الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حزب «إنجابير»... هل يعيد رواندا إلى الوراء؟

29 يونيو 2010 21:24
ريتشارد جونسون دبلوماسي أميركي متقاعد مقيم في رواندا لفترة طويلة، كان التعالي والجهل واللامبالاة تجاه الضحايا الأفارقة لجرائم الإبادة الجماعية من أساسيات التعامل الغربي مع رواندا؛ لذا يتعين على الولايات المتحدة الانتباه لتصريحاتها كي لا تكرس هذا التقليد السائد في مرحلة دقيقة تشهدها البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شهر أغسطس المقبل. وحتى لا تساهم في تأجيج التوتر برواندا، فقد انتقدت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، الحكومة الرواندية في 14 يونيو الماضي لمقاضاتها "رموز المعارضة" في البلاد، وبعض "المحامين" واصفة الملاحقة القضائية بالأفعال السياسية التي يتعين تغييرها، لكن مهما كان الشخص الذي كتب تعليقات كلينتون وراجعها فقد كان لها تداعيات سلبية على الوزيرة وعلى رواندا، فإحدى رموز المعارضة التي ألمحت إليها الوزيرة في معرض انتقادها هي "فيكتوار إنجابير"، المهاجرة الرواندية في أوروبا التي رجعت إلى البلاد في شهر يناير الماضي للترشح في الانتخابات الرئاسية بعدما عاشت خارج رواندا منذ مجازر عام 1994، ولدى عودتها في السنة الجارية وُجهت لها تهم إنكار جرائم الإبادة الجماعية وتحريك الأحقاد الإثنية القديمة، فضلاً عن تعاونها مع المتمردين المستقرين في شرق الكونجو والمعروفين باسم "القوى الديمقراطية لتحرير رواندا"، التي يقودها بقايا الضباط العسكريين والسياسيين، الذين خططوا وارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية في عام 1994 ضد التوتسي في رواندا، أما "المحامي" الذي أشارت إليه وزيرة الخارجية فهو"بيتر إيرليندر"، الأميركي الذي يدافع عن مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية بالمحكمة الدولية لجرائم رواندا والمتحدث الرسمي باسم المتهمين، وهو يعمل على الترويج لنفسه كباحث عن الحقيقة رغم أن الناس في رواندا ينظرون إليه كأحد المسوقين لنظرية المؤامرة التي تسعى في النهاية إلى إنكار ما جرى من جرائم ضد التوتسي. ولدى صول "إيرليندر" إلى رواندا في أواخر شهر مايو الماضي لتقديم المشورة إلى "إنجابير" اعتقل وأطلق سراحه لاحقاً في 17 يونيو الجاري مراعاة لحالته الصحية، وبالنسبة للأميركيين الذين يتابعون ما يجري من وقائع في هذا البلد الأفريقي البعيد (هناك العديد من الأشياء تجري في رواندا، ولكنها تبقى بعيدة عن التغطية الإعلامية الغربية) تمثل تصريحات كلينتون نوعاً من النصائح الحكيمة للسلطات الرواندية، إلا أنها في الحقيقة تضر بالجهود الرواندية لحماية ديمقراطيتها الوليدة التي نشأت بعد الجرائم الفظيعة وتحصينها ضد تجدد الانقسامات الإثنية، وفيما يحق للسلطات الأميركية ضمان محاكمة عادلة لمواطنيها مثل "إيرليندر" الذين يعتقلون في الخارج، إلا أن وصف متابعته القضائية على أنها تحركها دوافع سياسية والحث على إطلاق سراحه ومراعاة حالته الصحية، كما فعلت كلينتون يتجاوز واجب الحكومة الأميركية في حماية مواطنيها، بل توحي تلك التصريحات بأن إنكار جرائم الإبادة الجماعية لا تستحق التجريم، أو المتابعة القانونية، هذا في الوقت الذي تنظر فيه أوروبا إلى عملية الإنكار على أنها جريمة تستحق العقاب، فلماذا لا ننظر لها نحن بالطريقة نفسها؟ كما أنه من غير المفهوم لمَ تدافع الولايات المتحدة عن "إنجابير" التي تدعي رغبتها في إحلال المصالحة والديمقراطية في رواندا، بل إن منظمة "هيومان رايتس ووتش" دافعت عن حقها في خوض الانتخابات الرئاسية، لكن ما لم تقله المنظمة للناس بما في ذلك وزارة الخارجية الأميركية الخلفية الأيديولوجية التي يستند إليها حزب "إنجابير" وطبيعة حملتها الانتخابية، فإنجابير ترأس حزبين روانديين يعيشان في المهجر، وهما وإن كان يتخذان اسمين مختلفين، لكنهما في النهاية حزب واحد ينحدران من الحزب الذي أسس في عام 1995 في شرق الكونجو من قبل القادة العسكريين الروانديين الذين قادوا جرائم الإبادة الجماعية في عام 1994 ضد أقلية التوتسي، وكان هدف الحزب هو استبدال الوجوه المثيرة للجدل التي شكلت الحكومة الانتقالية خلال ارتكاب الجرائم ثم انسحبت إلى شرق الكونجو. ويستند حزب "إنجابير" على أيديولوجية واضحة لم تتغير منذ عام 1995 متمثلة في عودة مرتكبي الجرائم ومناصريهم إلى السلطة في رواندا سواء بالقوة، أم بالمفاوضات، هذا في الوقت الذي أصدر فيه جهاز "الإنتربول" مذكرة اعتقال ضد رئيس الحزب السابق قبل "إنجابير" المدعو "تشارلز نيدرييهي" لتورطه في جرائم الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا في عام 1994، ولا ننس أيضاً أن حزب "إنجابير" يرتبط بصلات وثيقة مع حركة التمرد في شرق الكونجو التي اعتبرتها الولايات المتحدة كما الأمم المتحدة منظمة إرهابية، وفي زيارتها لرواندا أثارت المرشحة "إنجابير" الكثير من الجدل بعد تحدثها عن ضحايا "الهوتو" أمام النصب التذكاري لضحايا "التوتسي" في جرائم الإبادة الجماعية، وهو أمر شبيه بزيارة "أوشفيتز" ثم إثارة موضوع الضحايا الألمان في "دريسدن"، كما تعهدت ضمن حملتها الانتخابية بإلغاء المحاكم الخاصة التي أُنشئت لمتابعة مرتكبي الجرائم من الهوتو، وفي حدود علمي لم توجه الولايات المتحدة انتقادات قط إلى ألمانيا لحظرها "حزب الرايخ الاشتراكي" الذي يكرر التجربة النازية في عام 1952، أو لمحاكمتها منكري الهولوكوست، أو حتى لإلغائها العشرات من التنظيمات اليمنية المتطرفة التي ظهرت على مدى الـ18 سنة الأخيرة، وفيما يحق للولايات المتحدة متابعة إجراءات المحاكمة التي ستخضع لها "إنجابير"، والتحقق من مدى التزامها بالمعايير القانونية، إلا أنه عليها أيضاً الإحجام عن التصريحات التي تضغط على رواندا لإعادة قبول القوى السياسية ذاتها التي كانت وراء مجازر الإبادة الجماعية في عام 1994. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©