الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشرهان.. لغة نظيفة بلا تزويق

الشرهان.. لغة نظيفة بلا تزويق
22 ابريل 2015 21:58
وداعاً يا أحبائي علي عبدالعزيز الشرهان إنه وقت الأصيل، الشمس أرجت بأشعتها الحمراء، وأعطت الأفق البعيد لونا برتقاليا. البحر هادئ، الأمواج الصغيرة تداعب جانبي (البتيل) وجميع البحارة متكئون في أوصاع مختلفة. في تلك اللحظة كنت أتخذ من الصاري مسندًا لجسمي بعد عمل طويل، تجميع الحبال... تحويل الشراع حسبما يقتضيه اتجاه الريح. تنظيف السطح.. تصفية باطن البتيل من المياه. العمل يجري وسط صياح النوخذة الذي يصم الآذان، تحركوا بسرعة لعنة الله عليكم. لا نرى الراحة إلا في هذه الساعات التي يقل فيها العمل أو تلك التي تعقب تناول طعام العشاء الذي يتكون من الأرز والسمك الطازج في بعض الأحيان، نظرت إلى الشراع الذي احتضن الريح التي تدفع البتيل تجاه الشمال... نسير بمحاذاة الشاطئ لأفريقيا... الحمولة خشب ونارجيل... الطقس رائع... يزداد جمالا بين حين وآخر... أسراب من الطيور في استعراض بديع متجهة إلى الجنوب.. شعرت بأن شيئا سيحدث أو ربما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة.. لم أهتم.. تشوبني فرحة عظيمة.. الأولاد... الديار التي رحلت عنها منذ ثلاثة أشهر، وهي التي أسرتني بحبها سأحتضنها وأقبلها... ويالها من سعادة، أيام قليلة ونرسو على تلك الشواطئ العزيزة... بالتأكيد تنتظرني مع الأخريات تبتسم عندما تراني بعد تلك الرحلة والصغار سيفرحون بالهدايا التي أحضرتها من أفريقيا... إنه النارجيل.. وفجأة صاح النو خذة قائلا: محمد... سالم... إبراهيم. أنت... أنت... هيا خذوا الاحتياطات اللازمة لمواجهة عاصفة قد تهب من الجنوب. نهضت بفزع بالغ.. يا ترى هل..؟؟؟؟ لا أدري ماذا أقول.. بالتأكيد سنصل ولن تؤثر العاصفة. أخذنا الاستعداد الكافي، جهزنا الشراع الصغير... تفحصنا الدفة ومدى قوتها... جهزنا البضائع الثقيلة الممكن رميها للحفاظ على توازن البتيل.. احضرنا المراسي الثقيلة مع الحبال... ساعتان من العمل العنيف، البتيل، يمخر عباب البحر باعتزاز غير ابه بما سيحدث، العيون تراقب الأفق البعيد اقبل الليل.. بدأ الظلام يغطي المحيط من حولنا.. ازداد تمايل البتيل أكثر فأكثر، وسط الصمت المخيف، قال النوخذة: سيرنا الآن محاذ للساحل الصومالي، عليكم الحذر والاستعداد، لكثرة الجبال في هذه الأماكن، الصمت المميت.. الترقب... القلوب.. في خفقان مستمر... سلسلة الأحلام التي في ذهن كل منا اضمحلت واختفت... درجة الأمل... قلت... لم يعد إلا اليأس... العيون تراقب... الآذان ترصد.. وفجأة.... حدثت الصاعقة..... ريح عاتية اقتلعت الأقمشة المثبتة في المؤخرة والمستخدمة للظلال.. تطاير عدد كبير من الأخشاب الموجودة علي سطح المكتب.. معركة حقيقية... البتيل في صراع مع الأمواج العالية ترتفع وتهبط إلى الأسفل ومياه الأمواج تغطيه عرضا وطولاً وتكاد تغرقه... الصياح يتعالى لبذل اقصى ما يمكن من الجهد... أنزل الشراع الكبير، رميت المراسي ومجموعة أخرى ترمي البضائع الثقيلة... لعنات النوخذة تنهال علينا كالسياط لا أريد أن أخسر، أريد البتيل يرجع سالما... أعطوني الثقة فيكم لا أريد أحداً دون عمل.. كلنا نعمل.. الواقع يفرض علينا ذلك.. لم نعره اهتماما... نتألم وسيطر الفزع... السواعد الضعيفة ممسكة بقوة في كل جهة... هدأت الريح واستقر