الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات الرئاسة الفرنسية... استفتاء على ساركوزي

22 ابريل 2012
في فرنسا، وفي حالـة فريـدة من نوعها داخل أوروبا، يتمتع الرؤساء بصلاحيات واسعة إلى درجة أن البعض يتندرون على فرنسا بالقول إنها تجمع في رئيسها بين ملكة بريطانيا ورئيس وزرائها في آن معاً، ولتحديد من سيتولى هذا المنصب المهم سيتوجه الناخبون الفرنسيون اليوم (الأحد) إلى صناديق الاقتراع للاختيار بين عشرة مرشحين خلال الجولة الأولى التي ستنتهي ببدء الجولة الثانية يوم السادس من شهر مايو المقبل، وحتى هذه اللحظة ترجح أغلب استطلاعات الرأي أن يواجه الرئيس الحالي، نيكولا ساركوزي، غريمه الاشتراكي، "فرانسوا هولاند"، في جولة ثانية. وإنْ كان ساركوزي الذي كان دائم الحضور في الإعلام الدولي منذ اعتلائه الرئاسة في 2007 يواجه مشكلة حقيقية في نفور الفرنسيين من أسلوبه وعدم تقبلهم لشخصيته، وهو ما يعكسه التدني الكبير في نسبة شعبيته التي وصلت إلى 36 في المئة، وهي نسبة غير مسبوقة يصل إليها رئيس فرنسي في التاريخ المعاصر. ورغم الانتقادات التي وجهت إلى الانتخابات الفرنسية سواء من الداخل، أو الخارج، باعتبارها تمريناً سخيفاً في هجوم السياسيين على بعضهم البعض واتهامهم من قبل البعض بالتلاعب بالناخبين في وقت تعاني فيه فرنسا من مشكلات كبرى مثل البطالة التي بلغت نسبتها 10 في المئة، ناهيك عن تأكيد بعض استطلاعات الرأي أن المشاركة في التصويت لن تكون كبيرة، إلا أنه ومع ذلك تكتسي الانتخابات الرئاسية الفرنسية أهمية كبرى في الساحة الأوروبية في وقت تستمر فيه الأزمة المالية وتتفاقم المخاوف الاجتماعية. ويمكن الإشارة في إطار التداعيات المهمة للانتخابات الفرنسية على الوضع الأوروبي المأزوم إلى تعهد "فرانسوا هولاند"، الذي يمثل التوجه الاشتراكي الديمقراطي في قالبه المعتدل، بإعادة التفكير في سياسة التقشف التي تقودها برلين داخل أوروبا، والتي انضمت إليها فرنسا باعتبارها الوسيلة الأمثل للخروج من الأزمة وإعادة التوازن لموازنة الدول المتعثرة. هذا التوجه يقول المحللون قد يؤشر إلى بدء طريق ثالث في أوروبا تقوده فرنسا يجمع بين السياسة التقشفية التي تضغط من أجلها ألمانيا وبين تحفيز النمو الاقتصادي ومعالجة الديون المستفحلة للدول الأوروبية مثل اليونان وإسبانيا. وعن هذا التوجه، يقول "كريم إميل بيطار"، الباحث البارز في معهد العلاقات الدولية الاستراتيجية في باريس: "قد يشكل صعود "هولاند" إلى الرئاسة ضربة قوية إلى دعاة التقشف المطلق في فرنسا، ومع أن "هولاند" ليس ضد التقشف، فإنه يدعو إلى إقامة توازن بين التقشف والنمو، ولا يريد معايير ألمانية تقرر متى يتم التوقف من التقشف، ومتى يتم استئنافه". ويرى المراقبون أن الجولة الأولى من الانتخابات هي الأهم لأنها ستحدد الزخم في الجولة الثانية، فلشهور عديدة تأرجحت استطلاعات الرأي بين إعطاء الأفضلية لساركوزي وهولاند في حدود 28 في المئة لكل منهما يلاحقهم مرشحو أقصى "اليمين" و"اليسار" بحوالي 15 في المئة. لكن وفي الأيام الأخيرة، بدأت تظهر مؤشرات على فقدان ساركوزي لقوته السياسية حتى بعد تنظيم لقاءات حاشدة لصالحه في باريس توجه فيها بطلب إلى الفرنسيين قائلاً: "ساعدوني على حمايتكم"، هذا في الوقت الذي أشارت فيه سبعة من أصل ثمانية استطلاعات للرأي تقدم "هولاند" بحوالي عشر نقاط خلال الجولة الثانية في السادس من شهر مايو المقبل، بل حتى الرئيس السابق جاك شيراك الذي يعتبر عراب ساركوزي عبر عن نيته التصويت لصالح هولاند، قائلاً "نحن لا نتقاسم نفس الرؤية حول فرنسا، ولا نتفق على نفس القواعد". وفي لقاء أجراه ساركوزي مع صحيفة "لوفيجارو" أوضح بأن المعركة الحقيقية ستبدأ في الجولة الثانية، قائلاً "لقد خضت معركة خلال الأسابيع الماضية واجهت فيها تسعة مرشحين، أما الجولة الثانية فستكون مختلفة إذ بدلا من 10 في المئة من حصتي في الظهور على التلفزيون سأحظى بـ 50 في المئة". ولو خسر ساركوزي بطبيعته الاستعراضية سيكون أول رئيس فرنسي في السلطة لن يعاد انتخابه لولاية ثانية منذ السبعينات، ولو فاز "هولاند" الأكثر هدوءاً والأقل صخباً في الانتخابات، فسيكون أول اشتراكي يصل إلى الرئاسة منذ 17 سنة. ويجد ساركوزي نفسه في وضع يحتم عليه جمع الأصوات من أقصى "اليمين" ومن الوسط للفوز في السباق. لكن هزيمة ساركوزي، إنْ حدثت كما يقول المفكر الفرنسي "دومينيك مواسيه"، "لن تكون لأسباب عقلانية، أو مرتبطة بالحكم على سجله، بل ستعتمد على رفض الفرنسيين لشخصيته، فالأمر عاطفي بالأساس. ومع أن الأمر قد لا يكون عادلاً بالنسبة لساركوزي، إلا أنه وعلى مدار رئاسته انتهك بعض القواعد غير المكتوبة في النظام السياسي الفرنسي"، مشيراً إلى ميل ساركوزي للخلط بين حياته الخاصة وممارسة السياسة. ويضيف مواسيه:"لو نظرت إلى استطلاعات الرأي ينتابك شعوراً بأن غالبية الفرنسيين لا يطيقون رؤية ساركوزي على شاشات التلفزيون وفي الإعلام لسبع سنوات إضافية، والأمر ليس مرتبطاً بالبرامج الانتخابية، أو التقييم الموضوعي، بل برفض الفرنسيين لأسلوبه الشخصي". لكن رغم هذه التوقعات التي لا ترجح في مجملها حظوظ ساركوزي تبقى المفاجآت واردة في الانتخابات الفرنسية مثلما حدث في انتخابات 2002 عندما صدم الفرنسيون بتأهل الجبهة الوطنية المتطرفة للجولة الثانية رغم شهور من استبعاد استطلاعات الرأي لذلك، لكن مع ذلك يؤكد المحللون أن الأجواء العامة والظروف التي تجري فيها الانتخابات الحالية تختلف تماماً عما كان عليه في 2002. روبرت ماركاند - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©