الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صدقوا العليل.. ولا تصدقوا التحاليل!

1 يوليو 2017 23:30
يذكرني رهان العرب الخاسر على الزمن والوقت في كل قضاياهم بشاب وفتاة امتدت فترة خطوبتهما خمس أو ست سنوات ثم انتهت بفسخ هذه الخطبة، حيث ظهرت وتفاقمت الخلافات بينهما وبين أسرتيهما حول السكن والمهر والذهب، وظهرت أيضاً شروط جديدة وتفاصيل مسكونة بالشياطين وانتهى الأمر بالفشل. فعل العرب ذلك في كل قضاياهم ابتداءً من قضية فلسطين وحتى الآن وحتى الغد، وتوالت التفاصيل المسكونة بالشياطين حتى لم تعد هناك قضايا، وإنما صارت كل القضايا مجالاً للتربُّح والتكسب، فقد صنعت قضية فلسطين مليارديرات تكسبوا من التحليل والتعليق ونضال الفنادق، ولم نر يوماً مناضلين ولا مجاهدين في الخنادق، وهكذا كل القضايا صارت دكاكين لبيع التحليل والتعليق والهتاف والشعارات، وصار حل أي قضية وحسمها خسارة كبيرة لملايين العرب الذين يتربحون منها. حدث هذا في قضية الإرهاب والمعارضة والخريف العربي حتى صار العرب مقاولي قضايا، أو أثرياء قضايا وأصبح الكلام المكتوب أو المنطوق بملايين الدولارات وكل العملات، وهناك إصرار من جانب أثرياء الكلام والتحليل والنضال على أن يبقى العرب مختلفين ومتناقضين. لأن في خلافهم الربح وفي اتفاقهم الخسارة، فالحسبة ليست سياسية ولا وطنية ولا قومية، وإنما هي حسبة مالية بحتة، وكل المشتبكين مع القضايا العربية يتحسسون جيوبهم لا عقولهم وقلوبهم قبل أن يناضلوا ويعارضوا ويهتفوا ويتظاهروا ويحللوا. والإعلام العربي يريد أن يملأ مساحات زمنية أو ورقية بأي كلام، وحبذا لو كان الكلام ساخناً ومشتعلاً من أجل كعكة الإعلانات. والعرب ملوك الكلام أو هم أسود الكلام ولكنهم عبيد وجرذان في الفعل. ولم يعد هناك في هذه الأمة من يقرأ ومن يسمع، فنحن جميعاً كتّاب ومتكلمون ولا أحد يقرأ أو يسمع.. واختلافنا زحمة وليس رحمة أبداً. وأزعم أن إطالة أمد القضايا والمشاكل والرهان على الزمن والوقت. كل ذلك بسبب افتقار العرب إلى أوراق لعب في أي قضية، لأننا أغنياء كلام وفقراء فعل. وقد حاربنا إسرائيل بالكلام سبعين عاماً. العدو الصهيوني والكيان الصهيوني وشذاذ الآفاق وأحفاد القردة والخنازير حتى وصلنا إلى مرحلة نعيشها الآن وهي انتصار إسرائيل بلا حرب وتحولها إلى واحة الأمن والأمان الوحيدة في المنطقة المتاخمة لها. ولعبت إيران وتركيا والإرهاب وفي القلب منه الإخوان على العرب بورقة العداء لإسرائيل.. بينما الأطراف الثلاثة بينها وبين إسرائيل تحالف أبدي وزواج كاثوليكي. والعرب وحدهم ابتلعوا الطعم وصدقت الشعوب العربية المغيبة أن هؤلاء اكتسبوا شرعيتهم من عدائهم لإسرائيل فأضحت إيران وتركيا و«الإخوان» مرحباً بهم لدى الشعوب التعيسة باعتبارهم أعداء لإسرائيل، وصار تدخلهم في المنطقة وقفزهم على السلطة فيها أمراً شرعياً بوصفهم أعداء لإسرائيل.. وصدرت إيران وتركيا أكذوبة الصراع المذهبي بين السُّنة والشيعة ونصبت إيران نفسها