الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شواهد التقوى

شواهد التقوى
9 ديسمبر 2009 21:34
“الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله”.. نداء لطالما تردد صداه ولا يزال في سماء الإمارات.. في الماضي كما في الحاضر، تغيرت أشياء كثيرة مع ظهور النفط، وربما مضى إلى غير رجعة نمط الحياة القديم بكل ما فيه.. وحده الأذان ظل خالداً وباقياً كما هو ولم يمسسه أي تغيير مع النهضة الشاملة التي شهدتها الإمارات بشكل عام وأبوظبي بشكل خاص، وتركت تغيرات بنيوية عميقة في المشهد العمراني والمعماري كما في غيره من المشاهد الثقافية والاجتماعية. لم يتغير الأذان، ولن يتغير بالطبع، لكن مكان رفع الأذان لم يسلم من التغيير، فقد تأثرت المساجد التي أولتها الدولة عناية فائقة، وجهدت في بناء الكثير منها وفق معايير الطراز الحديث، بهذه التغييرات حتى كادت تندثر إلا القليل. وهو الأمر الذي حدث في الإمارات الأخرى وفي دول الخليج كلها؛ بحيث أضحى بقاء مساجد تحمل الطراز التراثي القديم نادراً، ومن هنا اكتسبت المساجد القديمة التي بقيت سالمة أهمية تاريخية وثقافية عظيمة، لأنها تشكل وسيلة لفهم تاريخ العمارة الإسلامي في منطقة الخليج. لهذا السبب وغيره، حظيت المساجد بدراسات عديدة، ولفتت اهتمام الباحثين وعلماء الآثار ودارسي العمارة ومنهم الدكتور جيفري كينج، الباحث في الفن والآثار الإسلامية في دائرة الفنون والآثار في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن (SOAS)، الذي قام بجهد علمي ثمين لتقصي ما تبقى منها، وتصنيفه، ودراسته، معتمداً على معرفته الواسعة بالفن الإسلامي والآثار وبما توفر لديه من صور وشهادات ووثائق حاول استنطاقها في كتابه القيم الموسوم بـ “المساجد القديمة في سواحل أبوظبي”، الذي صدر حديثاً عن المركز الوطني للوثائق والبحوث في أبوظبي، “ليسد الفراغ في ظل عدم وجود سجلات عن المساجد القديمة في مدينة أبوظبي وفي سواحل وجزر أبوظبي قبل النصف الأول من القرن العشرين” كما جاء في تقديم المركز للكتاب. وثائق بصرية مثل غيرها من الشواهد المعمارية والآثارية لم تحظ المساجد القديمة في أبوظبي أو سواحلها وجزرها قبل النصف الثاني من القرن العشرين بأي توثيق؛ فتوثيق الأبنية القديمة بدأ مع التقاط الصور الفوتوغرافية من زوار لم يقصدوا تسجيل أو توثيق المساجد بحد ذاتها، بل جاءت بشكل عرضي في نطاق تسجيل أعم للإمارة من قبل موظفي شركة “بريتش بتروليوم”. وقد صدر أول تأريخ رسمي للمساجد القديمة في الإمارة عام 1979 عندما أبلغ البروفسور س. سليزيو بوجود مجموعة من الأبنية الإسلامية التقليدية الطراز تشمل ثلاثة مساجد في جزيرة دلما في المنطقة الغربية. وكان على الآثاريين والباحثين المهتمين أن ينتظروا 11عاماً ليحصلوا على مسجد جديد في جزيرة مروح رصدته مجموعة التاريخ الطبيعي للإمارات التي قامت بزيارة إلى الجزيرة عام 1990. لكن القفزة الحقيقية