حيادية الإعلام مزعومة

برزت جدلية ''حيادية الإعلام'' على سطح الأحداث بعد إحجام هيئة الإذاعة البريطانية ''بي بي سي'' عن بث نداء استغاثة لسكان غزة، متمترسة خلف مبدأ الحيادية· وبرزت بموازاتها جدلية تتقاطع مع دور الإعلام ومشاهده البصرية في ''كشف المستور''· وثمة مفارقة ''فاقعة'' في تعاطي محطات تلفزة مع الحيادية، فمنها من يلجأ إلى تجاهل الأحداث، وفي ذلك تغاض عن الحق بالمعرفة لاسيما أنها المحرض الأساسي لتحريك الرأي العام وتعبئته وصولاً لتغيير ما· ومنها ما يلتزم ببث متوازن للأحداث، غير أن ذلك يصطدم بمبدأ أن ''العدالة تقتضي عدم المساواة''؛ فليس الدمار الذي تحدثه صواريخ المقاومة مناظراً للذي تحدثه آلة القتل الإسرائيلية· ومشاهد ''الهلع'' والزجاج المكسور في المستوطنات الإسرائيلية، لا توازيها مشاهد الأشلاء البشرية المتناثرة، ودمار ''تسونامي'' لمباني غزة· ولا يمكن إنكار أن الإعلام جزء من المنظومة الثقافية للمكان الذي ينشأ فيه، ومن حق العرب تكريسه لخدمة قضيتهم التاريخية حتى لو تطلب الأمر بث مشاهد ''دامية'' تبث الرعب والأسى في نفوس مشاهديها كردة فعل للقوة ''المنفلتة'' التي مارستها قوات الاحتلال ضد الغزيين· وخاضت محطات فضائية في حرب ''الثلاثة والعشرين يوماً'' حرباً من نوع آخر استهدفت تشكيل قوى ضغط تدفع باتجاه فضح الممارسات الإسرائيلية على أمل ملاحقة مرتكبيها على أقل تقدير، فيما عمدت إسرائيل وحلفاؤها إلى التركيز على مشاهد إطلاق صواريخ المقاومة وتضخيم نتائجها لتبرير حربها على غزة، حتى جعلت القطب الأوحد في العالم ومن يدور في دائرته يبدي ''تفهماً'' لحرص الدولة العبرية على حماية نفسها· وفرغت إسرائيل القطاع، مع بدء الحملة، من الصحفيين الأجانب بذريعة ''الحفاظ على سلامتهم''· وهو ما انتقده مدير قسم الأخبار العالمية في وكالة ''أسوشييتد برس'' جون دانينسوفسكي، معتبراً أن ''ذلك أعاق نشر المعلومات المستقلة''· ويبدو الأمر كما لو أنه ''تعتيم'' إعلامي على ما تنوي قواتها ارتكابه هناك· والواقع أن إسرائيل احترفت اللعب في غياهب الإعلام، واستطاعت تجاوز الحيادية عندما عظمت المحرقة النازية، وحفرتها في ضمير المجتمع الدولي، باستخدام أدواته؛ فجعل ''الهولوكوست'' خطاً أحمر يوضع من يشكك فيه في خانة ''معادي السامية'' وهي تهمة يدفع من يوصم بها ثمناً غالياً· وتبقى الجدلية قائمة هل حيادية الإعلام مبدأ ثابت؟ أم هي حال متغيرة تلبس ثوب المكان الذي تقع فيه الأحداث؟ وتتأثر بتجاذبات وصفقات تجري تحت الطاولة؟ ليلى خليفة