السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا··· من العالم الثالث!

22 سبتمبر 2008 02:17
ليس من المتوقع أن تقوم قوة عظمى كل يوم بمحاولة لتحويل نفسها إلى دولة من دول العالم الثالث؛ ولكننا هنا في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، نريد أن نكون من بين أوائل من يرحبون بكِ في مجتمع الدول المصنفة على أنها في حاجة ماسة إلى مساعدات اقتصادية دولية عاجلة، وبما أنكِ تمرين بمرحلة تدهور اقتصادي كارثي، فإنه يسرنا هنا أن نستجيب للطلب الذي تقدم به وزير خزانتك كي نقوم بإجراء ''تقييم استقرار مشترك'' لقطاعك المالي؛ ففي هذه الأوقات العصيبة، يسرنا أن نخبرك أننا نستطيع أن نقدم لكِ خدمات تتراوح ما بين القروض المدعمة، إلى المستشارين و الخبراء، الراغبين في إجراء عملية إصلاح شامل لحكومتك برمتها· وكل ما نأمله هو ألا تشعرين بالحرج عندما نجري تقييما لقطاعك المالي ولاقتصادك، ولا عندما نقترح عليكِ أن الأمر يحتاج إلى إجراء تعديلات شاملة على ذلك الاقتصاد؛ تذكري هنا أنك لستِ الوحيدة التي نمد لها يد المساعدة، حيث سبق لنا أن فعلنا ذلك مع دول مثل الارجنتين والبرازيل واندونيسيا وكوريا الجنوبية، علاوة على أننا وكما نفعل الآن في السودان وبنجلاديش، وكما سنفعل معكِ، سنكون ملتزمين بالتدخل في اقتصادك بأقصى قدر من العناية والحساسية؛ علاوة على ذلك نرغب ان نعترف بالتقدم الذي تحقق لك في مجال التطور من قوة عظمى إلى حالة مرضية اقتصادية عالمية خلال فترة وجيزة، إن مثل هذا التطور عادة ما يستغرق 100 عام أو أكثر، ولكنك تمكنت من خلال تأرجحك بين التطرف في حرية السوق، وبين تأميم الشركات الخاصة، في تحقيق ذلك التطور في ظرف سنوات قليلة، وهو ما يمثل علامة مميزة من علامات اقتصادات دول العالم الثالث· وسياساتك غير المسؤولة في تخفيف القيود التنظيمية إلى درجة مبالغ فيها، وفي قطاعات حيوية مهمة، جعلتك تقعين في أزمة طاقة، وأزمة رهن عقاري، وازمة ائتمان، وأزمة أسواق مالية مرة واحدة؛ ليس تخفيف القيود والضوابط التنظيمية وحده هو المسؤول عن تلك الأزمات بالطبع، ففي الحقيقة أنه كان مقرونا بمستويات كبيرة من الفساد، والمضاربات غير المسؤولة؛ وعلى الرغم من كل ذلك، فإن قادتك السياسيين الذين كان يجب عليهم التنبه لكل ذلك مقدما إما كانوا يغطون في نوم عميق أو كانوا متواطئين مع لوبيات المال والأعمال· وكان لا بد أن يأتي اليوم الذي تواجهين فيه الحقائق وجها لوجه؛ فعدم المساواة في الدخول الفردية تفاقمت، حيث نجح الأغنياء والرأسماليون في مراكمة ثروات طائلة في حين تجمدت مداخيل الطبقة الوسطى أو كادت؛ كما قل عدد ابنائك القادرين على تدبير مساكن لائقة، أو الحصول على رعاية صحية كافية، أو تحقيق الآمان في سنوات الشيخوخة؛ الأكثر من ذلك أن متوسط أعمار شعبك قد هبط عما كان عليه من قبل، وعندما تفاقمت المشكلات الاقتصادية من درجة ''مزمنة'' إلى ''حادة'' فإن كل ما قمت به هو أنك استجبت كما تستجيب معظم دول العالم الثالث ببرنامج مكثف لتأميم الشركات والأصول الخاصة؛ فالشركتان العملاقتان في مجال الرهونات العقارية وهما '' فاني ماي'' و''فريدي ماك'' أصبحتا الآن مملوكتين للدولة، بل إن شركة التأمين العملاقة ''آيه آي جيه'' قد تأممت تقريبا هي الأخرى، وذلك بعد أن حصل الاحتياطي الفيدرالي على نصيب يعادل 80% من رأس مالها· قد يذهب البعض إلى أن تلك إجراءات تميز الدول الاشتراكية ولكني أقول إن الأوقات الصعبة تستدعي إجراءات يائسة؛ أوافقك على أن تحولك للعالم الثالث لا يزال بعيدا، وأنه لن يكون بلا ألم، وعلى الرغم من أنك ستشعرين بالغرابة وعدم التعود في البداية، إلا ان كل شيء سيصبح على ما يرام بمرور الأيام وسوف تصلين إلى اللحظة التي ستجدين نفسك فيها قد تأقلمت على الوضع وأصبحت جزءا من المشهد العام· ربما تمثل هذه الرسالة مفاجأة لكِ، وربما تشعرين بأنكِ لست مستعدة بعد للانضمام إلى دول العالم الثالث، ولكن لا تقلقي من جراء ذلك، فالحقيقة أنك وأنك كنت لم تدركي ذلك أبدا، إلا أنك كنت تستعدين لهذه اللحظة منذ سنوات· روزا بروكس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©