الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كرة القدم فقدت عذريتها

كرة القدم فقدت عذريتها
30 يونيو 2010 21:48
في صومعة عزلته يفكر المبدع بهذا العالم في صمت، وعلى المستطيل الأخضر يفكر الرياضي بتغييره دون أن يشعر، ربما في ضجيج، وبين الفعل الواعي الصامت وغير الواعي الصاخب طروحات متباينة بين الفريقين تتجاوز نظرية تغيير العالم المعروفة، وترسم عالماً جديداً وفق متغيرات أخرى، متغيرات حاصرت المثقف في عزلة يبررها هو نفسه بالنخبوية، وفسحت للرياضي قاعدة انتشار لا حد لها، يحفل بها أيضاً كجماهيرية، وبين انحسار الهامش المتاح للاعب الثقافي في مقابل اتساع وتمدد مساحات وجمهور اللاعب الرياضي تقف مواضعات عدة لواقع وقيم جديدة فرضت شروطها. مع ان البعض يرى أن لاعب كرة القدم لا يفكر سوى بقدميه، فإن البعض الآخر يرى انه لا يقل شأناً عن المثقف الذي يفكر برأسه، مع أنه أتيحت للأول هوامش أكبر في الفعل وفي الممارسة وفي التأثير وفق سياقات اجتماعية ومعرفية مختلفة، حول كل ذلك حاولنا أخذ آراء مجموعة من المثقفين والمبدعين من شعراء وفنانين تشكيليين حول التباين في الأدوار بين المثقف والرياضي كلاعبين مهمين، فاعلين في الساحة، كما سألناهم عن تبريرات الانحسار والانتشار الموازي، والنجومية والنجومية المضادة، والغيرة وبريق الأضواء، والمباريات والكتابة، والهم الإبداعي والثقافي في ظل كل ذاك الصخب الحافل.. المثقف والاغتراب الإيجابي الشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم، الحائز على جائزة الدولة التقديرية سألناه رأيه كمبدع حول موضوع المثقف و”المونديال” فقال إنه “عندما تأخذ كرة القدم كل هذا الاهتمام والزخم اللامتناهي فتسحب البشر من كل الساحات الأخرى، سواءً كانت ثقافية أو فكرية أو إبداعية، يشعر المبدع إزاء ذلك بنوع من الاغتراب، مرده غربة الكاتب في الأصل عن الناس في فعله الإبداعي، فالرياضة في حد ذاتها نشاط إنساني جميل وجيد، لكن عندما تتحول إلى ملهاة وضرب من ضروب التخدير تدفع بالجماهير الى حالة من حالات الغيبوبة عن كل ما سوى ذاك النشاط فإنها تتحول الى داء وجب التصدي له، وحول غيرة المثقفين من الرياضيين قال إنها ليست غيرة منهم بقدر ما هي غيرة عليهم، ونتمنى ان يكون حب الناس للثقافة بمقدار يوازي حبهم للرياضة، حتى لا يبقى الجمهور الرياضي متلقيا سلبيا، فالروائي يكتب وجمهور الرواية يقرأ، والشاعر يكتب وجمهور الشعر أيضا يقرأ، أما الرياضي فيمارس الرياضة ولكن الجمهور الرياضي أغلبه لا يمارس الفعل الرياضي بل يكتفي بالفرجة، وحتى علم هذه الجماهير من قبيل العلوم التي لا تقدم ولا تؤخر لأن معرفة العناوين وأسماء النجوم والفرق هي من قبيل العلوم التي معرفتها وجهلها سيان”. ويتمنى الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم لو كان الجمهور الرياضي يمارس لعبة كرة القدم ولا يكتفي بمشاهدة المباريات فقط، حتى ينقلوا هذه اللعبة من مجرد ملهاة الى محرض لممارسة بدنية ورياضية تعود عليهم بفائدة أكبر، وحول الكتابة والمتابعة الرياضية قال إن العمل الإبداعي بالنسبة له لا يتوقف أبداً طالما هناك حالة إبداع، سواءً كان ذلك في ظل المونديال أو في عدم وجوده، مع انه لا يتابع مباريات الكرة البتة إلا في كأس العالم فقط، وحتى في كأس العالم لا