السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخصخصة... مفتاح حل الأزمة اليونانية

الخصخصة... مفتاح حل الأزمة اليونانية
30 يونيو 2010 21:09
أياسون أتناسياديس أثينـا كان "كليانتيس تراتاس" واحداً من اليونانيين العشرة آلاف الذين خرجوا يوم الثلاثاء الماضي للاحتجاج على الحكومة والمشاركة في الإضراب الخامس الذي تشهده العاصمة أثينا، خلال السنة الجارية ضد الخفض الحكومي للنفقات. وعلى غرار باقي المحتجين، وجد "تراتاس" نفسه عاطلاً عن العمل بسبب قرار الحكومة خصخصة الشركات التابعة للدولة بهدف توفير الأموال الضرورية لتسديد ديونها المتراكمة ودفع مستحقاتها للدائنين الدوليين، فقد تبنت الحكومة اليونانية، التي تنوء تحت حمل الديون الثقيلة توصيات صندوق البنك الدولي القاضية بتوفير ما لا يقل عن 320 مليار يورو من الديون المستحقة عليها من خلال بيع العديد من شركاتها، وهو الأمر الذي حول وسط العاصمة أثينا إلى مسرح يومي للمظاهرات رغم اشتداد حرارة الصيف التي عادة ما تدفع المواطنين إلى الاستمتاع بإجازات طويلة. وما لم تستطع الحكومة اليونانية إقناع مواطنيها مثل "تراتاس" بضرورة الانخراط في عملية الخصخصة باعتبارها الطريق الأمثل لاستعادة البلاد عافيتها الاقتصادية، فإن الأمور تنذر بالكثير من التدهور بالنسبة للحكومة التي ستواجه تعنتاً شعبياً ورفضاً للخصخصة وما يصاحبها من تسريحات كما حصل مع "تراتاس"، الذي فقد وظيفته في شركة "أولمبيك إيرويز"، وهي الناقل الجوي الرسمي في اليونان، بعد تخصيصها في سبتمبر من العام 2009، بحيث سرعان ما قرر المالك الجديد تقليص النفقات من خلال الإعلان في شهر مارس الماضي عن تسريح 4400 موظف بمن فيهم "تراتاس". وبعد أشهر على تسريحهم، لم يتلق موظفو الشركة معاشاتهم التي وعدوا بها، رغم وجود قانون ينص على تلقيهم تعويضات. وعن هذا الموضوع، يقول "تراتاس" الذي مازال ينتظر معاشه "نحن نعيش في كابوس حقيقي"، وهو ما دفعه إلى المشاركة في الإضرابات مباشرة بعد تسريحه بعدما عمل في الشركة لأكثر من ثلاثين عاماً، ويمني "تراتاس" النفس بالمعاش الذي وعدته به الشركة دون أن يتمكن من إطلاع أسرته على وضعه المادي الصعب، قائلاً: "لدي ابنان في الجامعة يحتاجان ألفي يورو شهرياً، لكن ماذا أقول لهم؟ هل أقول لهم اتركوا الجامعة؟"، لكن رغم هذه التداعيات الاجتماعية تستمر عملية الخصخصة في توفير السيولة للحكومة اليونانية المتعثرة، بحيث تهدف إلى جمع ثلاثة مليارات يورو من خلال جولة جديدة من البيع تشمل مرافق حكومية وتأجير المطارات والموانئ والسكك الحديدة، فضلًا عن تخصيص شبكات الطرق السريعة وتفويتها لشركات خاصة لمدى يصل إلى أربعين عاماً، كما تبحث الحكومة حالياً على أفضل العروض لبيع مرافقها دون الخوض في تفاصيل الشركات التي ستعرضها للبيع ولا عدد الموظفين الحكوميين، الذين سيجدون أنفسهم وجهاً لوجه أمام شبح البطالة، وفيما تسعى الحكومة اليونانية إلى خلق بيئة أكثر تشجيعاً للشركات تكون قادرة على استقطاب رؤوس الأموال، التي هي في حاجة ماسة إليها، أبدى العديد