الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعدام قاتلة زوجها مرتين!

إعدام قاتلة زوجها مرتين!
29 يناير 2009 23:35
تم إحضار ''مديحة'' من محبسها في السجن وهي ترتدي زي السجن الأبيض المعتاد وعلى رأسها غطاء وعصابة وفي يديها القيود الحديدية وقال لها الحارس عند قفص الاتهام في قاعة المحكمة متهكماً: أدخلي واخلعي الأساور يا ''حلوة''· وتم إيداعها القفص واقترب أبناؤها الخمسة يحاولون عبثاً تقبيلها أو مصافحتها·· فالقضبان متقاربة وخلفها سلك ضيق بالكاد يسمح بتلامس أطراف الأصابع، وتنساب الدموع من الجميع واختنقت الكلمات وعصت على الخروج وتاهت المفردات بين العبرات والضجيج الذي ساد القاعة واختلاط الأصوات العالية والنداءات والحوارات الصاخبة· فجأة ظهر الحاجب وطرق على المنضدة بكف يده·· مطالباً الجميع بالتوقف عن التدخين والكلام والالتزام بالمقاعد بما يؤذن بقرب بداية انعقاد الجلسة·· ولم تمض دقائق حتى أعاد الطرق بقوة لكن هذه المرة وهو يصيح بأعلى صوته ليسمع الجميع: محكمة·· وتخرج هيئة المحكمة والنيابة الى المنصة ويتخذون أماكنهم وسط الهدوء والصمت الرهيب وكل العيون تتجه نحوهم· وقال رئيس المحكمة: بسم الله الرحمن الرحيم فُتحت الجلسة·· ناد على المتهمين· ''مديحة''·· نعم حاضرة·· وقرأ أمين السر قرار الاتهام· ثم طلبت المحكمة من النيابة أن تبدأ مرافعتها ووقف وكيل النيابة بوشاحه الأخضر وقال: حضرات المستشارين·· في شهر ديسمبر 2003 قتلت المتهمة زوجها ''حسن'' والد ابنائها الخمسة بعد عشرة وزواج لأكثر من عشرين عاماً· ارتكبت جريمتها في حق الزوج وفي حق الأبناء وفي حق نفسها والعائلة كلها وهي جريمة اهتزت لها القرية والقرى المجاورة· ارتكبتها بعد تخطيط وتدبير واعدت العدة ووضعت الخطة ونفذت بشكل بشع· يومها كان النهار في آخره· والشمس تقترب من المغيب· الأحوال هادئة في المنزل ولا يوجد ما يعكر الصفو ولم يحدث شيء غير عادي· غير أنها اختلقت معه مشكلة بلا سبب وكررت مطالبها التي لا تتوقف وبالغت فيها وهي تعلم امكاناته المادية فهو مزارع يمتلك بعض الأفدنة الزراعية التي تجعله يعيش هو واسرته من عائدها في وضع لا بأس به لكنها دائما مثل النار تقول هل من مزيد· نفسها لا تشبع ولا تراعي امكانات زوجها ولديها قدرات خارقة على اختراع وابتداع المشاكل وكانت مطالبها متتابعة متوالية مثل طلقات الرصاص السريعة مصحوبة بالتوبيخ واللوم والتقريع له· تتهمه بالإهمال لها ولأسرته وعدم الاكتراث بأبنائه وشؤونهم وأنه لا يعرف شيئا عن البيت واحتياجاته وعن الصغار والكبار من ابنائه ورغم ذلك لا يبخل على نفسه بشيء· يتوقف وكيل النيابة ليلتقط كوب الماء أمامه ويرشف رشفة تلو الأخرى ويواصل مرافعته: سيدي الرئيس، حضرات المستشارين· إن هذه المرأة أخطر من الأفعى فقد· سممت حياة زوجها وكدرت عليه العيش وجعلته يكره الحياة فبعد هذا الفاصل الطويل من العذاب الذي اعتاده لم يكن أمامه إلا أن ينسحب في صمت دون أن يرد عليها حتى يتجنب خلق مشكلة جديدة وأن يفوت عليها المشاجرة في ذلك اليوم وامسك بعصاه التي اعتاد أن يتوكأ عليها وشرع في الخروج من المنزل لكنها