الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهرجان «الساف» يرصد القبض على «السمان»

مهرجان «الساف» يرصد القبض على «السمان»
29 يونيو 2010 21:07
في شهر يونيو من كل عام يقصد السياح العرب والأوروبيون بلدة الهوارية التونسية لحضور مهرجانها الذي يجمع بين المتعة والإثارة، بعد أن أصبح عُرساً سنوياً يستقطب عشاق فن ترويض الطيور منذ 40 عاماً. ويزيد من شهرة هذه البقعة الوادعة من تونس أنها واحدة من أهم مناطق عبور الطيور المهاجرة في العالم، لا سيما طائر “الساف” الذي أصبح منذ عام 1967 يمثل عنواناً للفرح ينعش ذاكرة أهالي الهوارية التراثية من خلال “مهرجان الساف” الذي يستهدف تنمية السياحة البيئية. خـلال الــدورة الـ 44 لمهرجان “الساف” للصيد، الذي اختتمت فعالياته مؤخراً شهدت بلدة الهوارية الصغيرة الواقعة على الطرف الشمالي الشرقي للساحل التونسي، وتبعد عن العاصمة نحو مائة كيلومتر احتضان عرس “أمير السماء” أو طائر “الساف” أو “الباشق” كما يسميه أهالي المنطقة. طائر “البورني” لشدة ولع سكان الهوارية بهذا الطائر التراثي فإن الزائر يسترعي انتباهه وجود تماثيل وصور ورسومات متنوعة الأحجام لطائر “الساف” في مختلف جنبات تلك المدينة. ويقول الشاذلي الجليدي، مؤسس ورئيس جمعية بيازرة الوطن القبلي “فن ترويض الطيور والصيد بالصقور جزء مهم من مكونات الثقافة المحلية لأهالي منطقتنا، التي تستقبل في كل عام مئات الصيادين والمدربين للتنافس على قنص طائر السمان بواسطة “الساف” وطائر “البورني” ذي الحجم الأكبر لقنص طائر الحجل”. ويمتد هذا المهرجان لمدة خمسة أيام وتتمثل أبرز فعالياته في تلك المسابقة اليومية للصيد بطيور “الساف” و”البورني” أو الصقر البحري التونسي وهو المعروف في منطقة الخليج باسم “الشاهين”. ويشير الجليدي، مؤسس جمعية مهرجان الساف في الهوارية التابعة لولاية نابل التونسية، إلى أن الصقر أصبح رمز مدينتهم الصغيرة التي ترتمي بجمالها الدافق وطبيعتها الساحرة وهدوئها الأخاذ في أحضان زرقة مياه المتوسط بمواجهة الشواطئ الإيطالية. ويضيف “ينطلق الصقارون في بلدتنا والمناطق المحيطة قبل موعد المهرجان إلى غابات جبال الهوارية القريبة، التي تعلو نحو 365 متراً عن سطح البحر، لاصطياد “الساف” أثناء قدومه من جنوب القارة السمراء في طريق عودته إلى أوروبا خلال فصل الصيف”. شباك متحركة لأن الآباء والأجداد في الهوارية يحرصون، وفق الجليدي، على غرس حب الطبيعة وترويض الجوارح في نفوس الصغار عن طريق سرد القصص والحكايات حول طائر “الساف” الذي أصبح مصدر إلهام لمعاني الرشاقة والجمال والسرعة، فإن أهالي المنطقة يصطحبون الأبناء إلى أعالي جبل الهوارية حيث تنصب الشباك لاصطياد “الساف”، وهي عملية مقننة لها ضوابط وشروط، لعل أبرزها أن يكون الصياد منتمياً إلى جمعية البيازرة في الهوارية. ويتم عادة اصطياد “الساف” بطريقتين، كما يقول الجليدي، الأولى وتعرف بـ “النصابة” عن طريق استخدام الشباك المتحركة الموجودة في قمة الجبل، أما الطريقة الثانية فتسمى “الغزول”، إذ تنصب الشباك وسط الغابة والوديان حيث يبحث طائر “الساف” المهاجر عن