الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جاك بيرك سعي دؤوب للتقريب بين الإسلام والغرب

جاك بيرك سعي دؤوب للتقريب بين الإسلام والغرب
22 سبتمبر 2008 00:55
يعد جاك بيرك الفرنسي الجنسية والمولود بالجزائر عام 1910م من أبرز المستشرقين المعاصرين الذين تعاملوا مع الاستشراف على أنه حوار بين الثقافتين ''الأوروبية المسيحية'' و''العربية الإسلامية'' تحكمه طبيعة العلاقة بين الشرق والغرب· وقد كتب بيرك أربعين كتاباً غالبيتها عن العروبة والإسلام، ومن أهما ''البنية الاجتماعية للأطلس الأعلى 1955م''، و''الإسلام أمام التحدي ،''1980 و''أندلسيات ،''1981 و''مذكرات الضفتين ،''1989 و''قراءة ثانية للقرآن ،''1993 بالإضافة لإعداده أطروحات علمية تناولت علماء عرب أمثال أبي العلاء المعري وابن خلدون وطه حسين، كما أولى عناية خاصة بالقرآن الكريم والمعلقات العشر· ويؤكد الباحثون في أعماله -ومنهم فاتح زيوان ولطفي حداد- أن بيرك أدخل مصطلحات متعددة إلى الثقافة العربية كـ''الإسلام المتوسطي''، و''الثابت والمتحول'' وهي المصطلحات التي تعكس أسلوبه الفكري وطموحه الإنساني، مؤكدين أن عنوان مذكراته التي نشرها عام 1989م ''بين الضفتين'' يلخص سعيه الدائم للتوفيق والتقريب بين الضفتين ''الإسلام المتوسطي'' و''أوروبا المسيحية''· وأظهر بيرك في كتبه احترامه الكبير للثقافة العربية الإسلامية التي عايشها عن قرب خلال تلقيه تعليمه الابتدائي والثانوي بالجزائر، ثم دراسته الآداب القديمة في جامعتيْ الجزائر والسوربون والتي حصل منها على دكتوراه الدولة سنة 1955م ليلتحق بعدها بالإدارة المراكشية والتي من خلالها اقترب أكثر من وجوه الحياة المغربية في المدن والقبائل· ولم يلبث بعد ذلك أن سافر إلى مصر وقضى بها ثلاث سنوات خبيراً دولياً لليونسكو، ثم رحل إلى لبنان وأسس بها مركزاً لتعليم اللغة العربية وقضى بها سنتين ليتم اختياره بعدها للتدريس بالدراسات العليا بجامعة باريس، كما شغل منصب كرسي التاريخ الاجتماعي الإسلامي في الكوليج دي فرانس· ويشير فاتح زيوان إلى أن بيرك يرجع نشوء ''الإسلام المتوسطي'' إلى معاوية بن أبي سفيان الذي احتك بالحضارة البيزنطية في بلاد الشام وتأثر بها بشكل عميق ليبدأ ومعه ''الإسلام المتوسطي'' في اكتساب ملامحه التي بلغت ذروتها أيام العباسيين عندما صارت بغداد عاصمة الثقافة وساحة لقاء الحضارات· وذكر أن بيرك كان يرى أن مشروعه الثقافي هو إقامة أندلس جديدة أو مجموعة أندلسيات جديدة حيثما التقت الحضارتان الأوروبية المسيحية بالإسلام طيلة سبعة قرون أي التقاء الضفتين· ويقول بيرك في هذا السياق: ''فرح الحياة هو ما يمكن للإسلام أن يعيد بثه في المسيحية فيما لو قيض لهما الدخول في حوار يخلق نقطة تلاق يساعد فيها الإسلام المسيحية على تطبيع الإنسان وتساعد فيها المسيحية على أنسنة الطبيعة· ونال بيرك شهرة واسعة من خلال ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية والتي قال في مقدمتها: ''لقد فوجئت بتكرار الدعوة إلى العقل والعقلانية في القرآن، أفلا يعقلون، (صم بكم عمي فهم لا يعقلون)، (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)· وذكر أن القرآن الكريم يعترف بالعقل على عكس ما يتوهم الكثيرون من الأوروبيين، وعلى عكس ما يشاع هنا وهناك من أخطاء وأغلاط وشائعات مغرضة عن الإسلام، ''فالإسلام ليس دين الجهالات والتعصب والعنف، كما يشيعون، وإنما هو أولاً وقبل كل شيء دين العقل والتبصر والرحمة والتسامح''· وأكد بيرك أنه وعن طريق هذه العقلانية الموجودة في القرآن الكريم يمكن للمسلمين أن يدخلوا العصر ويقبلوا بالعلم ويتصالحوا مع العلمانية والحداثة· وقد أثارت ترجمة جاك بيرك لمعاني القرآن جدلاً كبيراً وقت صدورها وفق ما أورده الدكتور إبراهيم عوض في كتابه ''ترجمة جاك بيرك للقرآن الكريم بين المادحين والقادحين'' حيث اختلف عليها العلماء والمثقفون والباحثون· فقد لقيت استحساناً من البعض الذين وصفوها بالعمل الجليل الذي عجز عن القيام به كثير من الدارسين والمترجمين العرب، واستبعدوا أن يكون بيرك تعمد الخطأ والتحريف لمعاني القرآن في ترجمته، على اعتبار أنه عرف بمواقفه العادلة إزاء العرب، في حين رفضها البعض الآخر وعابها وكشف ما فيها من أخطاء ومزاعم تمسّ القرآن المجيد والنبي محمداً عليه الصلاة والسلام· وأرجع الدكتور حسن بن إدريس عزوزي، في دراسته ''ملاحظات على ترجمة معاني القرآن الكريم للمستشرق الفرنسي جاك بيرك''، ذلك القصور الذي شاب ترجمته إلى استحالة أن تقوم مقام اللغة العربية لغة أخرى تبرز الإعجاز اللغوي والأسرار البلاغية وظلال الألفاظ القرآنية التي يزخر بها النظم القرآني الكريم ''مما يجعل أي ترجمة لمعاني القرآن الكريم تبقى محاولة إنسانية قاصرة ما دامت تنصبّ على ترجمة الآية بما يقابلها ويماثلها في اللغة الأجنبية، لأن في ذلك ضياعاً للعديد من معاني القرآن ودلالاته وإيحاءاته''· ورأى عزوزي في تعليقه على ترجمة جاك بيرك أن الترجمات الفردية والحرفية سواء كانت من مستشرقين أو مسلمين يعتريها كثير من القصور والخلل، وينالها من العيوب والنواقص التي ينبغي تنزيه كتاب الله تعالى عنها· ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©