يتابعها في كثير من الأحيان، حيث يكتفي ببعض المباريات التي تجمع فرقاً محددة وذات فنيات عالية تتسم بالإثارة. الجمهور كائن خرافي الشاعر الإمارتي محمد المزروعي، يتحدث عن الممارسة الإبداعية ومتابعة المباريات فيقول إن المتابعة لا تحد بأي شكل من الأشكال من العمل الإبداعي، لأنه كما يقول ليس في كل يوم يرسم أو يكتب، والأمر برمته مرتبط بلحظة ابداعية قد تنتابك ولا تعرف وقتها، بل على العكس أحياناً لعبة كرة القدم تكون محفزاً لولادة حالة إبداعية، نتيجة لانطباع مؤثر يلتقطه المبدع ويولد لديه الفعل الإبداعي. يضيف: ومع جمال كرة القدم التي أصبحت تشكل فكرة شعور جمعي، فإنها أيضا أضحت تمارس نوعاً من السلطة على الجمهور، بالرغم مما ينعكس وما يترتب عن هذا القهر وهذا الاتباع المدمن، فهذا الولع هو المحدد الأول للتبعية والممارسة في كل شيء. ويتذكر المزروعي في معرض حديثه كتاباً قرأه لأريك فروم تحت عنوان “في الحب”، تعرض فيه للحب الشبقي والحب الإلهي وأنواع الحب، وقال في نهايته الكاتب “إنه يجب أن تنظر وتكون واعياً لما يجب ان تفعله ومدركاً لذلك، لأن الوعي مرحلة أولى وبعد ذلك الإدراك، فالولع هو ما يدفع بكل من الكاتب في ممارسته الإبداعية واللاعب في ممارسته الرياضة للشغف بما يفعل”. وحول اتساع دائرة الجمهور الرياضي قال محمد المزروعي إنه يدرك سبب اتساع الجمهور الرياضي، وهو شيء لا يقف ضده وممتع لمن يستمتع به، لكن قلة الجمهور الثقافي في المقابل تعكس أزمة أخرى منفصلة عن المقارنة بالجمهور الرياضي، وهي مرتبطة بالنشأة والتربية من حيث المبدأ وطبيعة الدعم السياسي للمثقف، فالدعم الرياضي مثلا غير مشروط، لأن عقل اللاعب في قدميه ولا يفرض أي نوع من الخوف من السلطة، أما الدعم الثقافي للاعب المثقف فهو محدود لأن عقل اللاعب الثقافي في رأسه وليس في قدميه، وهذا ما يعكس الكثير من التخوفات من طرف مجموعة قطاعات معرفية واجتماعية لا أستطيع بأي حال من الأحوال حصرها، لكن استطيع أن أقول إن الجمهور هو أولا وأخيراً هو كائن خرافي لا قدرة لنا عليه. وحول عزلة المثقف أمام الشغف الجماهيري اللامتناهي بكرة القدم أكد أن التحليل السيميولوجي “الدلالي” والسوسيولوجي شبه ذلك الشغف بحالة القطيع، فالمثقف يركن للعقلي أكثر، لأن ذلك مرتبط عموما بمفهوم المبدع، والمثقف لا يكره الكرة من حيث المبدأ كرياضة جميلة، بل يكره كونها ظاهرة اجتماعية سلبية لها الكثير من التبعات الأخرى. كرة مؤدلجة ومن جانب آخر يقول المخرج الإماراتي صالح كرامة العامري: “أعتقد أنه في الآونة الأخيرة وبخاصة السنوات العشر الماضية، تأدلجت كرة القدم فلم تعد تلك اللعبة الشفافة النقية التي لا تضمر وراءها أي أغراض أو نوايا”. وأضاف: “هذه الأدلجة كما يبدو تقودها مجموعات خفية تهدف إلى مضاربات كبرى على كافة المستويات، فعندما نشاهد أي مباراة وفي الوقت ذاته يقابلها حدث ساخن في مكان ما من العالم نرى أن المشاهد سيعيش في ازدواجية التحليل والرؤية والانتماء، فهو لا يعير ذلك الحدث الساخن أية أهمية وإنما يبقى الاحتفال بكرة القدم هاجسه بل، هاجس الجميع “. وقال كرامة “لم تعد كرة القدم بريئة، إذ فقدت عذريتها، فالمدمنون عليها بشكل فعلي، يعيشون كأنهم في عالم آخر، وحينما تناقش في المقاهي قضايا ثقافية فلا أحد يستجيب لذلك إذ لا يلعب