جاءت في عام 1992 مع مجموعة المسح الأثري لجزر أبوظبي (أدياس) التي قامت بمسح منهجي للمواقع الأثرية في سواحل المنطقة الغربية، بما في ذلك المساجد القديمة، ورصدت عدداً منها في جزر صير بني ياس ومروح ودلما. تلا ذلك رصد مساجد بسيطة مبنية بالحجر في جزر ياسات، وجزر غاغه ولفية وبلغيلم و أبوالأبيض في مواسم لاحقة من عمليات المسح. وفي العام نفسه، قام فريق من قسم الآثار في جامعة الشارقة يقوده الدكتور عبد الستار العزاوي بترميم المساجد الثلاثة القديمة في دلما. دلالات ومفاهيم لا تعكس المساجد القديمة الحضور القوي للدين في مجتمع الإمارات بل تصور أيضاً العلاقة الوثيقة لأهل المنطقة مع البحر، حيث كان الغوص على اللؤلؤ بالإضافة إلى الصيد العمود الفقري لاقتصاد ساحل الخليج العربي؛ وكانت الأساطيل تتقاطر من جميع أنحاء الخليج في الصيف لجمع اللؤلؤ من مهاد البحار الممتدة بين قطر وأبوظبي، فارتبطت مساجد الساحل بهذه الهجرة السنوية وعكست المستوى الاقتصادي للقاطنين حوله، فأكثر مراكز التجارة غنى وثراء مثل دلما وأبوظبي كانت تملك مساجد مبنية ومزينة بالزخرفة، فيما كانت المساجد الحجرية التي تقع في أقصى أطراف الجزر المقابلة للشاطئ مبنية بأسلوب بسيط جداً لتستخدم كأماكن عبادة لصيادي السمك واللؤلؤ العابرين. الأنماط والطرز بحسب نمط بنائها ومزاياها المعمارية تنقسم المساجد التراثية القديمة في أبوظبي إلى أربعة أنماط أو مجموعات، أما المساجد التي تنتمي إلى المجموعة الأولى فهي من أكثر المساجد المتكلفة معمارياً، مع قاعات صلاة ذات سقوف مسطحة وباحات مكشوفة. وتشمل: مسجد العتيبة في مدينة أبوظبي، وثلاثة مساجد متقنة الحفظ في جزيرة دلما، بالإضافة إلى مسجد أكثر بساطة في جزيرة لفية مقابل جزيرة مروح. وتوازي مساجد هذه المجموعة من حيث التصميم مساجد على الجانبين العربي والإيراني من الخليج، فتنظيمها الداخلي والخارجي وزخرفها ينسبان إلى طراز معماري إسلامي إقليمي، وعليه تعتبر مساجد هذه المجموعة جزءاً من تراث عمارة إسلامية أشمل في الخليج بشكل عام. أما مساجد المجموعة الثانية فمبنية من الحجر الخام الذي يوضع جافاً، دون استعمال الملاط. وتتألف من تطويق مستطيل تحده جدران حجرية منخفضة ترتفع لحدود متر إلى مترين فوق مستوى الأرض، وتتشابه في كونها بلا سقف ولا باحة (صحن). ولكن في الماضي ربما كان لها سقيفة خفيفة من أوراق النخيل أو أغصان المنغروف، فمن الطبيعي أن يكون الاستظلال محبذاً في مناخ شديد القيظ كمناخ فصل الصيف لا سيما وقت صلاتي الظهر والعصر. وتعكس مساجد هذه المجموعة نظام البناء البدائي والجاهز كما تؤشر على التعاون والتنظيم الاجتماعي، حيث كانت تستدعي اختيار وحمل كميات كبيرة من حجارة البناء للجدران. وتميل هذه المساجد إلى الارتباط بمواطن الاستقرار السكني، وتظهر رغم بساطتها افتراضاً جلياً بأنها كانت دائماً مكاناً أساسياً للصلاة في تلك المواطن حيث وجدت. وعادة