طرائده. ولعملية الترويض قصة أخرى وأصول مرعية تبدأ بتدريب الطائر على الأكل من يدي الصقار، وتسمى بمرحلة “استئناس الطائر” والتي تحتاج إلى كثير من الصبر والمثابرة، وما إن تنتهي هذه المرحلة حتى يقوم المدرب بإخراج الطائر وهو يحمله فوق يده إلى المقهى ومجالس البلدة ليعيش وسط حركة الناس اليومية بهدف تعويد الطائر على أجواء الحياة العادية ومرافقة الإنسان. حمية الصقور يقول الجليدي “تستغرق عملية ترويض طائر “الساف” حوالي 20 يوماً، وذلك باعتماد طريقة التجويع وفق قواعد محددة ونظام محسوب حتى يتخلص الطائر من كمية الشحوم المختزنة في جسمه، ويتم خلال تلك الفترة إطعام الطائر بلحوم خالية من الدهن للمحافظة على قوته ورشاقته، ويعقب ذلك خروج طائر “الساف” للتدريب على الصيد من أجل إحياء غريزته في اصطياد الفريسة”. وشهدت أيام المهرجان منافسات قوية بين 85 صياداً وسط إقبال جماهيري لم يقل حماسهم خلال مسابقات الصيد اليومية عن حماسة محبي كرة القدم في منافسات كأس العالم، حيث الحضور الكثيف للجمهور الذي احتشد على مدرجات منصة المهرجان والمقامة على هضبة مرتفعة تطل على صفحة مياه المتوسط. وتتراوح أعمار المتسابقين بين 18 و70 عاماً وسط تشجيع الجمهور للفوز بإحدى جوائز المهرجان العشر وفي مقدمتها “الكأس الممتازة” التي تمنح لأفضل صياد، فيما يحصل الفائزون في المراكز التالية على مكافآت وجوائز أخرى عديدة. القدرة على المناورة عند إشارة البدء يطلق كل متسابق بيده اليسرى طائر “السمان” وبيده اليمنى “الساف” أو “الباشق”، الذي يطارد الفريسة في الجو حتى يسيطر عليها، ويهبط بها إلى مدربه وسط هتافات التشجيع وصيحات الإعجاب ويتعالى تصفيق الجمهور كلما نجح الصقر في إبراز قدرته على المناورة في السماء وانقضاضه على فريسته التي نادراً ما تفلت منه. وعقب انتهاء مسابقات المهرجان وإعلان الفائزين يحظر على المربين والصيادين الاحتفاظ بطائر “الساف” بعد انقضاء موسم الصيد، ويقوم البيازرة بتحرير الطيور الموجودة بحوزتهم وإطلاقها في الطبيعة لتواصل الطيران في طريقها نحو الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط بعد تثبيت خواتم في أرجلها للتعرف إلى مكان قدومها. وتقوم لجنة تحكيم المهرجان التي تضم عدداً من رواد “البيزرة” بعملية تقييم لآراء المشاركين في المسابقة وطيورهم من حيث إطلاق الفريسة التي سيقوم طائر “الساف” بملاحقتها، وصحة “الباشق” ومدى سرعته وقدرته على المناورة في قنص الفريسة وطريقة إمساكه بها. أمسيات موسيقية وتراثية مع انطلاق مهرجان “الساف” تعيش بلدة الهوارية أجواء احتفالية بألوان متعددة من الفعاليات تتوزع بين معارض “البيازرة” وورش الفنون التشكيلية والتصوير ومسابقات للدراجات الهوائية التي تحظى بمشاركة الصغار، إضـافة إلى تنظيم زيارة إلى مرصد هجرة الطيور. ويــشتمل برنامج المهرجان إحياء أمسيات فنية وموسيقية تحييها الفرق المحلية في كل ليلة خلال أيام المهرجان، إلى جانب مسابقة رمي الصحن والعروض الفولكلورية واستعراضات الفروسية. وتتضمن الفعاليات كذلك إقامة المعرض التجاري في وسط البلدة، وهو المعرض الذي يستقطب الزوار