معك لعبة الفكر والثقافة وإنما إذا أراد أن يلعب ففي إطار ساحة كرة القدم”. روح المنافسة وعن حالة الاستمتاع التي ربما يشعر بها المبدعون عند مشاهدة مباراة كرة القدم قال العامري: إنني لا “أستمتع كثيراً مثلما كنت اندمج مع هذه اللعبة قبل عشرين عاماً لأنها كانت تقدم لي روح المنافسة التي ليس وراء أصابع تحركها”. وأضاف: أعتقد أن إحساسي يقودني للقول إنها لم تعد تلك اللعبة البريئة ربما بعد 10 سنوات سوف يأتي جيل قد لا يكون متحمساً لهذه اللعبة وأعتقد أن هناك ألعاباً أخرى ستبتكر وهي ألعاب ذهنية ولذا سيأتي دور الإعلام لتعزيز فكرة براءة كرة القدم، والتي يكرس لها الإعلام الآن غير أن المستقبل يدعو هذا الإعلام لتنشيط فاعليته تأثيراً بجيل شبابي مقبل”. وأشار كرامة إلى أن فرق الدول الأفريقية هي الباحث الحقيقي الآن عن وجودها البريء، ولهذا فإن الأصابع الخفية تريد إزاحة هذا الكائن الغريب الداخل حديثاً. وأضاف: أعتقد أن التجارب قد أثبتت أن عالمنا العربي الآسيوي ليس له وجود أو مكان شاغر في هذه الاحتفالية فلا يزال في موقع لا يؤهله إلى الانتقال إلى عالم آخر بسبب الكثير من العوامل وأهمها طريقة ممارسة اللعبة وطبيعة الأندية التي ينتمي لها وقوانينها والنظام الغذائي ومكونات البنية الجسمانية. وقال صالح كرامة “أعتقد أن ما يصرف على كرة القدم في العالم يصل إلى 200 مليار دولار سنوياً كما أوردته إحدى القنوات التلفزيونية وأقول هنا إن هذا المبلغ لو صرف على تنمية البشرية في هذا الكوكب المليء بالأمراض لكان مردوده العملي أكثر نفعاً”. وحول الانهيار الكبير الذي يحصل الآن في سمعة وبراعة فرق الدول الكبرى على أيدي فرق طموحة كانت هامشية من قبل قال العامري: هنا نقول إنه لابد من أن يحصل تغير في الأجيال وإزاحة بعضها البعض ولم تعد الكرة محصورة بهذه الأمة دون غيرها”. و أضاف” أن الدول الأفريقية أوجدت فرقاً مهمة، هذا صحيح، ولكن قد نسأل كم من الأموال قد صرفت عليها مقابل ما صرف على شعوبها”. وحول مساهمة الإعلام في تغذية وجبة الرياضة الدسمة للمتلقي قال كرامة “أعتقد أن الإعلام حين يروج للكرة يروج أيضاً لما يمكن أن يدخله من هذه اللعبة بينما يعيش المشاهد همومه الحياتية القاسية”. فرصة فنية ثرية الفنانة التشكيلية الإماراتية خلود الجابري ترى أن المونديال فرصة لها كفنانة ورسامة لتذوق الجمال، لأن ما تقدمه هذه التظاهرة من عروض ومن ألبسة وأزياء متنوعة، ومن ثقافة وتراث وفلكلور يثري تجربتها الفنية ويغنيها، ففي افتتاح المونديال مثلا تقول خلود إنه أعجبها التنوع الثقافي، الذي برز في تلوين الوجوه، وكذلك في الصور والإعلانات، وهي تتذوق كل هذه الأشياء كفنانة، مع إنها لا تستهويها كرة القدم إطلاقاً، وترى أن الجميع، سواء كانوا فنانين أو رياضيين تجمعهم الموهبة، لأن الموهبة تجمع الجميع، فهي عند الكاتب، وعند الشاعر، وعند الفنان، وعند لاعب كرة القدم، ولكل شخص دوره في إظهار موهبته، وبين كل لاعب وآخر هناك فروق طبعاً على مستوى الحالة الإبداعية والنبوغ في مجاله، لأن يوجد شخص فوق المستوى العادي، وآخر دون ذلك وأعتقد أن هذا ينطبق على الرياضيين تماماً كما ينطبق على الفنانين والكتاب. فعلى مستوى الفن، تتابع خلود، تجد شخصا لوحاته تختلف بمستويات عالية عن فنانين آخرين، وكذلك الرياضين، وبالتالي