الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البريق المعدني والألوان البارزة ابتكار إسلامي في الخزف

البريق المعدني والألوان البارزة ابتكار إسلامي في الخزف
22 سبتمبر 2008 00:53
يعد الخزف من أكثر منتجات الفنون التطبيقية التصاقا بحياة الإنسان، وأبلغها دلالة على رقيه الحضاري، وليس من قبيل المبالغة القول أن المنتجات الخزفية تعكس -قبل غيرها من الفنون التطبيقية والزخرفية- وحدة الفن الإسلامي خلال العصور الوسطى بفضل الروح الفنية الواحدة التي غلفتها· وقد ترك كل إقليم إسلامي بصماته الفنية الخاصة على منتجاته، ومع ذلك فإن كل ما حققه الخزافون من تجويد وتقدم في اي إقليم كان ينتقل بسرعة كبيرة إلى بقية ديار الإسلام· واذا كان الفنانون المسلمون قد حافظوا على التقنيات التي ورثوها عن الأمم السابقة كالرسوم بالألوان تحت أو فوق الطلاء الزجاجي الشفاف واستخدام أسلوب الحز في بدن الإناء، فإنهم أيضا أضافوا ابتكارات صناعية وفنية لم يسبقهم إليها سواهم من الأمم مثل ابتكار الخزف ذي البريق المعدني والخزف المينائي واستخدام الألوان البارزة· وتعتبر أواني الخزف ذي البريق المعدني أول ابتكار أهدته القريحة الإسلامية لتاريخ صناعة الخزف· فبعد مرحلة من تقليد الأساليب الفنية والزخرفية للخزف الساساني والبيزنطي انبعث هذا النوع طفرة واحدة في مدينة سامراء حاضرة العباسيين الجديدة في العراق عند منتصف القرن الثالث الهجري ''9م''· ومن هذه المدينة انتشرت أواني الخزف ذي البريق المعدني لتعم أرجاء العالم الإسلامي قبل ان تختفي صناعة هذه الأواني فجأة في القرن السابع الهجري ''13م''· وتتميز المنتجات الخزفية من هذا النوع بأن زخارفها تتخذ هيئة وبريق الذهب· ومن هنا جاءت تسميتها الخزف ذي البريق المعدني أو الغضار المذهب كما كان يحلو لبعض كتاب العصور الوسطى ان يطلقوا عليها· ويرى بعض علماء الآثار أن الخزاف المسلم توصل إلى ابتكار هذه الأواني الخزفية التي لها مظهر الذهب مدفوعا بعاملين دينيين، أولهما حث الدين الإسلامي المؤمنين على إجادة الأعمال والصنائع، وهو الأمر الذي عني المحتسب بمراقبته في الأمصار الإسلامية· اما العامل الثاني فهو حث الاحاديث النبوية الشريفة على التقشف ومحاربة الترف، ومن بين هذه الأحاديث ما كره الى المسلمين استعمال الادوات المصنوعة من الذهب والفضة· ولما كان الخزافون على يقين من ان لبريق الذهب سحرا يأخذ بالألباب وانه ليس من اليسير على الاغنياء ألا يستعملوا اواني الذهب والفضة، فقد اتجهوا الى البحث عن طريقة أو طرق صناعية تكسب الخزف الزهيد الثمن بريق الذهب· وقد صادف الخزافون توفيقا في مسعاهم في مدينة سامراء بعد سلسلة من التجارب استقروا بعدها على اسلوب صناعة اواني البريق المعدني· ويبدأ الخزاف بتشكيل الاناء من الطين العادي ثم يغطي هذا الطين بطبقة رقيقة من طين نقي يعرف عند اهل الصنعة باسم ''البطانة'' ثم يسوي الاناء في الفرن ويخرجه لكي يثبت هذا الدهان الزجاجي ويعود فيخرجه لكي يزخرفه