الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أعاصير الاقتصاد··· تغرق السوق الأميركية

أعاصير الاقتصاد··· تغرق السوق الأميركية
21 سبتمبر 2008 01:49
عندما ترتطم الأعاصير باليابسة، فإن قوة اندفاعها تضعف عادة، ولكن هذه القاعدة لا تنطبق على الإعصار الذي ضرب ''وول ستريت''، منذ عام تقريباً، فهذا الإعصار الذي أطلقت عليه في حينه اسم ''الإعصار سنترال'' لم يضعف تدريجياً كما هو متوقع، بل تزايد حجماً وكثافة، حتى جربنا مدى قوته الحقيقة هذا الأسبوع، وهذا الإعصار المدمر أسقط الكثير من أشجار البلوط الضخمة الراسخة الجذور في مختلف أنحاء أميركا مثل ''كانتري وايد فاينانشيال'' و''بير سترنز'' و''فاني ماي'' و''فريدي ماك''، وكان آخر الضحايا بنك ''ليمان براذر'' الذي تهاوى يوم الاثنين الماضي اعتبر أكبر حالة إفلاس في التاريخ الأميركي· و''الإعصار سنترال'' نجح أيضاً في الإطاحة بـ''العمالقة'' في وول ستريت مثل ''ميريل لينش''، أكبر مؤسسة للوساطة المالية في الولايات المتحدة التي اشتراها ''بنك أوف أميركا'' بأسعار بخسة، واستمرار التباطؤ في الاقتصادين الأميركي والعالمي، أدى إلى استمرار حالة الفوضى والتشوش في سوق العقارات، وجعل البنوك تفرض المزيد من القيود على منح القروض، كما أدى إلى امتداد ''الإعصار سنترال إلى العديد من المناطق الأخرى''، جالباً معه الخراب والدمار أينمــا حل، بحيث لم يعد أحد يدري أين ستكون ضربته التاليــة· بيد أن هناك شيء واحد مؤكد تقريباً، هو أن ارتفاع مد ''الإعصار سنترال'' سوف يغمر سوق الاستثمار برمته في الولايات المتحدة، ولن يقتصر تأثيره على'' وول ستريت'' فقط، فعلى الرغم من محاولات انتشال المؤسسات التي تعاني من مأزق مالي، والخفض الضريبي، والعجوزات الفيدرالية، وتخفيف بنود السياسة المالية، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال حائراً بشأن الطريقة التي يمكن بها كبح جماح الأزمة الراهنة، ففي أحد الأسابيع نشعر وكأن الأسواق قد استقرت، وفي الأسبوع الذي يليه نشعــــر بأننـــا لا نزال في مركز الإعصار· ولكـــن ما الذي تسبب في هذا الإعصار التراجيدي، ومتى ينتهي، وما الذي يتوجب على المستثمرين أن يفعلوه ليخففوا من أثاره؟ وهل الملوم هنا هم الرأسماليون الطماعون؟ يرى العديد من الخبراء، ومن الساسة والناخبين أيضاً، أن الملام هنا هو ''عدم الاستقرار الكامن'' و''الروح البهيمية'' للرأسماليين الطماعين الذين يسببون الفوضي والتشوش في الأسواق، بما يقومون به من مضاربات، وتلاعب في الأدوات المالية مثل (معدل الالتزامات بضمان الرهن) و''معدل الالتزامات بضمان الدين'' وغيرها من الأدوات، أما الخبراء الأكثر حصافة، فهم يدركون أن المسؤول عن ذلك هو ''واشنطن'' التي تعمل دوماً على زعزعة الاقتصاد المالي الهش، ألم يكن الكونجرس هو الذي أجرى تعديلاً على القوانين يسمح للبنوك وشركات الرهن العقاري بالتوسع في الإقراض، ومنح القروض من دون ضمانات كافية؟ ألم تكن الحكومة الفيدرالية هي التي قدمت ضمانات ضمنية لتغطية أداء الشركات والمصارف العملاقة العاملة في مجال الرهن العقاري مثل ''فاني ماي'' و''فيدي ماك''؟ ألم يقم ''مجلس المعايير المالية والمحاسبية'' بفرض قواعد محاسبية على المؤسسات المالية، تلزمها بتخفيض قيمة القروض والرهونات العقارية إلى الصفر؛ لأن تلك القروض والرهونات لم يكن من الممكن بيعها على الرغم من أن أصحابها كانوا مستمرين في دفع أقساطها؟ ألم يقم البنك الاحتياطي الفيدرالي تحت رئاسة ''آلان جريسبان'' بتخفيض معدل الفائدة إلى 1 في المائة فقط عام خوفاً من أن يدخل الاقتصاد الأميركي فترة من الركود مثل تلك التي دخل فيها الاقتصاد الياباني؟ ألم يكن ذلك هو الذي أدى إلى زيادة خطيرة في أنماط الإقراض غير المسؤول، وكان أيضاً سبباً في موجات من المضاربات في العقارات، وفي أسهم الشركات، وغير ذلك من الأصول· لقد كان من الطبيعي أن يؤدي كل ذلك الازدهار التضخمي في العقارات وغيرها من الأصول، إلى خلق خلل بنيوي في الاقتصاد الأميركي، وبالتالي في الاقتصاد العالمي، لقد ظل الاقتصاديون المنتمون لما يعرف بـ''المدرسة النمساوية'' يحذرون لأعوام طويلة من المخاطر الكامنة في إحداث نوع من النشاط المفتعل في الاقتصاد من خلال تخفيض سعر الفائدة دون المعدل الطبيعي، والتوسع في تقديم القروض، وكان علماء هذه المدرسة يؤكدون أن التضخم يمكن أن يتسبب في زيادة كبيرة وفجائية يمكن بدورها أن تؤدي إلى زعزعة استقرار السوق بطرق لا يمكن التنبؤ بها، بعد أن ثبت أن ما كان يقوله المنتمون لتلك المدرسةصحيح تماماً بدليل الأزمة المعقدة التي نشاهدها الآن فما هو الحل؟ الحل يكمن أولاً في الشجاعة الرئاسية، فمرشحا الحزبين الديمقراطي والجمهوري يعدان بـ''التغيير''، وهو ما يعني أن من ينجح منهما في الانتخابات المقبلة، سيواجه أمامه تحدياً صعباً يتمثل في ترويض الدوامات المالية، وليس الشجاعة وحدها هي المطلوبة -إذا ما فرضنا على سبيل الجد انها متوافرة- إذ إن هناك أشياء أخرى مطلوبة كذلك منها، أن النموذج الاقتصادي الجديد يجب أن يكون قائماً على مبادئ اقتصادية سليمة، تتميز بالثبات بدلاً من التذبذب في السياسات المالية؛ هناك أيضاً حاجة لإلغاء -أو تغيير على الأقل- الكثير من القواعدالتنظيمية التي ثبت فشلها والتي بيناّ بعض منها آنفاً· في النهاية، تحتاج الحكومة الفيدرالية أيضاً، ألا تكون متلهفـــة زيادة عن اللزوم لإنقـــاذ كل بنك أو شركة كبرى تتعرض لمشكلات؛ لأن ذلك يشجع البنوك والمؤسسات المالية على تحمل المزيد من المخاطر في مشروعاتها؛ لأنها تدرك أن الحكومة سوف تتدخل في اللحظة المناسبة لإنقاذها، تلك هي التغييرات الحقيقة التي نحتاج إلى إدخالها، وحتى يتحقق ذلك فإن المستثمرين يجب أن يعملوا على الخروج بعيداً عن مسار الإعصار من خلال الاستثمار المحافظ ومن خلال تنويع الاستثمارات وتوزيعها بين السوق الداخلي والأسواق الخارجية· مارك سكوسن رئيس تحرير نشرة فور كاست آند ستراتجيزي المختصة بشؤون الأسواق ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©