الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سبق فني إسلامي تغطية جدران المساجد بالبلاطات الخزفية

سبق فني إسلامي تغطية جدران المساجد بالبلاطات الخزفية
23 سبتمبر 2008 00:26
أبدع المسلمون في تغطية جدران عمائرهم بالرخام والجص وقاموا بتطوير هذه الأساليب القديمة وإسباغ طابعهم الفني والزخرفي على عناصرها، بينما كان قيامهم بتغطية الجدران بالبلاطات الخزفية سبقا تقنيا وفنيا لم ينازعهم أحد في ابتكاره وريادة فنونه، فضلا عن استخدام الفسيفساء الخزفية في تزيين الجدران بالزخارف الملونة، والذي هو ايضا فن اسلامي بامتياز· وبرع في هذا المضمار الخزافون بإيران وتركيا وبلاد المغرب والاندلس، كما لحق بهم الصناع في آسيا الوسطي وبلاد السند أيضا· ويغلب على الظن أن اقبال الفنانين المسلمين على استخدام البلاطات الخزفية في تكسية الجدران وزخرفتها يرجع إلى ارتفاع أثمان الرخام وما يستلزمه من عمليات نقل من المحاجر البعيدة وكان لإيران السبق في الاستخدام الواسع لبلاطات الخزف، وان كان ذلك لا ينفي انتاج بلاطات الخزف لاول مرة في مدينة سامراء حاضرة العباسيين بالعراق، ومن سامراء كانت البلاطات تصدر إلى الأمصار المختلفة لاستخدامها في زخرفة بعض أجزاء المساجد ولاسيما المحاريب· ومن المراكز الفنية التي ذاعت شهرتها في انتاج الخزف مدينة قاشان الإيرانية والتي منحت اسمها اليوم لكل أصناف البلاطات الخزفية حتى باتت تعرف الى اليوم في العديد من الأقطار العربية بالقاشاني · وقد اخرجت قاشان أقدم المحاريب الخزفية ومنها محراب جامع الميدان في قاشان، ويرجع تاريخه إلى عام 623هـ ''1226م'' وأيضا المحاريب الخزفية الثلاثة التي ترجع إلى عام 612هـ ''1215م'' والموجودة في ضريح الامام الرضا بمدينة مشهد· وقد استطاع الايرانيون اتقان صناعة التربيعات من الخزف ذي البريق المعدني لكسوة الجدران، ونمت هذه الصناعة نموا عظيما بين القرنين السادس والثامن بعد الهجرة· وازدانت سائر الألواح الخزفية التي تستخدم في تكسية الجدران بزخارف بارزة تزينها الكتابات الكوفية والنسخية· ومن قاشان انتقلت صناعة لوحات ''القاشاني'' ذي البريق المعدني إلى مدينة الري وما لبثت هذه الصناعة ان ازدهرت في العديد من المراكز الفنية في إيران · كما ازدهرت صناعة الفسيفساء الخزفية خلال عصر ايلخانات المغول في ايران ، وفيها تؤلف الزخرفة من اجزاء صغيرة من الخزف مختلفة الاشكال بعد قطعها من لوحات من الخزف المدهون وتلصق الأجزاء بعضها ببعض بواسطة الملاط الذي يصب فيها من الخلف فيملأ جميع التجاويف فيها· ورغم الاعتراف بأن السلاجقة الاتراك سبقوا الى استخدام هذا الأسلوب في زخرفة بعض مبانيهم في مدينة قونية بالأناضول، فإن الصناع الإيرانيين في القرن الثامن الهجري ''14م'' بزوا السلاجقة في هذا الميدان وافلحوا في ان يؤلفوا منها ادق الموضوعات النباتية والهندسية في ألوان براقة متناغمة· وازدهرت صناعة الفسيسفاء الخزفية ايضا بمدينة اصفهان ومن منتجاتها محراب خزفي كان في مدرسة بها مؤرخة بعام 755هـ ''1354م'' ويبدو ان تيمورلنك بعد غزوه لإيران استقدم إلى عاصمته ضمن من حملهم من الفنانين الإيرانيين عددا من صناع