ما يكون لهذه المساجد مدخل واحد مقابل المحراب، ويبرز بناء المحراب دائماً للخارج في القسم الخارجي من حائط القبلة بشكل موازن لها، فيكون بعضها مستطيل الشكل والبعض الآخر مستديراً. وتتمركز مساجد المجموعة الثالثة (المساجد ذات الحجارة القائمة) في المنطقة الغربية، ويحدد موقعها على الأرض صفوف من الحجارة تشير إلى خط القبلة ومشكاة المحراب. وفي بعض الأحيان يكون لها “حائطان” جانبيان يحددان جوانب المسجد، وأحياناً أخرى نجد حائطاً خلفياً مقابلاً للقبلة ولكن ذلك نادر. وجدران هذه المساجد عبارة عن حجارة كلسية ضخمة أو ألواح من صخور الشاطئ (الفروش) مثبتة في الأرض في صف واحد وقائمة في الارتقاء. وهي ترتفع أحياناً إلى متر واحد، بحسب حجم الحجارة المستخدمة. ويصادف أن تستعمل هذه الألواح الضخمة في بناء هياكل المحراب بشكل خاص، لكنها في بعض الحالات قد تشكل كامل جدار القبلة، وأحياناً تحدد الهيكل الخارجي للمسجد كله. وتعتبر مساجد المجموعة الرابعة أو مساجد الهيكل الحجري البسيط أكثر بساطة من سابقتها، ويقترح مؤلف الكتاب الإشارة إليها كمصليات بدلاً من مساجد، وهي تتواجد في المنطقة الغربية خاصة في الجزر المقابلة للشاطئ. ولا تعدو أن تكون صفاً من الحجارة الأصغر حجماً لتحديد خط القبلة مع مشكاة المحراب في الوسط. وأحياناً تكون جوانب المساحة المحددة للصلاة محددة هي الأخرى، لكن ذلك نادر. وتتفاوت أبعاد هذه المساجد بشكل كبير، فقد يكون لأحدها حائط قبلة بطول يصل إلى 28 متراً بينما جدران القبلة في مساجد أخرى صغيرة جداً، تتألف من محراب ومساحة بسيطة وخط من الحجارة يقارب المتر مشكلاً حائط القبلة. وكانت هذه المساجد على الأرجح تتسع لشخصين أو ثلاثة على الأكثر يصلون معاً. مواد البناء مما توفره الطبيعة من الحجارة الكلسية والصخور (الفروش) والمرجان بنى الإماراتي القديم مساجده، والمقصود هو المرجان الذي كان يتواجد بشكله الحجري وليس المرجان المستخرج حديثاً من الحيد المغمور. بالنسبة لمساجد المجموعة الأولى المبنية بإتقان فقد استخدم فيها المرجان والحجارة الكلسية المحلية الخام وقوالب الحجارة، وجميعها مثبتة بواسطة ملاط لاصق. وجميع هذه المواد مغلفة بالجص ذي اللون الأبيض. وقد استعمل هذا التبييض بالجص في مسجد العتيبة في أبوظبي، وفي مسجدي المهندي والدوسري في دلما، وفي مسجد لفية مقابل مروح. وكان مسجد المريخي في دلما قبل ترميمه مجصصاً ومطلياً باللون الأخضر ولكن يعتقد أنه كان مبيضاً بالأصل، أما الآن في شكله المرمم فقد غلف بالجص الأبيض، وهو اللون المرتبط بالطهارة والنقاء في العمارة الدينية الإسلامية. وفي هذه المساجد يستخدم الخشب للتسقيف والأبواب ومصاريع النوافذ، وكان خشب الساج هو المفضل للبناء، لأنه مقاوم للحشرات ويصمد في وجه عوامل الصيف القاسية حيث الحرارة والرطوبة. أما في مساجد المجموعة الثانية والثالثة فلم يستخدم الجص لا في الملاط ولا في التبييض، وكانت