من المستثمرين الدوليين رغبتهم في دخول السوق اليونانية والاستفادة من وضعها الحالي، ومن أبرز النماذج الناجحة للخصخصة استحواذ الشركة الصينية "كوسكو" المتخصصة في الشحن البحري على شركة الموانئ اليونانية وإدارتها لرصيف مهم في ميناء "بيريوس"، الذي يعتبر الأكبر في جنوب شرق أوروبا، حيث حصلت الشركة الصينية على رخصة استغلال لمدة 35 سنة مقابل 4.3 مليار يورو، وقد استقبلت الصحافة اليونانية هذا النبأ بترحيب بالغ معتبرة شركة "كوسكو" مخلص الاقتصاد اليوناني. وتعتزم "كوسكو" تشييد رصيف ثانٍ على الميناء اليوناني بقيمة 550 مليون يورو، فضلا عن مركز للشحن سيجعل من اليونان حاضنة للبضائع القادمة إلى أوروبا الغربية وشمال أفريقيا، ولتعزيز تواجدها قام رئيس الشركة بزيارة أثينا في شهر مايو الماضي، والتقى بمسؤولين في الحكومة اليونانية بمن فيهم رئيس الوزراء "جورج بابانديرو"؛ وفي علامة أخرى على انفتاح اليونان على الاستثمارات الأجنبية الخاصة، استقبلت أثينا نائب رئيس الحكومة الصينية "زانج ديجانج" أواسط شهر يونيو الحالي ليوقع 14 اتفاقية تجارية في مجالات مختلفة تتراوح بين الشحن والقطاع العقاري؛ لكنها ليست المرة الأولى في اليونان التي يقوم فيها القطاع الخاص بإدارة بعض الميادين نيابة عن الدولة، وهو ما يؤكده "قسطانطيونس أنتونوبوليس"، مدير شركة اليانصيب الأولى في اليونان قائلاً: "لقد شهدنا تولي القطاع الخاص إدارة عملية تنظيم الألعاب الأولمبية للعام 2004". هذا وتتباين وجهات نظر الخبراء الاقتصاديين بشأن جدوى الاستثمارات الخاصة بين قائل إن تلك الأموال التي تجنيها الدولة من عمليات الخصخصة الواسعة تصب فقط في أيدي المسؤولين الفاسدين في الحكومة ولا يستفيد منها الاقتصاد، وبين رأي آخر يرى من الضروري قيام الدولة ببيع جميع أصولها لأنها باتت عاجزة عن إدارة الشركات الوطنية. وعن هذا الفساد، يقول "تيودوريس جورجكابوليس"، رئيس تحرير النسخة اليونانية من مجلة "إسكواير" الأميركية "في اليونان هناك شريحة من الموظفين الحكوميين يستفيدون من إهدار الأموال العامة، وهم برفقة الأغنياء أصبحوا محظ غضب واستياء الأغلبية الصامتة في البلاد"، مضيفاً أن "تلقي متقاعدي شركة الطيران الوطنية لمعاشات تصل إلى 3500 يورو شهرياً عن سن الخمسين هو خير مثال على الفساد". لكن رغم المكاسب التي تتيحها الخصخصة بالنسبة للحكومة والاقتصاد عامة تواجه السلطات اليونانية صعوبات كبيرة في إقناع الرأي العام بها، حيث نزل يوم الثلاثاء الماضي ما لا يقل عن عشرة آلاف متظاهر إلى شوارع العاصمة وأضرموا النيران في القمامة وكسروا مداخل محطات قطارات الأنفاق، وألقوا بالحجارة على الشرطة، كما تسبب الإضراب العام في إغلاق الخدمات الأساسية وتعطيل حركة النقل، هذا بالإضافة إلى تحويل مستشفيات العاصمة إلى غرف طوارئ حقيقية لا تكف عن استقبال الجرحى، ويخشى البعض من اندلاع أعمال عنف مع حلول أكتوبر المقبل حيث يعود المواطنون من إجازاتهم ويبدأ موسم جديد من التسريحات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©