الفسيسفاء الخزفية، عملوا في سمرقند وغيرها من مدن بلاد ما وراء النهر مثل بخارى، حيث ظهرت كسوات خزفية بديعة في منشآت التيموريين دون ان تكون لهذه البلاد سابقة في انتاج هذا النوع من الكسوات الخزفية، وتعد زخارف ضريح جور امير وشاهي زندة بسمرقند خير شاهد على هذه الحقيقة وواصلت صناعة البلاطات الخزفية ازدهارها وتطورها خلال عصر الدولة الصفوية في إيران خاصة بعد نجاح صناع الخزف في اتقان اللوحات الخزفية لكسوة الجدران فقد اهتدى صناع اصفهان العاصمة الصفوية إلى طريقة تغنيهم عن عناء صناعة الفسيسفاء الخزفية وما تتطلبه من وقت ونفقات وهي طريقة ''هفت رنكي'' اي الالوان السبعة واستطاعوا بواسطتها جمع سبعة الوان أو أكثر في لوحة مربعة مساحتها نحو قدم مربع فتيسر لهم بذلك استخدام الالوان في مساحات صغيرة جدا ولم يعودوا ملزمين بالاكتفاء برسم الزخارف الهندسية والنباتية كما في حالة الفسيفساء الخزفية، بل سهل عليهم تأليف الرسوم الآدمية المختلفة· واقدم النماذج المعروفة من انتاج هذا الاسلوب عثر عليه في مدرسة شادوخ في مدينة خرجرد وهي من منشآت بداية القرن التاسع الهجري أثناء احتلال التيموريين لهذه المدينة· كما ازدهرت في الشرق الإسلامي ايضا صناعة البلاطات الخزفية في الأراضي التي حكمتها الدولة العثمانية وكانت مدينة بروسة ''بورصة'' عاصمة لدولة آل عثمان في الجزء الاكبر من القرن الثامن الهجري ''14م''، واصبحت مركزا عظيما من مراكز الصناعات الخزفية· امتازت هذه المدينة بانتاج بلاطات القاشاني لتغطية الجدران وكانت مستطيلة او مسدسة ومدهونة بالمينا المتعددة الالوان او مزينة بالنقوش المرسومة تحت الطلاء·ومن اجمل ما وصل الينا من بلاطات بروسة ما نراه في الجامع الاخضر بهذه المدينة والذي تم تشييده عام 820 هـ ''1423م''· وتتضمن بلاطات المحراب بالجامع الاخضر زخارف من الزهور والفروع النباتية يتجلى فيها التأثر بالاساليب الفنية الصينية ويشمل المحراب كتابة تشير إلى انه من صناعة فنانين من تبريز وقد ادخل الخزافون الإيرانيون في آسيا الصغرى صناعة الخزف باللونين الابيض والازرق تحت الطلاء· وأخرجت مصانع مدينة ازنيك ''ازنيق'' التركية بلاطات من الخزف كسيت بها جدران كثير من مساجد استانبول وغيرها من الحواضر العثمانية، وتمتاز هذه البلاطات باستخدام الوان متعددة في زخارفها مثل الازرق والاخضر والفيروزي والزيتوني والاسود فضلا عن لون احمر يبرز قليلا عن سطح البلاطات · وتتمثل أهم زخارف هذه البلاطات في الزهور الطبيعية، لاسيما الورد وزهور السنبل والسوسن والقرنفل والخزامي وتشير البلاطات الخزفية المستخدمة في زخرفة جدران مسجد الجمعة في مدينة ''ثاتان'' بباكستان إلى ان بلاد السند كانت على دراية تقنية وفنية كاملة بهذا الفن الجميل· أما بلاد المغرب والاندلس فقد ازدهرت صناعات البلاطات الخزفية بها حيث عرفت باسم ''الزليج'' وتشهد زخارف مساجد المغرب وتونس والجزائر وقصور ومساجد الاندلس بمدى التقدم الذي احرزته صناعة البلاطات الخزفية هناك إلى جانب روائع الفسيفساء الخزفية التي كانت مادة مفضلة في زخرفة قاعات القصور·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©