تستخدم فيها ألواح كبيرة مسطحة من الصخور (الفروش) سمحت ببناء المحاريب المربعة أو المستطيلة الشكل أكثر من تلك المقعرة. أما في المساجد البسيطة التي تنتمي إلى المجموعة الرابعة حيث وضعت الجدران التي تحدد موقع القبلة في صف واحد من الحجارة الصغيرة، فيسهل تحديد المحاريب المقعرة، وهي رائجة كنتيجة مباشرة للمواد المستخدمة. لكن عندما يكون لهذه المساجد البسيطة محراب من الحجر وألواح الفروش فإنها تميل طبيعياً إلى أن تشكل تجويف محراب مستطيل بدل المقعر، وعليه فإن اختيار شكل المحراب في هذه المساجد البسيطة يرتبط مباشرة باختيار مواد البناء أكثر من أي عامل آخر. جزر وشواهد يشير الكتاب إلى وجود أربعة مساجد قديمة في مدينة أبوظبي هي: مسجد العتيبة القديم الذي بناه خلف العتيبة حوالي عام 1936م، وكان يقع في شمال غرب قلعة الحصن وشرق مجمع السفارة البريطانية تقريباً، وقد استبدل به مسجد خليفة بن زايد الأول، ومسجد العتيبة الثاني الذي كان يقع قرب منزل آل العتيبة بمحاذاة الشاطئ، وهدم عندما وسع الكورنيش عام 2005م، ومصلى مدينة أبوظبي الذي كانت تؤدى فيه صلاة العيدين، ومسجد رابع قديم تاريخ تأسيسه مجهول، ويمكن أن يعود إلى أي وقت بعد تأسيس مدينة أبوظبي الحديثة حوالي عام 1760م. وفي جزيرة بو شعرة، التي تقع شمال شرق أبوظبي، يوجد مسجد قديم ينتمي إلى مساجد المجموعة الأولى، وهو متاخم للخط الساحلي، ويبعد حوالي 25 متراً عن شاطئ البحر. وتضم جزيرة الفطيسي التي تقع غرب جزيرة أبوظبي ثلاثة مساجد، وتصاحب أحدها (يقع شرقاً على بعد حوالي كيلومتر ونصف شمال غرب حصن الفطيسي) بقايا فخارية متناثرة وبقايا أصداف تعود إلى أواخر الحقبة الإسلامية. وفي جزيرة بلغيلم يوجد مسجد بسيط (من المجموعة الرابعة) عثر عليه فريق أدياس عام 1998م. وتحتوي جزيرة أبو الأبيض أكبر الجزر على طول الجانب الشمالي لخور البزم، على خمسة مساجد قديمة، يقع أولها في الجهة الشمالية، ويقع الثاني في الجانب الشمالي من الجزيرة على بعد حوالي أربعة كيلومتر ونصف شمال شرق خور أبو الأبيض، ويقع الثالث في الجهة الشمالية من مزرعة أبو الأبيض، وهناك أكوام من صدف المحار وفخاريات تعود إلى العصر الإسلامي الحديث، ويعتبر واحداً من مجموعة مؤلفة من أربعة مساجد ضمن نطاق نصف كيلومتر. أما المسجد الرابع فيقع هيكله في الجانب الشمالي من جزيرة أبو الأبيض على بعد حوالي 300 متر غرب موقع المستوطنة التي كانت قائمة في أواخر الحقبة الإسلامية وهو قائم على رأس صغير. وفي موقعي أبو الأبيض هناك على الأقل هياكل ثلاثة مساجد مرتبطة بموقع المستوطنة، مصحوبة بفخاريات من أواخر الحقبة الإسلامية وفخاريات تعود إلى أواخر ما قبل الحقبة الإسلامية. وتضم جزيرة مروح بين أحضانها مسجداً فريداً يختلف عن جميع المساجد لأنه مبني كله من الخشب، وهناك مبان أخرى ملحقة به مبنية بنفس الطريقة وتشمل بيتاً للباحة (الصحن)، وبيتاً للقارب الخشبي، ومخزناً