الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من التراث

حكايات من التراث
23 سبتمبر 2008 00:28
دخل عمرو بن معد يكرب على عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فقال له عمر: يا عمرو، أخبرني عن أشجع من لقيت· فقال: والله يا أمير المؤمنين لأخبرنك عن أجبن الناس وأحيل الناس، وأشجع الناس: خرجت مرة أريد الغارة، فبينما أنا أسير بفرس مشدود، ورمح مركوز، وإذا برجل جالس، وهو كأعظم ما يكون من الرجال خَلقاً، وهو مُحتب بسيف· فقلت له: خذ حِذرك فإني قاتلك· فقال: ومن أنت؟ قلت: عمرو بن معد يكرب، فشهق شهقة، فمات· فهذا أجبن من رأيت يا أمير المؤمنين· وخرجت يوماً حتى انتهيت الى حي· فإذا أنا بفرس مشدود، ورمح مركوز، وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجة· فقلت: خذ حذرك فإني قاتلك· قال: من أنت؟ قلت: أنا عمرو بن معد يكرب· قال: أبا ثور، ما أنصفتني! أنت على ظهر فرسك، وأنا في بئر، فأعطني عهداً أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي، وآخذ حذري، فأعطيته عهداً ألا أقتله حتى يركب فرسه، ويأخذ حذره· فخرج من الموضع الذي كان فيه، حتى احتبى بسيفه وجلس· فقلت له: ما هذا؟ فقال: ما أنا براكب فرسي، ولا بمقاتلك، فإن نكثت عهدك فأنت أعلم، فتركته ومضيت· فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت·ثم إني خرجت يوماً آخر، حتى انتهيت الى موضع كنت أقطع فيه، فلم أر أحداً، فأجيرت فرسي يميناً وشمالاً، فظهر لي فارس· فلما دنا مني إذ هو غلام أقبل نحو اليمامة، فلما قرب مني سلم، فرددت عليه وقلت: من الفتى؟ قال: أنا الحارث بن سعد، فارس الشهباء، فقلت له: خذ حذرك، فإني قاتلك، فقال: الويل لك! من أنت؟ قلت: أنا عمرو بن معد يكرب· فقال: الحقير الذليل؟ والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك، فتصاغرت نفسي إلي وعظم عندي ما استقبلني به· فقلت له: خذ حذرك، فوالله لا ينصرف إلا أحدنا· قال: اغرب، ثكلتك أمك! فإني من أهل بيت ما نكلنا عن فارس قط! فقلت: هو الذي تسمع· قال: اختر لنفسك: إما أن تُطرد لي، وإما أن أطرِد لك، فاغتنمتها منه، فقلت: أطرد لي، فأطرد، وحملت عليه، حتى إذا قلت إني وضعت الرمح بين كتفيه، إذ هو قد صار حزاماً لفرسه، ثم اتبعني، فقرع بالقناة رأسي، وقال: يا عمرو، خذها إليك واحدة، فوالله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك، فتصاغرت إلي نفسي، وكان الموت- والله يا أمير المؤمنين- أحب إلي مما رأيت، فقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا، فقال: اختر لنفسك، فقلت: أطرد لي· فأطرد لي، فظننت أني قد تمكنت منه، واتبعته حتى إذا قلت إني قد وضعت الرمح بين كتفيه، فإذا هو قدر صار لبباً لفرسه، ثم اتبعني فقرع رأسي بالقناة، وقال: يا عمرو، خذها إليك ثانية، فتصاغرت إلي نفسي، فقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا· فقال: اختر لنفسك· فقلت: أطرد لي· فأطرد حتى إذا قلت إني وضعت الرمح بين كتفيه وثب عن فرسه، فإذا هو على الأرض، فأخطأته ومضيت· فاستوى على فرسه، واتبعني فقرع بالقناة رأسي، وقال: يا عمرو، خذها إليك ثالثة· ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك· فقلت له: اقتلني، فإن الموت أحب إلي مما أرى نفسي، وأن تسمع فتيان العرب بهذا· فقال: يا عمرو إنما العفو ثلاث، وإني إن استمكنت منك الرابعة قتلتك وأنشأ يقول: وكدت أغلاظاً من الأيمان إن عدت يا عمرو الى الطعان فلما قال هذا كرهت الموت، وهبته هيبة شديدة، وقلت: إن لي إليك حاجة· قال: وما هي؟ قلت: أكون لك صاحباً، ورضيت بذلك يا أمير المؤمنين! قال: لست من أصحابي· فكان ذلك والله أشد علي وأعظم مما صنع· فلم أزل أطلب إليه حتى قال: ويحك! وهل تدري أين أريد؟ قلت: لا· قال: أريد الموت عياناً· فقلت: رضيت بالموت معك· فقال: امض بنا، فسرنا جميع يومنا وليلتنا حتى جننا الليل، وذهب شطره· فوردنا على حي من أحياء العرب، فقال لي: يا عمرو، في هذا الحي الموت· ثم أومأ الى قُبة في الحي، فقال: وفي تلك القبة الموت الأحمر، فإما أن تمسك علي فرسي، فأنزل، فآتي بحاجتي، وإما أن أُمسك عليك فرسك فتنزل فتأتي بحاجتي· فقلت: لا· بل انزل أنت، فأنت أعرف بموضع حاجتك، فرمى الي بعنان الفرس ونزل، فرضيت لنفسي يا أمير المؤمنين أن أكون له سائساً· ثم مضى حتى دخل القبة، فاستخرج منها جارية، لم تر عيناي قط مثلها حسناً وجمالاً، فحملها على ناقة، ثم قال: يا عمرو· قلت: لبيك! قال: عليك بزمام الناقة· وسرنا بين يديه، وهو خلفنا حتى أصبحنا، فقال لي: يا عمرو· قلت: لبيك! ما تشاء؟ قلت: التفت، فانظر هل ترى أحداً؟ فالتفت، وقلت: أرى جمالاً، قال: أغذ السير، ثم قال لي: يا عمرو· قلت: لبيك! قال: انظر، فإن كان القوم قليلاً، فالجلد والقوة والموت· وإن كانوا كثيراً فليسوا بشيء، فالتفت، فقلت: هم أربعة أو خمسة، قال: أغذ السير· وسمع وقع الخيل، فقال لي: يا عمرو، قلت: لبيك! قال: كن على يمين الطريق، وقف، وحول وجوه دوابنا الى الطريق، ففعلت، ووقفت على يمين الراحلة ووقف هو عن يسارها· ودنا القوم منا، فإذا هم ثلاثة نفر فيهم شيخ، وهو أبو الجارية وأخواها وهما غلامان شابان، فسلموا فرددنا السلام، ووقفوا عن يسار الطريق· فقال الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخي، فقال: ما كنت لأخليها، ولا لهذا أخذتها! فقال لأصغر ابنيه: اخرج إليه، فخرج وهو يجر رمحه، وحمل عليه الحارث · ثم شد عليه، فطعنه طعنة، دق منها صلبه، فسقط ميتاً· فقال الشيخ لابنه الآخر: اخرج إليه يا بني، فلا خير في الحياة على الذل، فخرج إليه وأقبل الحارث ثم شد عليه، فطعنه طعنة، سقط منها ميتاً· فقال له الشيخ: خل عن الظعينة يا ابن أخي، فإني لست كمن رأيت· قال: ما كنت لأخليها ولا لهذا قصدت· فقال له الشيخ: اختر يا ابن أخي، فإن شئت طاردتك، وإن شئت نازلتك، فاغتنمها الفتى ونزل· ونزل الشيخ، وهو يقول: ما أرتجي بعد فناء عمري سأجعل السنين مثل الشهر ثم دنا، فقال له الشيخ: يا ابن أخي، إن شئت نازلتك، وإن بقيت فيك قوة ضربتني، وإن شئت فاضربني، فإن بقيت في قوة ضربتك· فاغتنمها الفتى، فقال: وأنا أبدؤك· قال: هات· فرفع الحارث السيف، فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به الى رأسه، ضرب بطنه ضربة فقد مِعاه، ووقعت ضربة الحارث في رأسه، فسقطا ميتين· فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس، وأربعة أسياف· ثم أقبلت الى الناقة فعقدت أعنة الأفراس بعضها الى بعض وجعلت أقودها، فقالت الجارية: يا عمرو، إلى أين؟ ولست لي بصاحب، ولست كمن رأيت، ولو كنت صاحبي لسلكت سبيلهم! فقلت: اسكتي، قالت: فإن كنت صادقاً فأعطني سيفاً ورمحاً، فإن غلبتني فأنا لك، وإن غلبتك قتلتك· فقلت لها: ما أنا بمعطيك ذلك، وقد عرفت أصلك، وجرأة قومك وشجاعتهم، فمرت بنفسها عن البعير،أبعد ما شيخي وبعد إخوتي أطلب عيشاً بعدهم في لذة؟ هل لا تكون قبل ذا منيتي؟ وأهوت الى المرح، فكادت تنتزعه من يدي، فلما رأيت ذلك خفت إن هي ظفرت بي أن تقتلني، فقتلتها· فهذا أشد ما رأيته يا أمير المؤمنين، فقال عمر بن الخطاب: صدقت يا عمرو!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©