الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تنافس بين الكوفي والنسخ في تدوين المصاحف والكتابات الزخرفية

تنافس بين الكوفي والنسخ في تدوين المصاحف والكتابات الزخرفية
20 سبتمبر 2008 00:27
ساعد ظهور الإسلام وانتشاره على العناية بالخط العربي، لاسيما بعد أن لاقت اللغة العربية انتشارا واسعا مع الفتوحات وترسخت أقدامها في الأمصار المفتوحة بقيام الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان بتعريب الدواوين ومنع استخدام البهلوية واليونانية فيها ومن ثم أصبحت للعربية قيمة سياسية إلى جانب أهميتها الدينية والأدبية· وكانت الكتابة تحظى بتقدير المجتمعات في البوادي والحواضر، منذ أيام العرب الباكرة، ويكفي أن العرب في جزيرتهم قبل الإسلام كانوا يفضلون الكتابة على الحفظ السماعي وآية ذلك نشأة المعلقات في أيام الجاهلية· ومن المفارقات التاريخية أن انحسار مد العربية ترافق مع اعتماد لغات كثيرة على الحرف العربي في التدوين كالفارسية والتركية والأردية والبنجالية والمالاوية· وثمة عوامل مختلفة ساعدت على التطور الفني السريع للخط العربي، أهمها طبيعة الخط وما تمتاز به أشكال حروفه من الحيوية بفضل ما فيها من الموافقة والمرونة والمطاوعة، واختلاف الوصل والفصل مما هيأ لها فرص التطور والزخرفة بطرق وأساليب مختلفة· وكان الخط العربي الوسيلة الأساسية التي حفظ بها القرآن الكريم، إذ تم جمع القرآن في خلافة أبي بكر الصديق بعد استشهاد كثير من حفظته في حروب الردة وفي خلافة عثمان بن عفان كتبت المصاحف وأرسلت نسخ منها الى الأمصار المختلفة وأدت كتابة القرآن بالخط العربي وتلاوته في المصاحف والتعبد به إلى إعلاء شأن الخط العربي واجلاله· أما السبب الأخير وراء العناية بالخط وتطويره ليصبح فنا جميلا فهو ما شاع عند المسلمين في العصور الوسطى من تحريم الإسلام لتصوير الكائنات الحية فوجد المسلمون في الخط العربي متنفسا لمواهبهم الفنية ونزعتهم الجمالية· ومن أهم مظاهر العناية بالخط العربي تفرعه إلى عدد كبير من الخطوط يتميز كل منها بخصائص فنية وزخرفية، وإن اتفق على تقسيم هذه الخطوط الى مجموعتين، وهما مجموعة الخط الكوفي ''خط البسط'' ومجموعة الخط النسخ ''المقور أو المنسوب'' حيث ان الخط العربي يحمل منذ بداياته الأولى الطابعين، المبسوط والمقور أي أن الخطين الكوفي والنسخ قد ظهرا منذ البداية ولم يتطور احدهما عن الآخر· وقد شهدت القرون الهجرية الخمسة الأولى غلبة استعمال الخط الكوفي بأنواعه في الكتابات التذكارية للعمائر وعلى شواهد القبور وفي العملات وفي زخارف الفنون التطبيقية، بينما ظل خط النسخ حبيسا خلال تلك الفترة في المكاتبات اليومية ونسخ الكتب وتسجيل الوثائق الرسمية وليس من المستغرب في ظل هذه الحقيقة أن يقفز الخط الكوفي قفزات واسعة في سبيل تنسيق أشكال الحروف والكلمات خلال القرن الهجري الأول· وأخذت الحروف المكتوبة بالخط الكوفي تكتسب أشكالا زخرفية مختلفة مما أدى الى تفرعه الى أنواع من الخطوط منها الكوفي البسيط والكوفي ذو الطرف المتقن ثم الكوفي المورق وهو نوع من الخط تنتهي فيه الأحرف بأوراق نباتية سواء في أطراف الحروف أو هاماتها· وهناك ايضا الكوفي المزهر والكوفي المجدول والكوفي المحدد بشريط زخرفي والكوفي ذو الأرضية النباتية والكوفي المعماري والكوفي المربع والكوفي المغربي· ويتفق مؤرخو الفنون على أن الخط الكوفي كان أسرع في التنسيق من الخط النسخ لأنه يتألف من مستقيمات تتقابل في زوايا ومن ثم صار من السهل التوصل الى تنسيقه وترتيب حروفه في وقت قصير نسبيا· أما خط النسخ فقد استغرقت إجادته عدة قرون حتى أصبح على قدر من الجمال والجودة أهله لأن تدون به المصاحف ويستخدم في الكتابات التذكارية والعملات والنقوش الزخرفية· ويرجع الفضل في تطوير الخط النسخ الى سلسلة من الخطاطين الذين أخذوا على عاتقهم العمل على تحسين هذا الخط وتجميله وعول الخطاطون في عملهم الفني على معايير وقواعد يضبطون بها الخط وذلك بأن يحددوا لأشكال الحروف نسبا هندسية وقياسية· وقد حفظت لنا المصادر التاريخية أسماء أبرز هؤلاء، فيعتبر ''علي بن مقلة'' الخطاط البغدادي الذي عاش في نهاية القرن الثالث الهجري أول من قدر للخط معايير يضبط عليها، إذ نسب ابن مقلة الحروف الى الآلف، التي اتخذها مقياسا أساسيا بعد أن حدد طولها بعدد من النقاط أي أنه ناسب بين طولها وعرضها ومن هنا سمي الخط النسخ بالخط المنسوب· ونسج الخطاطون بعد ذلك على منوال ابن مقلة من أجل الوصول بفن الخط الى الكمال، ومن أشهر هؤلاء ابن عبد السلام ثم علي بن هلال المعروف بابن البواب وجمع في خطه بين النسب والجمال· ثم ازدهر هذا الفن في القرن السابع الهجري ''13م'' بفضل ياقوت المستعصمي الذي لقب ''بقبلة الكتاب'' واستمرت من بعده محاولات التجميل والتحسين في مختلف الأقطار الإسلامية ولم يتخلف عنها أولئك الذين اتخذوا من الحرف العربي رداء للغاتهم كالفرس والترك والهنود والأفغان· ومنذ القرن السادس الهجري أصبح الخط النسخ على مستوى من الجمال الفني مكنه من منافسة الخط الكوفي كخط رسمي وزخرفي فاحتل الصدارة في تدوين المصاحف والكتابات على العمائر والتحف المعدنية واستنبط الخطاطون أنواعا مختلفة من الخط النسخ مثل خط الطومار والثلث والتعليق والفارسي والديواني والهمايوني والرقعة والطغراء، وكان هذا النوع الأخير يستخدم في توقيعات السلاطين على الأوراق الرسمية وفي تسجيل أسمائهم في عصر الدولة العثمانية· ونال الخطاطون مكانة رفيعة في المجتمع الإسلامي، واعتبر الخطاط أحق أرباب الصناعات والفنون بمعنى الفنان وأقربهم إلى الفكر بل ربما كان هو الفنان بحق في المجتمع الإسلامي· وممن وصل الى منصب الوزير من الخطاطين، ابن مقلة الذي كان وزيرا لثلاثة من خلفاء العباسين كما أن شيوخ الإسلام في الأستانة كان كثير منهم خطاطين، وزاول كثير من ذوي النفوذ والسلطة الخط على سبيل الهواية واعتبر توفيقهم في ذلك تشريفا لهم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©