المثقف والرياضي يشتركان في الموهبة، فالقلم عند الكاتب، والكرة عند اللاعب، والكاميرا عند المخرج كلها وسائل تحمل رسائل سامية لخدمة المجتمعات، لذلك أرى أن الرياضة مهمة ولها مردود يستوعب الكثير من الطاقات الشابة. لكني آمل كفنانين أن نستفيد على غرار الرياضيين من قانون الاحتراف ونتفرغ لخدمة أوطاننا ومجتمعاتنا. وترى خلود أن للإمارات رياضيين يشاركون في تمثيلها على المستوى الإعلامي في الداخل والخارج أحسن تمثيل ولا يقلون دورا عن المثقفين والفنانين، لذلك جهدهم متكامل. المعرفة والاختلاف الكاتبة اللبنانية غادة مخول صليبا قالت إنها متابعة منتظمة لمباريات كأس العالم، لأنه حدث رائع يعزز ملكات الكتابة لديها، لذلك تتابع الكتابة والعمل الإبداعي بشكل طبيعي أثناء المونديال، لأن الكتابة في الأصل جزء من حياتها لا يتجزأ، ولا ترى فرقاً كبيراً بين الكاتب كلاعب ثقافي والرياضي كلاعب لأن كل شخص يتقن ما يحبه في عمله وفي مجاله والأهم أن الجميع يسعى ليصل إلى قلوب الناس، وتحقيق هدف النجاح وإسعاد الآخرين وذلك هو ما ينشده كلاهما، لذلك لا ترى من المجدي المقارنة بين الاثنين، فالجمهور الرياضي ربما متنوع وأكثر لأنه يشمل جميع الناس من فقراء، وأغنياء، ومثقفين وغيرهم، أما الجمهور الثقافي فله ذائقة خاصة، مما يحد من جمهوره. وتعتبر أن المحبة لهذه الكرة تمثل السلام العالمي بين الشعوب وتقبل الآخر بالرغم من الاختلاف، وهذا شيء جميل يأتينا في وقت معين، بعيداً عن هموم الحياة ليجمعنا ويحفزنا بأن نبدع أكثر لأننا نشعر بسعادة الناس من خلاله، وتتمنى غادة صليبا أن يدوم هذا السلام الرياضي الذي يجمع العالم كله في بيت واحد. الرياضي مكان المثقف الناقد العراقي الدكتور معن الطائي يرى أن الحضور الإعلامي عند لاعب كرة القدم والتسليط الإعلامي عليه يدفعا ويعززا القاعدة الجماهيرية عند اللاعب دائماً، ويزيد من الفجوة الكبيرة بين الخطاب الثقافي والقاعدة الجماهيرية، مما يشعر الفرد العادي ببريق الرياضي الأكثر إغراء مقابل الثقافي، وهو شعور ينتج بالتراكم وله مبرراته المختلفة، التي جعلت الفرد عازف عن المنتج الثقافي، كما جعلته يغار ويتمنى لو كانت له نفس الحظوة الرياضية الإعلامية والزخم حتى يستطيع أن يغير الكثير من الرواسب. ويرى الدكتور معن أن لاعب كرة القدم بدأ يُوظف ليقوم ويحل محل المثقف، حيث اتجه الكثير من الرياضيين للعمل السياسي والاجتماعي والثقافي، فمثلا يقول معن الطائي إن الرياضي أندريه آجاسي الذي لم يحظ بفرصة التعليم يبني اليوم المدارس ويرعى الجامعات وفاعل مهم على مستوى الدعم الثقافي والتعليمي، وهناك أمثلة عديدة لرياضيين على مستوى كرة القدم يتجهون نفس الاتجاه ويشاركون المثقف، مما يفرض إعادة النظر لهذا المفهوم. العزلة ليست تعالياً الشاعر المصري وليد علاء الدين يرى أن الجمهور الرياضي ليس مطلوباً منه بذل أي جهد لأنه يكتفي بالمشاهدة، لكن الجمهور الثقافي مطلوب منه بذل جهد كبير، لذلك جمهور المنتج الثقافي نوعي ومطلوب منه الكثير من الوعي الثقافي والمعرفي، أما الجمهور الرياضي ففي كثير من الأحيان مستقبل سلبي، حيث لا يشارك بمجهود عقلي أو بدني، لذلك بإمكان أي شخص أن يجلس على ناصية مقهى ويتابع المباراة ويفرز طاقاته في سباب أو هتافات لإفراغ شحنة ما. أما الجمهور