الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وحدة الدم والتراب

وحدة الدم والتراب
29 يناير 2009 23:36
في ليلٍ يرقصُ على إيقاع غزة الدموي ويأخذُنا إلى ضوضاء جُرحٍ ما زال يدقُّ أجراس الرّوح ويُشعلُ ما تبقّى فينا من ذكرياتٍ حيةٍ، سمعنا النداء في العرس المقاومِ في حفلة الترابِ، مرت كالمعراج على بُراق المساء وتجمّعت فوق صبّار الأرضِ، وكان البحرُ يُبدّلُ مشهدهُ الأخير أمام عراء القمر، ها هو نداء التراب يمتزج بالأحلام لكي تشرقَ فلسطين كالكوكب السّماوي بين الشقائقِ، وها هو الطير والشجر وحتى الصخر يصرخ في وجه نيرون· ربّما هيَ رائحةُ النعناع في وحدة التّراب والماء، تنهضُ كالزهرةِ كلّ صباحٍ لكي تتوضّأ أو تتيمم بطهارةِ التراب والشمسِ وتقرأُ سورة الإخلاص، ترتفعُ جسداً يبلغُ السماء ويشعُّ كالضوءِ يُبشِّرُ بالحياةِ، الحياةِ التي تشبهُ الشهداء والشتاء يُبلّلُ وجوه الأطفال وأوراق الزّيتون· مرّ الموتُ على كل قلب، والطفولة تتفتح رويداً رويداً أو تذوي فجأة في عيون الأمهات المتشحات بدماء القلوب، والنهار محاصر بالأعداء ويوشك أن يختنق، والمساء يعشعشُ في القصف والعويل· مرّ الموت على الزرع والمدارس والدفاتر، وكأن الزّمان العربي غائب خارج البحر والصحراء ونخوة المعتصم· هنا يشبه الإنسانُ مكانه، كتابه، سجادة الصلاة ونكهة الزعتر، ويدافعُ عن تاريخِ أسلافه بكلتا يديهِ بأنفاسهِ، هنا تنصر الرّوح على العواصف الأحقاد المتدفقة من كل الجهات، ويستيقظ الشهداء ليقاوموا وحوش الليل والنار والدخانِ· يرسمُ الطفلُ غزة على رمل الشاطئ أو على شغاف القلب وهو يحلمُ بالرّبيع ليكمل صورتها بهدوءٍ في طقسٍ صافٍ يناسبُ الأحلام بعيدا عن هيجان البحر وقصف الطائرات وانهيار السقوف على ملامحه البريئةِ· أُحبُّكِ يا مدينة العزة بالحضورِ والغيابِ، أُحبُّكِ ليس لي إلا كتابكِ المفتوح تحت الشّموع الصغيرةِ لكي أحفظ معناكِ، ففي البدءِ أنتِ وأنت في الختام، والله معنا كي ينبلج الفجر من نورٍ ضئيلٍ على درب القدس حيث الولادةِ وحبل الكرامة المشدود بين قبة الصخرة والسماء· هكذا غزة بنت فلسطين، في زفاف الشهادة والتحدي والمقاومة، ها هيِ تحيا من جديدٍ وتجدّدُ منديلها الأحمر وتدعونا لنبني معا فردوس الوجود· لقد ولدت من جراحاتها وخرجت من وهج الرماد لأنها تنتمي إلى حرّيتِها كالأشجارِ والشهداء· فكيف تموت؟ باسل عبد العال
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©