بأن يرسم عليه بمزيج من مواد مختلفة قوامها: الكبريت واوكسيد الفضة واوكسيد النحاس الاحمر وبرادة الحديد، وتذاب هذه المواد في الخل -أو أي حامض آخر- ويتكون من ذلك سائل يستخدمه المزخرف في رسم عناصره الزخرفية المختلفة من نباتية أو هندسية أو كتابية أو حتى رسوم الكائنات الحية· ويدخل الخزاف الإناء في الفرن للمرة الثالثة لكي يثبت هذه الزخارف، وينبغي ان يكون الفرن حينئذ ذا نار هادئة أو ان يكون هواؤه قليلا ودخانه كثيرا وليس به لهب؛ لأن الفرن شديد الحرارة قد يؤثر في السائل المعدني الذي رسمت به الزخارف· وبعد فترة و جيزة يخرج الخزاف أوانيه وقد ترك المزيج المعدني الذي استخدم في رسم الزخارف طبقة رقيقة فوق سطح الإناء تبدو متلألئة لا يمكن ادراكها إلا باللمس، عدا الأجزاء التي يتراكم فيها الدهان مثل قاع الآنية فتبدو وكأنها كتلة من الذهب أو النحاس، بينما الأجزاء الأخرى التي يكون فيها الدهان رقيقا ينفذ الضوء خلالها فتبدو لامعة متألقة· اما الابتكار الاسلامي الثاني فهو الخزف المينائي الذي أنتجته ايران، حيث كان الخزافون يرسمون زخارفهم فوق الطلاء بسبعة ألوان، ومن هنا جاءت تسميته الخزف المينائي أو المتعدد الألوان· والألوان السبعة هي: الأبيض والوردي والأزرق الزهري والاخضر والبني والارجواني الفاتح والاسود مع اضافة اللون الذهبي احيانا· وتعد مدينة الري المركز الرئيسي لصناعة اواني الخزف المينائي ولحقت بها ايضا مدينة قاشان· وتتم صناعة الخزف المينائى عبر مراحل اهمها طلاء الآنية بطبقة طلاء قصديرية معتمة وحرقها وبعد الرسم بالألوان على الطلاء القصديري يعاد حرق الآنية مرة اخرى في وعاء كبير لمدة نصف يوم· اما عن زخارف هذه الأواني التي كانت تنتج خصيصا للاثرياء فهي تظهر قدرا كبيرا من التأثر بمدرسة التصوير العربية ومن ثم تبدو شبيهة برسوم المخطوطات· وبالاضافة الى المميزات الصناعية والزخرفية للخزف المينائي فإنه ينفرد بين أواني الخزف الاسلامي بدقة الصنع ورقة الخزف حتى لنكاد نرى الضوء من خلال أوانيه· وتجدر الاشارة الى ان غزوات تيمور لنك المدمرة لأواسط آسيا كانت وراء اندثار هذه الصناعة في نهاية القرن الثامن الهجري ''14م''· ولم يدع الترك موكب الإسهامات الابتكارية في صناعة الخزف يمر دون أن يرفدوه ببعض أعمالهم الإبداعية، إذ توصل الخزافون الأتراك خلال القرنين العاشر والحادي عشر للهجري ''17-16م''· الى استخدام طينة مدينة ازنيك الشهيرة بلونها الأحمر الطماطمي في زخرفة أواني الخزف المرسوم تحت الطلاء التي اشتهرت هذه المدينة بانتاجها وتصديرها الى أوروبا· وكانت الزخارف المستخدمة من هذه الطينة توضع فوق الإناء بعد زخرفته وحرقه على ان يعاد الحرق مرة أخرى لتثبيت اللون الأحمر الطماطمي والذي كان يبدو بارزا عن بدن الإناء ولامعا بشكل ملحوظ· وتتميز أواني هذا النوع من الخزف التركي باستخدام رسوم الزهور المختلفة وخاصة زهور السوسن والقرنفل وشقائق النعمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©