حارساً للمذهب الشيعي ونصبت تركيا نفسها حارساً للمذهب السُّني بينما الدولتان بينهما تحالف استراتيجي ليس فيه تناقض بين الشيعة والسُّنة.. ولديهما أحلام الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية العثمانية.. وهناك ما يشبه الاتفاق بينهما على تقاسم مناطق النفوذ والهيمنة في الأمة العربية.. وهناك أيضاً تحالف استراتيجي بين إيران مدعية الشيعية و«الإخوان» مدعي السُّنة.. وتحالف تآمري استراتيجي بين «حماس» السُّنية «الإخوانية» و«حزب الله» الشيعي.. وكل هؤلاء جمعتهم أكذوبة العداء لإسرائيل، وقد كان هذا العداء الوهمي ورقة التوت التي ستر بها المتآمرون على الأمة ومن والاهم من العرب الأغبياء عوراتهم. وكان الدين وما زال أيضاً ورقة توت أخرى وطعماً آخر ابتلعه العرب الأغبياء أو أغبياء العرب وما أكثرهم.. وأصبح المتكسبون من تجارة الدين أضعاف المتكسبين من قضية فلسطين وغيرها.. وأيضاً كان العداء لإسرائيل هو ورقة توت الإسلاميين كما كان ورقة توت القوميين والناصريين والشيوعيين والليبراليين من قبل.. وابتلعت الشعوب العربية المغيبة أو الغبية طعم الدين المعادي لإسرائيل.. ولعب المتأسلمون لعبة المقاومة كما لعبها القوميون واكتسبوا أرضاً لدى الشعوب بأكذوبة العداء لإسرائيل. هكذا فعل «داعش» و«القاعدة» و«الحوثي» و«الإخوان» و«النصرة» و«حزب الله» و«حماس». كل هؤلاء تجار سلعة العداء لإسرائيل لكنها مغلفة هذه المرة بغلاف ديني. والمشكلة أن قطر لعبت نفس لعبة العداء الوهمي لإسرائيل باسم الدين وأرادت استثمار الجماعات الإرهابية في لعبة الجهاد الوهمي لتكتسب زخماً شعبياً في الأمة.. ولا أظن أبداً أن قطر ستعود عن أجندتها لأنها امتلكت قرار الدخول في اللعبة ولكنها لا تملك قرار الخروج منها.. وربما تلعب قطر على الزمن والوقت وإطالة أمد الأزمة.. وهذا مسلك «الإخوان» عموماً.. الحرب المؤجلة.. أو اللعب على عامل الزمن والوقت حتى يبرد الساخن وتتراخى القبضة ويعتاد الناس مع الوقت وتتغير المواقف وتحدث التنازلات ونتفاوض إلى ما لا نهاية كما فعلنا مع إسرائيل حتى نصاب بالملل ونقبل ما رفضناه ونسحب ما طلبناه.. ولا بد أن يكف العرب عن رذيلة تبريد القضايا بالرهان على الوقت، وينبغي طرق الحديد وهو ساخن. ومسألة الوساطة في الأزمة ليست سوى عنصر من عناصر الرهان على الوقت والزمن وتراجع الحماس وفقدان الشهية.. ولا ينبغي أبداً ابتلاع طعم الوساطة ولا بد من القفز فوراً إلى المرحلة التالية وهي إعادة النظر في كل قواعد اللعبة العربية والكف عن الرهان الخاسر على الزمن والوقت والكف أيضاً عن نضال وجهاد الجيوب بعد أن ماتت العقول والقلوب.. وأن ندخل في الموضوع مباشرة بلا تحاليل، فالمرض العربي معروف ولا جدوى من التحاليل.. وعلينا أن نسأل العليل ولا نصدق التحاليل.. على رأي الفنان الراحل محمود عبدالعزيز في فيلم جري الوحوش.. (يا دكتور.. صدق العليل وماتصدقش التحاليل)! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©