لاحقته عند الباب تلح عليه أن يجيبها وأن يرد عليها فليس من حقه أن يذهب هكذا صامتا ولا يعيرها اي اهتمام وكأنها بلا قيمة وامسكت به تحاول ايقافه لكنه دفعها ليزيحها عن طريقه إلا أنها عادت اليه بسرعة وحاولت استيقافه فدفعها هذه المرة بقوة ليتخلص منها ومن ملاحقتها فأعادها الى الداخل واستطاع التخلص منها لكنها لم تتوقف عن سيل الكلام البذيء وهي تصفه بأسوأ الصفات وتجرده من كل معاني الرجولة والشهامة وتخرجه من مصاف الرجال الذين يتحملون المسؤولية ولا هم لهم إلا انفسهم· حضرات المستشارين: إن الرجل آثر السلامة، وترك لها ميدان المعركة وانسحب متقبلا الهزيمة وإن كان ضاق صدره بما فعلت وخرج الى حيث حفل زفاف أحد أبناء القرية واندس بين المدعوين تغالبه همومه من هذه المرأة النكدية التي ابتلى بها· وأصبح غير قادر على التخلص منها بسبب ابنائه الخمسة الذين انجبهم فأين يذهبون؟ واين يذهب هو بهم؟ وحاول أن يتخلص من أحزانه التي كانت بادية على وجهه· واستطاع أن يتغلب عليها وأن يغير اهتمامه وتفكيره بتبادل التحية مع الحضور أو الاندماج مع الفرقة الموسيقية في الحفل وبعد عدة ساعات كان يمني نفسه بألا ينتهي الحفل حتى لا يعود الى منبع النكد في البيت لكن في النهاية لم يكن أمامه اختيار آخر· فقد انفض الجميع ولم يبق إلا عدد محدود فقام عائدا وهو يدعو أن تكون الحية قد نامت حتى يمكنه أن ينعم بساعات راحة في هدوء وألا يختتم ليلته بحلقة أخرى من التي انهى بها يومه وسار في الشارع وهو يقدم رجلا ويؤخر الأخرى وعاد وقد تحققت أمنيته ووجدها نائمة وتسلل الى سريره وهو حريص على ألا توقظها خطواته حتى عصاه وضعها بجانبه وراح في نوم عميق· ويواصل وكيل النيابة مرافعته قائلا: ثم بدأ الفصل الأهم فلم تكن هذه الأفعى -وهو يشير الى مديحة- نائمة وانما كانت في كامل يقظتها ووعيها وادراكها، واستطاعت أن تمثل الدور وتدعي انها نائمة وتمكنت من خداع الرجل بمهارة وبعدما تأكدت من أنه غرق في أحلامه أو في الكوابيس نهضت واستلت السكين بكل حقد وغل وقوة وجبروت وطعنته في رقبته طعنة شلت قواه وتابعتها بطعنات متتالية في القلب والصدر كانت كافية لأن تودي بحياته في الحال· لم يطلق إلا صرخة واحدة بعد الضربة الأولى أيقظت الأبناء الذين هرعوا مفزوعين من نومهم ليشهدوا الجريمة بعيونهم· وامهم تواصل الضربات لأبيهم فيصرخون ويتجمع الجيران وقد تمت الجريمة البشعة واعترفت ''مديحة'' بكل شيء ولم تنكر ادق التفاصيل· وينهي وكيل النيابة مرافعته مطالبا بتوقيع اقصى العقوبة على المتهمة بعد أن وجه اليها تهمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد وتتأجل القضية وفي الجلسة التالية بعد شهر يتكرر الموقف وتطلب المحكمة هذه المرة من دفاع المتهمة أن يبدأ مرافعته ووقف محاميها يردد بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ثم يتبعها بالمأثورات والحكم وطرح دفوعه القانونية وهو يطلب من أمين سر المحكمة ان يسجلها في محضر الجلسة، ويواصل حديثه متوجها به الى هيئة المحكمة قائلا: حضرات المستشارين لأن يفلت ألف متهم من العقاب خير من أن يعاقب بريء بلا ذنب وهذه المتهمة