وأهالي المنطقة حيث يعرض العديد من المنتجات التراثية والمحلية خاصة الملابس والاكسســـوارات النـســائية والخـزفيات التي تنتشــر في تونس وتشتهر بها. ويحرص القائمون على المهرجان في هذه المناسبة على أن يكون هناك حوار ومناقشة مفتوحة من خلال تنظيم ندوة حول آفاق التنمية السياحية في منطقة الهوارية. “أمير السماء” يأنف الجيف ويحب العطور طائر “الساف” أو “الباشق” كما يطلق عليها محلياً في بلدة الهوارية الشهيرة بمهرجان الصيد السنوي هو أهم أنواع الصقور ويمتاز بلونه الرمادي المائل للزرقة في أعلاه مع سواد في قمة رأسه، ويعيش هذا الطائر نحو 17 عاماً على أقصى تقدير. و”الساف” من أسرع الطيور و ذو جناحيين قصيرين ومستديريين وذيل طويل ويوجد في الغابات وهو “طائر الفخر والشهامة”، ويلقب بـ “أمير السماء”، ولا يأكل الجيفة، ويحتاج يومياً إلى التهام حوالي 400 جرام من لحوم الطيور الحية، ويتسم بالذكاء وحدة بصره وسرعة انقضاضه على الفريسة. ويؤكد هواة الصيد بالصقور أن طائر “الساف” يشعر بالارتياح والطمأنينة إلى الشخص ذي الرائحة الطيبة، أو الذكية، ويستقر فوق يده باطمئنان، بينما ينفر بشدة من الشخص كريه الرائحة، لذلك يحرص الصيادون على التطيب بالروائح والعطور الجميلة عند التعامل مع طائر “الساف”. «الخال» وضربة البداية من علامات مهرجان الساف اللافتة وجود علي بن بشير القراري، ذلك السبعيني الذي يحلو لأهالي المنطقة والقائمين على مسابقات المهرجان أن ينادوه باسم “الخال”، حيث يحرص على ارتداء ملابس الصيد حاملاً حقيبة بأدوات القنص وممسكاً بيسراه عصا يتكئ عليها. ويقول “الخال” وهو يداعب طائره قبل انطلاق المسابقة “أشارك بصفة منتظمة منذ ولادة هذا المهرجان قبل نحو أربعة عقود، وأحرص على الظهور فيه سنوياً. ويسعدني حقيقة أن تكون ضربة البداية في فعاليات هذا العرس السنوي من نصيبي، وهو تقليد يحرص عليه المنظمون، وأنا فخور بذلك، كما أنها فرصة لكي تتعلم الأجيال الناشئة هذه الرياضة التراثية، وتترسخ في وجدانهم باعتبارها جزءاً من حياة وثقافة أهل الهوارية عبر قرون مضت”. الجوارح في ضيافة الكهوف عُرفت بلدة الهوارية التونسية عند الرومان باسم “أكوالاريا”، أي “بلاد الصقور”، ويحرص الكبار من أهلها على صقل مهارات الأبناء في فنون ترويض الطيور وتدريب الصغار على الصيد بالصقور. وينتشر في الهوارية العديد من الكهوف والمغارات التي يعود عمر بعضها إلى ما قبل الميلاد، حيث تلجأ إليها سنوياً آلاف الجوارح التي تعبر مناطق تونس خلال شهر مارس في كل عام أثناء رحلتها من أفريقيا إلى أوروبا. وتشرف الهوارية على واحد من أهم معابر الملاحة الدولية “مضيق صقلية”، وهو محطة توقف رئيسية وبيئة مناسبة في رحلة الهجرة الخريفية من الشمال إلى الجنوب عند اشتداد البرد والثلوج في أوروبا، وكذلك في الهجرة الربيعية مع ذوبان الجليد وتحسن الطقس في أوروبا واشتداد الحرارة في أفريقيا لتعود الطيور أدراجها في اتجاه الشمال. وتضم جمعية “البيازرة” في عضويتها نحو 500 صقار من الهوارية والمناطق المجاورة.
المصدر: الهوارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©