لشباك الصيد، وجميعها تعود إلى أوائل أو منتصف القرن العشرين. بالإضافة إلى مسجد لفة الذي يقع شرق قرية لفة في الطرف الغربي لجزيرة مروح، وفي الجنوب الشرقي للمسجد مقبرة إسلامية. إلى ذلك، يوجد في الطرف الجنوبي الغربي لجزيرة مروح موقع مهم يعود إلى أواخر العصر الحجري، وفي الجانب الشرقي منه معلم بسيط لمسجد ينتمي إلى المجموعة الرابعة. ويشير الخزف الموجود في المنطقة المحيطة إلى آخر العصر الحجري، لكن وجود فخاريات مطلية باللون الأزرق عائدة إلى أواخر الحقبة ما قبل الإسلامية/ أوائل الحقبة الإسلامية، يدل على أن المسجد يعود إلى أوائل أو أواخر العصور الإسلامية غير أنه لا يمكن الجزم بتاريخه. كما يوجد هيكل صغير لمسجد بسيط على السفوح السفلى لجهة الشمال الشرقي. وما زالت الصلاة تقام في مسجد الجمعة في جزيرة لفية، وفي شماله الغربي يقع مسجد آخر يصنف مع المجموعة الثالثة. أما في جزيرة بزم الغربي فيوجد مسجد بزم الغربي وإلى جانبه بقايا مواقد كانت تستعمل للطهي. ومن بزم إلى صير بني ياس ثمة مسجد حجري بسيط يعوزه سقف، وعلى مقربة من موقع قرية الظاهر المهجورة في الطرف الشمالي للجزيرة يوجد مسجد يقول البعض أن عمره يقارب 300 عام. وفي جزيرة ياسات العليا يحدثنا المؤلف عن ثلاثة مساجد فيما يوجد مسجدان في ياسات السفلى، ومسجد في رأس الغميس وشبه جزيرة السلع، ومسجدان في جزيرة الإفزيعية وثلاثة مساجد في جزيرة الغاغة. مساجد دلما تشكل مساجد جزيرة دلما على وجه الخصوص قسماً بالغ الأهمية من تراث العمارة الإسلامية في أبوظبي والإمارات، ولهذا اعتنى بها المؤلف عناية واضحة، وأفرد لكل واحد صفحات عديدة قدم فيها شروحات وإيضاحات وافية حول بناء المساجد المعماري وقاعات الصلاة فيها، ومشاكي القرآن، والمحاريب، وأماكن الوضوء، والاعتبارات البيئية التي فرضت شكلاً معمارياً يسمح لأقل نسمة منعشة بالدخول، بالإضافة إلى استبعاد أشعة الشمس، وقد تحقق ذلك بالإكثار من النوافذ التي تساعد على التهوية وإدخال فتحات هواء صغيرة في تجويف المحراب لإنعاش الصفوف الأمامية من المصلين في المسجد والإمام، وهو تصميم لا يتواجد في محاريب المساجد المبنية في بيئات مناخها أكثر اعتدالاً، مما يجعله استجابة مباشرة للمناخ الساحلي من إمارة أبوظبي. أما مساجد دلما فهي: مسجد محمد بن جاسم المريخي الذي أصبح الآن متحفاً، ومسجد راشد بن فهد الدوسري، ومسجد سعيد بن علي المهندي. ومن بين جميع مساجد أبوظبي التراثية القديمة لم يكن هناك نقش يحمل تاريخاً إلا في مسجد راشد بن فهد الدوسري في دلما، أما الباقي فيجب أن تؤرخ بالاستنتاج أو قياساً بمبان أخرى بواسطة الكتابة على الجدران أو بواسطة الذاكرة المحفوظة بين السكان. ويصح ذلك إلى درجة معينة مع أكثر المساجد كلفة التي تنتمي إلى المجموعة الأولى في أبوظبي ودلما. وفي دلما حيث توجد نقوش لتأسيس مؤرخ، أو كتابة مؤرخة على جدران المساجد، يبدو من المنطقي، كما يقول