حتى وان كانت قد اعترفت بارتكاب الجريمة وادلت بأقوالها تفصيليا وتم ضبط السكين اداة الجريمة إلا انها قبل ان تكون متهمة فإن هذا الرجل تخلى عن كل مسؤولياته تجاه أسرته وكان يعتدى عليهم جميعا بالضرب ويحرمهم من ابسط حقوقهم وكان بخيلا الى اقصى حد رغم انه ثري ويملك الكثير وهو الذي حول حياة هذه الأسرة الى جحيم بسبب تصرفاته واهتمامه بنفسه فقط وقد نال جزاءه العادل والجريمة وقعت في لحظة غضب ودون ان تدري المرأة ولا تدرك تصرفاتها وبناء عليه فإنني اطالب ببراءة موكلتي من التهمة المنسوبة اليها· رفعت الجلسة· الحكم بعد المداولة وبعد حوالي الساعة عادت الجلسة للانعقاد ووقف الجميع في صمت تكاد تسمع دقات قلوبهم وهم يترقبون الحكم· وقال رئيس المحكمة: حكمت المحكمة حضوريا على المتهمة ''مديحة'' بالاعدام شنقا ثم ساد البكاء والعويل والصراخ· وعادت المتهمة الى السجن وعاد ابناؤها الى منزلهم وقد فقدوا امهم بعد ان فقدوا أباهم لكنهم لم يفوتوا الفرصة في محاولات انقاذها من حبل المشنقة طالما ان القانون يعطيهم الحق في الطعن على الحكم امام محكمة النقض· ويقدم محاميها مذكرة طعن بعد دراسة الحكم واسبابه وخلال عام تحددت جلسة النقض لنظر الطعن ولكن ''مديحة'' لا تأمل في حكم افضل او اخف إلا أن محكمة النقض كان لها رأي آخر اذ قضت بإلغاء حكم الاعدام وإعادة محاكمة ''مديحة'' مرة أخرى أمام دائرة جنايات بهيئة مغايرة· وتجدد الأمل في نفسها بأنها ستنجو بهذا البصيص من الأمل· وبدأت المحكمة الثانية نظر القضية وما حدث في الجلسات السابقة تكرر بنفس الصورة أمام هذه المحكمة وتمر الشهور وتنتهي المحكمة من سماع مرافعات النيابة والدفاع وتحدد جلسة النطق بالحكم· وتتوقف القلوب وتحتبس الانفاس أملا في البراءة او حتى سنوات سجن وتعتلي هيئة المحكمة المنصة ويبدأ رئيسها تلاوة الحكم الذي صدر بإجماع الآراء وبعد موافقة المفتي قال: حكمت المحكمة بإعدام ''مديحة'' شنقا·· وتنطلق الصرخات اكثر من اي وقت مضى وتتجدد الاحزان لديها ولدى ابنائها بعد الاعدام الثاني فهذا يعني أن الآمال تتلاشى وفرص التقاضي تتناقص لكن مازال هناك الأمل الأخير الطعن في الحكم للمرة الثانية أمام النقض· ويمر عام آخر وقبلت محكمة النقض طعن ''مديحة'' وقالت إن محكمة الجنايات اخطأت في تطبيق القانون ومن ثم فإنه ستتم إعادة محاكمة قاتلة زوجها للمرة الثالثة· ولكن هذه المرة فإنه طبقا للقانون فإن محكمة النقض، أعلى درجة تقاض، ستنظر القضية بنفسها ولن تحيلها الى الجنايات مثل المرتين السابقتين· وتتحدد جلسة نظر القضية ويتم احضار ''مديحة'' في الجلسة الأخيرة بعد خمس سنوات في المحاكم وهي لا تدري ما هي النهاية وكانت تائهة وجاءت لحظة النطق بالحكم التي كابدتها كثيرا وجاء الحكم: حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة ''مديحة'' بالسجن المؤبد· ورفعت الجلسة واسدل الستار على القضية تماما واندفع ابناؤها يهنئونها بالنجاة من حبل المشنقة لكن ''مديحة'' كان لها رأي آخر· قالت: المؤبد يعني السجن ربع قرن ولا فرق بينه وبين الإعدام
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©