البتيل... هدأت الأمواج الثائرة الساعة تشير إلى منتصف الليل. انبعثت فينا روح الأمل... تجمعنا.. والتحمنا في عناق طويل.. تفقدنا الجميع... التعب حطم قوانا. جروح متفرقة في أجسادنا لم تكن بليغة. تجمعنا عند النوخذة نهنئه بالسلامة... خرج من غرفة القيادة نادى بإحضار المصباح... تقدم يتفحص البضاعة... نحن مكلفون برمي الثقيلة منها. بعد جولة في البتيل وصلنا وهو في حالة غضب شديدة قائلاً: من الذي تصرف بحماقة وفعل ذلك... سينال جزاءه. عبير زيتون احتل الدكتور عبدالعزيز الشرهان، موقعاً ريادياً في الحياة الأدبية، في مرحلة مفصلية من تاريخ الإمارات (السبعينيات 1975-1979) مع مجموعته القصصية «الشقاء »، التي صنفها النقاد بالعمل الأدبي الرائد في عصره، بسبب المضمون الذي طرحته، سواء على مستوى الثقافة، وعادات تلك المرحلة، أو على مستوى الغوص في مفردات المكان، الذي يعكس البيئة والمجتمع المحلي، موظفا خبرته الثقافية، والأكاديمية والدبلوماسية بحكم عمله وزيرا للتربية والتعليم والشباب، في فترة مهمة من حياة الإمارات، في عمله القصصي عبر ترسيخ مفهوم وقيمة التراث، في بناء حياة الإنسان، وربطها مع مفاهيم الأصالة والمعاصرة، وفق رسالة توعوية اجتماعية محورها وهدفها جيل المستقبل الواعي لثقافته ومجتمعه. بلغة نظيفة في بداوتها، صادقة في عبارتها، غريرة في تصورها حد الطفولة، تنفر من التحضر العفن، وتعاف اللعاب المادي، لا تخجل كما الطفل في قول ما تريد، تصور الحياة في بلاد تنتشر بين البحر والصحراء، وتضيع حدودها بين ذاك وهذه، بعيدة بعد البحر، وقريبة قرب الصحراء، لا تخجل من ماضي الحياة، عند إنسان البحر والصحراء، في قسوتها وبساطتها وتعقيدها في آن. بمثل هذه الصور تتحدث ست عشر قصة قصيرة في مجموعة الشقاء للدكتور علي عبدالعزيز الشرهان، عن حياة جيل نشأ قبل ظهور النفط وعاش طفرة العمران والازدهار الاقتصادي. يسرد بلا تزويق ولا محسنات بلاغية ولا حيل أسلوبية، هموم ومتاعب الإنسان أيام الغوص والصيد بما تحمله من مخاطر وصعوبات يترتب عليها الفقد والضياع والخسارة، ومحاولة التكيف معها ومع قسوتها، بعدسة دقيقة تربط المكان بالزمان بطريقة موحية ومعبرة عن علاقة الإنسان الكاملة ببيئته الاجتماعية. ولد الدكتور علي عبدالعزيز الشرهان، دكتوراه فلسفة في علم اللغة الاجتماعي من جامعة أسيكس بالمملكة المتحدة، في إمارة رأس الخيمة عام 1950، تقلّد منصب وزير التربية والتعليم والشباب في الدولة خلال الفترة ما بين 1997 ـ 2004، وقبل ذلك تنقل بين العديد من الوظائف والمناصب المهمّة. صدرت مجموعته القصصية «الشقاء» عن منشورات المطبعة العصرية بدبي عام 1977، أما الطبعة الثانية من الرواية فقد صدرت عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عام 1992. أصدر كتاب «تحولات اللغة العربية الدارجة» عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات بالشارقة عام 1989، وترجم قصّة قصيرة للناشئة بعنوان «السمكة الصغيرة» للكاتب الإيراني صمد بهرنجي 1986. اتخذ عدة قرارات مهمة خلال توليه منصب وزير التربية والتعليم والشباب، منها قراره الشهير عام 2001، بسحب كتاب يدرس لطلبة الصف التاسع بمدرسة «كمبردج» الدولية في أبوظبي والعين والدوحة، يتضمن مغالطات صارخة حول تاريخ العرب والإسلام والمسلمين والقضية الفلسطينية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©