يفهم أننا فقراء، وأننا لا نملك ما نسد به حاجاتنا الأساسية في الأكل والشرب، وأننا غارقون في الديون، لا يذاكر ولا ينجح إلا بصعوبة، هو يزيد قهري وتعبي بكلامه، وعدم تقديره· حاولت أن أتهرب منه، وانغمست في عملي، حيث أقوم بعمل البخور والبهارات التي أبيعها فتدر علي مبلغا بسيطا يساعدني لدفع أجور التاكسي في ذهابي اليومي الى البلدية والمستشفى، عندما وجدني أتجاهله أخبرني بأنه يفكر بإلقاء نفسه من السطح كي يموت ويتخلص من هذه المعيشة التي لا تعجبه، لطمت على خدي وأنا أبكي أمامه، هل تريد أن تموت كافراً؟ ماذا جرى لك؟ جميع إخوتك صابرون لماذا لا تصبر مثلهم؟، لماذا لا تتقبل أننا فقراء ولسنا كغيرنا؟ انسحب من أمامي بعصبية، ولا أدري ماذا سيفعل بنفسه· دخلت علي إحدى الجارات وأخبرتني بأنها قد أحضرت لي هدية، سألتها عن تلك الهدية، فقالت: سأعطيك (تجوري) أي (خزنة) فلم نعد نحتاج اليها، قلت لها: سامحك الله، ماذا أفعل بها؟، قالت ستجلب لك الحظ الجيد، انها هدية عليك ان تقبلي بها، ابتسمت وقلت لها: لو كانت تجلب الخير والمال لما تنازلت عنها لي، ولكن لا بأس، أشكرك على هذه الهدية· خرجت جارتي بعد أن أشاعت جوا من الضحك والاسترخاء، بعد خروجها نظرت الى ذلك (التجوري) البائس وانا أتحسر، فلن تصل أحلامي أبدا إلى تخزين المال في يوم من الأيام، كل ما أطلبه من ربي هو ان نحصل على ما يسد حاجتنا فقط· قطع تأملاتي زيارة امرأة محسنة، تعودت أن تمر علينا ببعض المساعدات، وما ان شاهدت (التجوري) حتى استغربت وسألتني: يبدو أن الله فتح عليكم من أوسع الأبواب، فأخبرتها بحكاية الهدية التي أصرت عليها جارتنا، ضحكت المرأة من قلبها حتى دمعت عيناها من شدة المرارة، فشر البلية ما يضحك كما يقولون· لم تقصر المرأة، فقد أحضرت معها سجادة تساعدنا في الوقاية من رطوبة الأرض، ثم خرجت وهي تنظر الى (التجوري) وتحاول إخفاء ابتسامتها· انتهى اليوم فخلدت إلى فراشي، وانا أدعو ربي أن لا أرى أحلاما مخيفة، وان يحفظ لي أولادي ويهديهم، وان يفرج علينا همومنا، وأن يسخر لنا عباده ونحصل على بيت يؤوينا ويسترنا، وهو أعز ما نطلبه ونتمناه
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©