الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قمة خيبة الأمل

30 يونيو 2010 21:12
عبدالله عبيد حسن أنهت "قمة العشرين" أعمالها، وأذاع رئيس الوزراء الكندي، البيان الختامي بعد أن وقعه القادة المشاركون في القمة، وتنفست مدينة "تورونتو" الصعداء واستردت بعض روحها، التي افتقدتها طوال الأسبوع الماضي، بعد أن حولتها إجراءات الأمن المكثفة إلى مدينة أشباح، وجعلت من غالبية أهلها سجناء في منازلهم قبل انعقاد قمة العشرين وأثناء انعقادها. انتهت قمة "تورونتو" وغادر النساء والرجال الذين يمسكون بمقاليد السلطة والثروة (85 في المئة من حجم التجارة والمال في العالم تملكها العشرون دولة)، ومع مغادرتهم بدأ "الغرباء" من رجال الشرطة والأمن الذين جندتهم اللجنة المكلفة بتنظيم القمة، والذين بلغ عددهم عشرين ألف رجل وامرأة، العودة إلى مدنهم وأقاليمهم التي جاءوا منها إلى هذه المدينة الجميلة والفريدة. وكانت محصلة إجراءات الأمن التي لم تعرف لها هذه المدينة مثيلاً في تاريخها، والتي بلغت تكاليفها المعروفة حتى الآن تسعمائة وخمسين مليون دولار، وأشعلت النار في بضعة سيارات من بينها عربتان لشرطة المدينة، وخرّب (الفوضويون) واجهات بعض المتاجر والمطاعم، واعتقلت الشرطة أكثر من ستمائة مواطن بتهمة الاشتراك في أعمال العنف والتخريب التي وقعت يوم السبت الماضي في قلب المدينة، وأصبحت صورها التي أذاعتها محطات التلفزيون لحظة وقوعها، هي الذكرى التي ستلازم سكان تورونتو لفترة وتعمل عليها المحاكم لفترة قادمة. المواكب والتظاهرات السلمية التي نظمها ورتب لها بعلم والاتفاق مع السلطة، اتحاد نقابات عمال المدينة ومنظمات المجتمع المدني، اندست وسط "شرذمة" من الفوضويين وخرجوا من المسيرة الرئيسية التي كان خط سيرها سينتهي إلى حيث يجتمع قادة العالم الغني، رافعة شعارات ولافتات تعبر عن هموم ومشاكل فقراء العالم (وهم الأغلبية)... "شرذمة الفوضويون"، الذين وصفهم عمدة المدينة التقدمي واليساري بأنهم ليسوا أكثر من مجرمين، وأنهم يتدثرون بـ"رداء الثورية" الجوفاء وأنهم غرباء بالروح والجسد عن هذه المدينة التقدمية بتقاليدها السياسية المعروفة ونضالها من أجل السلام والعدل ليس من أجل كندا وأهلها فحسب، بل من أجل جميع شعوب العالم المظلومة ومهضومة الحقوق. ثم إلى ماذا انتهت قمة "تورونتو"، التي أراد رئيس الوزراء الكندي أن يجعل منها قمة تاريخية، وأن تقدم لقادة العالم، ومن ثم إلى سكانه الصورة الزاهية لـ"تورونتو" وكندا، وماذا حققت من نجاح يسجل في تاريخ القمم؟ بالحق أن "هاربر"، سعى وعمل بجد في الأشهر السابقة لانعقاد القمة (قمة G8) وقمة العشرين، أن يجعل الموضوع الرئيسي للقمة (صحة الأم والطفل في العالم النامي)، وأن "يقنع" زملاءه في قمة الثماني بسد العجز الحاصل في ميزانية مشروع الأمم المتحدة من أجل صحة الطفولة والأمومة في العالم النامي البالغ قدره أربعة وعشرين بليون (كان رؤساء الدول الثماني قد تعهدوا في عام 2000 بأن يدفعوا ثلاثين بليونا لمشروع الأمم المتحدة)، ولكن على لسان الرئيس الكندي في مؤتمره الصحفي، فإن "القادة كانوا (حذرين) جداً جداً في الالتزامات المالية"، وعبارة حذرين جداً جداً، في لغة الدبلوماسية تعني بخلاء جداً جداً، ربما بسبب الحالة التي خلفتها الأزمة العالمية الحالية! لم يشأ الرئيس الكندي أن يعرب عن شعوره إزاء خيبة الأمل في دعم مشروعه الذي أراده أن يكون عنواناً لهذه القمة، لكن المنظمات الأهلية الكندية المعنية بالأمر، أعربت عن خيبة الأمل هذه، وقالت بصراحة: "إن التبجح بالأزمة المالية حجة باطلة، فهذه الدول الأغنى في العالم لم تف بالتزاماتها حتى سنوات النهوض والازدهار المالي والاقتصادي، وأنهم -قادة الثماني- قد خذلوا وتخلوا عن أطفال ونساء الدول الفقيرة". ومثل رئيس الوزراء الكندي، فإن الأمين العام للأمم المتحدة، قال في تصريح صحفي: "إنه كان يأمل أن تدعم قمة الثماني دعوة "هاربر" من أجل صحة الأمومة والطفولة بشكل أكبر مما قررته (خمسة بلايين فقط)، وهو أمر على كل حال مشجع". لكن مشروع الأمم المتحدة في حاجة ماسة الآن لخمسة عشر بليون دولار! ماذا حققت قمة تورونتو من نجاحات؟ ليس هنالك جديد في البيان الختامي المعهود من وعود وعبارات إنشائية معتادة، ثم تشديد الاتهامات والعقوبات ضد كوريا النووية وإيران (تحفظت الصين وروسيا) على هذه الفقرة في البيان... وفي العموم، فإن الأزمة المالية الحالية، ألقت بظلالها الكثيفة على اجتماعات القمة وبيانها الختامي، وكعادة الكبار، فإنهم اتفقوا على تغطية الاختلاف الشديد بين وجهة النظر الأميركية والأوروبية حول طرق ووسائل معالجة اختلالات النظام المالي العالمي... وقالوا إنهم موافقون بالإجماع على ضرورة النظر فيها، على أن يبحثوا أمرها في قمتهم المقبلة في العام القادم! وهكذا مثل ما بدأت القمة وانتهت، فإن هنالك كثيرا من الوعود والعهود، التي لا تحقق أبداً.. ولكن بالنسبة لمدينة "تورونتو"، فإن ذكريات هذه القمة المؤلمة وآثارها الواضحة في المدينة، ستظل قمة خيبة الأمل!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©