الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجيش الأميركي...وخطورة «مشاعر التفوق»

الجيش الأميركي...وخطورة «مشاعر التفوق»
29 يونيو 2010 21:22
أندرو باسيفيتش أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن الأميركية الحروب الطويلة والديمقراطية على طرفي نقيض، ذلك أن النزاعات المستمرة عادة ما تفرز سموماً تؤدي إلى تآكل مستميت في قيم الحكومة الشعبية، على الأقل تلك القيم المرتبطة بمدونة السلوك العسكري الذي تنص على احترام مبدأ السيطرة المدنية، وفي الوقت نفسه ابتعاد سلك الضباط عن وصمة السياسة. وقد جاءت أحداث الأسبوع الماضي التي شهدت إقالة الجنرال ستانلي ماكريستال على خلفية مقالة مجلة "رولينج ستون" لتلمح إلى التكلفة التي تثقل كاهل القوات المسلحة الأميركية بعد عقد تقريباً من الحروب المتواصلة. ومع أن الأحداث نفسها أكدت إمكانية التخلص من أي جنرال مهما علا شأنه مثل "ماكريستال" ذي الأربعة نجوم، إلا أن أما حصل يثبت تآكل الأخلاقيات المهنية داخل الجيش، كما اتضح من خلال التجرؤ على المسؤولين المدنيين، هذا فضلاً عن أنه يدق ناقوس الإنذار ويدعو للتفكير، فقد فهمت الأجيال السابقة من القادة الأميركيين سواء كانوا العسكريين منهم، أم المدنيين خطورة الحروب الطويلة، وهو ما عبر عنه ذات مرة الجنرال "جورج مارشال" قائلاً "لا تستطيع دولة ديمقراطية خوض حرب لمدة سبع سنوات"، فالشعب الذي مد الحرب العالمية الثانية بشريان الحياة الأساسي من خلال جيش من المواطنين، والذي كان لديه ما يكفي من التصميم، صبره ليس بلا حدود؛ لأن الشعب يتطلع إلى كسب الحرب والعودة سريعاً إلى الحياة الطبيعية. والحقيقة أن حكمة "مارشال" سرعان ما أثبتت صحتها في فيتنام، حيث أغرق "ليندون جونسون" الولايات المتحدة في حربها الطويلة، كما أن الجيش المكون من المواطنين الذي أرسل إلى جنوب شرق آسيا حارب بشجاعة لفترة من الزمن ثم بدأ في التداعي، وفيما كانت الحرب تمدد نفسها عبر الزمن انقلب عدد كبير من الأميركيين ضدها، بل انقلبوا حتى ضد الجنود الذين خاضوها. وبعد فيتنام، تخلت الولايات المتحدة عن جيش المواطنين، متغافلة عن النتائج التي قد تترتب على ذلك، مفضلة كبديل ما سماه الآباء المؤسسون بالجيش القائم بذاته، والمُشكّل أساساً من مهنيين يخدمون لفترة طويلة في الجيش، ولوهلة بدا أن هذه القوة المحترفة القائمة على التطوع الذاتي ذات الارتباط الضئيل بالمجتمع الأميركي بمثابة حل لمشكلة الحرب الطويلة، حيث حصلت واشنطن على جيش مدرب تدريباً عالياً، ليتناوب "الجمهوريون" و"الديمقراطيون" على إرسالهم إلى الحرب، والنتيجة هي الاستعداد الكبير للتدخل الخارجي ما إن انتهت الحرب الباردة. كما أن الأميركيين وهم يتابعون تقارير رسل الجنود إلى أماكن متعددة مثل الخليج العربي والبلقان والكاريبي والقرن الأفريقي لم يجدوا ما يشتكون منه في ظل التكلفة المتواضعة واقتصار دورهم على التشجيع، لكن هذا التفاهم وتقاسم الأدوار سرعان ما بدأ في التشقق بسبب ما دأبت "البنتاجون" على تسميته بالحرب الطويلة، هذه الحرب التي لم تعد حرب أميركا بقدر ما باتت تنتمي إلى المجال الحصري للجنود الذين يجدون أنفسهم أمام أتون الحروب، أو يستعدون لخوض أخرى جديدة، ليصل الأمر إلى وضع يخدم فيه شعباً لا يجد غضاضة في استمرار الحرب دون نهاية، فما أن تبدأ الحرب حتى تبقى مستمرة دون تأييد شعبي، وهو ما يصر أوباما على إنكاره مكرراً العبارة المجازية التالية: "الأميركيون لا يتراجعون في وجه الحقائق الصعبة". والحال أنه عندما يتعلق الأمر بالحرب، يشيح الأميركيون بوجوههم عن الحقائق المؤلمة، ففي ظل انشغالهم بالمشاكل الداخلية وعدم تأثرهم بما يجري في أفغانستان والعراق أبان الأميركيون عن قدرتهم على فصل أنفسهم عن الحرب. وعلى مدى التاريخ، أفرزت مثل هذه الظروف نوعاً من التململ في صفوف الجيش بسبب مشاعر التفوق لدى العسكريين ونفاد صبرهم إزاء فشل الذين يَفترض بهم الدفاع عنه، ويُظهر الاحتقار الذي برز في تعليقات ماكريستال وكبار مساعديه للقيادة المدنية واعتقادهم بأنهم "فريق أميركا" الحقيقي، كما وصف الضباط أنفسهم في المقالة، وشجاعتهم في مواجهة غباء وفساد المدنيين، أن الجيش الأميركي ليس بعيداً عن مشاعر التفوق تلك، ومن غير الواقعي تصور أن إقالة "ماكريستال" من قيادة الجيش في أفغانستان واستبداله بالجنرال "ديفيد بتراويس" كفيلان وحدهما بحل المشكلة، فـ"بتروايس" ليس ذلك الجندي البسيط الذي ينفذ الأوامر فقط، بل هو فاعل سياسي على درجة كبيرة من المهارة يظهر اسمه في قوائم الحزب "الجمهوري" كمرشح رئاسي محتمل في انتخابات عام 2012. وفي اليوم الذي تفجرت فيه قصة "ماكريستال" أفضى لي جندي أميركي خدم في عدة جولات برأيه فيما يجري حالياً، حيث كتب أن "الموقف الإقصائي الذي أبداه فريق أميركا أصبح منتشراً في الجيش الأميركي، وعما قريب سيتولد شعور لدى الجيش بأنهم أقدر على حل المشاكل من المدنيين". ولتفادي هذا التطور غير الصحي يتعين على الشعب الأميركي النهوض بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، فهو في حاجة إلى إعادة امتلاك الجيش إما بإراحة الجنود من خوض الحروب الطويلة من خلال إرغام واشنطن على التخلي عن سياستها في شن الحرب المتواصلة، وإما الانخراط الفعلي في الحرب والاعتراف بذلك علناً مع كل ما يترتب على ذلك من التزامات مدنية وتعبئة شعبية وسياسات مالية وترتيب للأولويات الداخلية، أما الاستمرار في الطريق الحالي دون اختيار أحد المسارين وبالتالي إخضاع الجنود إلى المزيد من الاستغلال، فهو فقط يلحق الضرر بالديمقراطية وبالجيش الذي يخدمها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©