المؤلف، استنتاج أن مساجد أخرى لا تحمل نقوشاً ولكنها مماثلة في الطراز، تنتمي جميعها تقريباً إلى الحقبة نفسها. وقد تكون المساجد البسيطة (المجموعات الباقية) أكثر صعوبة للتاريخ وربما مستحيلة، لأنها لا تحمل أي طبقات أثرية لكي يتم التنقيب عنها، فقد أنشئت مباشرة على سطح الأرض من دون خنادق الأساس. وحتى عندما نجد في محيط هذه المساجد البسيطة فخاريات متناثرة على السطح أو مواقد قريبة منها فيمكن أن تعود إلى القرن الرابع عشر، ولا يعتبر ذلك برهاناً أثرياً أميناً كافياً لربط الفخاريات بالمساجد نفسها. لم يكن لمساجد أبوظبي القديمة مآذن على شكل أبراج باستثناء مسجد العتيبة المندثر، ويرى المؤلف أن وجود مئذنة فيه يتناقض مع غياب المآذن المرتفعة في دلما، ويدلل على ذلك بغياب المآذن في المساجد القديمة المذكورة في الإمارات وفي مسندم في عمان شمالاً، وفي المسجد الوحيد القديم الذي نقب عنه في المنطقة وهو مسجد جلفار في رأس الخيمة، الذي يقدر أنه يعود إلى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر لغاية القرن السادس عشر؛ إذ توجد فيه منصة للأذان دون أي دليل على وجود مئذنة عالية. ولا يعتبر غياب المآذن المرتفعة في مساجد دلما ولفية مفاجئاً، لأن هناك الكثير من المساجد العربية ليس لها مآذن مرتفعة بأي شكل من الأشكال، وهذه تشمل المساجد الثلاثة الأقدم التي تم التنقيب عنها حتى الآن في الربذة قرب المدينة المنورة، وفي موقع فيد غربي حائل. وهو ما لاحظه ج. س. ب. فريمان غرينفيل في شرق إفريقية، حيث الندرة الكبيرة في المآذن المرتفعة، وهي منطقة شديدة الارتباط بشبه الجزيرة العربية في أصول الدين الإسلامي والعمارة الإسلامية فيها. وكنظرة عامة، يبدو من المنطقي غياب المآذن شرقي الساحل الإفريقي كتردد لغيابها في العديد من المساجد الإسلامية، والتواصل القريب بين شبه الجزيرة العربية والساحل الإفريقي يبرر ذلك. وفي الكتاب دراسة شاملة للنظائر الأسلوبية لتراث مساجد أبوظبي في نواح أخرى من منطقة الخليج يصعب إيراد تفاصيلها لكثرتها واتساعها. أخيراً، لا بد من القول إن تراث المساجد القديمة في أبوظبي الذي وصفه المؤلف هو جزء من تراث معماري إسلامي أشمل لمنطقة الخليج العربي على وشك أن يتم تجاهله. ولحسن الحظ أن الفرصة سنحت لفرق البحث الميداني لـ “أدياس” لتسجيل المساجد القديمة بالإمارة منذ أوائل التسعينات من القرن العشرين ولاحت فرصة لحفظ هذه المباني. ولو لم تعط السلطة أوامرها بإعادة ترميم المجموعة المهمة من المساجد في دلما، لكان أعيد بناؤها حتماً وفق الطراز الحديث، وكانت الأدلة التي تقدمها عن التراث التاريخي لمساجد أبوظبي قد ضاعت معها، ولكنا فقدنا أمثلة رائعة على تسخير المال لخدمة المعاني الإنسانية والقيم النبيلة، ونموذج مشرق على الاستثمار الورع لدخل اللؤلؤ في أعمال تخدم الروح مثل المساجد المخصصة للوقف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©