الثقافي فمطالب بإتاحة مساحات أخرى لأن منتجه منتج نخبة، وكلما تحول منتج ثقافي ما إلى منتج شعبي من الطبيعي أن يحظى بجمهور أكبر، لذلك تجديد آليات المنتج الثقافي أولوية حتى يتم تمريره من منتج راقي معقد نخبوي الى منتج شعبي جماهيري. ويستطرد علاء الدين قائلا إنه اذا كانت السينما في يوم الأيام تخاطب النخبة الثقافية والاجتماعية فقد تحولت مع مرور الزمن الى جزء من نسيج ثقافة الشعب والناس، وقد فتح هذا إلى مزيج من الطروحات للجمع بين المسرح والسينما والتقنيات المتطورة لخلق وسيلة أخرى جديدة لمخاطبة الناس، ونفس الشيء حينما ظهرت القصيدة العمودية كانت قصيدة نخبة إلى أن راجت فظهرت قصيدة التفعيلة وأنماط أخرى تمزج بين السرد والنص المفتوح لأن الناس يتطورون. لذلك أنا أرى أن لاعب كرة القدم مبدع وسوف يكون أكثر إبداعاً اذا كان عقله يعمل بمنهجية المبدع، سواءً كان روائياً أو شاعراً، إن امتلك عقلا مفكراً ومخيلة جيدة، بالإضافة إلى مهاراته كلاعب كرة قدم، وبالنسبة لي انا كمبدع لست من المدمنين عليها، لكن أشاهد المباريات إذا كانت لها بعد قومي أو اذا ماكانت مرتبطة بحدث عام أو مثير، وهي ككل الأحداث والحالات الإنسانية في الحياة تغذي العمل الإبداعي لدي. ويضيف: اعتقد أن عزلة المثقف ليست تعالياً لكنها نوع من وضع الأشياء في إطارها الطبيعي، فالذين يمجدون الكرة هم المخطئون، والمستفيد الأول من التظاهرات الكروية شبكات اقتصادية وسياسية بينما لا يحصد المتفرج إلا ارتفاعا في الضغط وتوترا للأعصاب. ويقول الشاعر وليد علاء الدين إن هناك إشكالا مرتبطا بسر رواج كرة القدم كرياضة على حساب رياضات أخرى لا تقل أهمية، فما الذي يجعل كرة القدم أهم من الكرة الطائرة مثلا أو التنس أو السباحة، واذا استطاع مشجعو كرة القدم الإجابة على هذا السؤال يقول علاء الدين سوف ينضمون مباشرة إلى فريق المثقفين. كريم معتوق: الثقافة والعمر الأطول الشاعر كريم معتوق، الحائز على لقب أمير الشعراء في موسمه الأول، بدأ حديثه بتحديد مفهوم المثقف، قائلا إنه اذا كان الجاحظ في تعريفه قال إنه هو الذي يستعين من كل شيء بطرف ويأخذ من كل جانب فن، فإنه هنا مطالب بمعرفة ما يحيط بها ومن ضمن ذلك فن الرياضة بكل أنواعها، ولعبة كرة القدم كفن تحمل الكثير من المظاهر الإبداعية وحالات النبوغ الفردي، وهذا ينطبق كثيراً على المثقفين، وأرى من هنا أن الرياضة هي باب حين يلجه المثقف يضيف إلى مخزونه الثقافي زاداً يعينه على الدراية والوعي بجوانب أخرى من الحياة. ونحن نميز هنا بين مثقف مبدع ومثقف نمطي فقط، فالرياضة تستقطب المبدع أكثر لأنها تجعل تواصلا روحياً مباشرا ومحفزاً للحالة الإبداعية له، وتماماً كما يوجد بين الشعراء مبدعون مميزون، ففي الحقل الرياضي أيضاً هناك مبدعون ومميزون، فاللاعب ميسي مثلا هو ظاهرة رياضية متفردة ومبدعة في حيزها وإطارها حيث فرض خصوصيته وفرادته بين أقرانه من ممارسي اللعبة. وعن اتساع الجمهور الرياضي في مقابل قلة الجمهور الثقافي قال الشاعر كريم معتوق: إن الرياضيين على مستوى الكرة الأرضية هم الأعلى جمهوراً لكنهم الأقل عمراً في التواصل مع هذه الجماهير، ويأتي بعدهم نجوم الغناء فهم أطول عمراً من الرياضيين، لكنهم أقل عمراً من المثقفين، لذلك المثقف يمتلك ربما جمهورا قليلا لكنه يمتلك عمراً أطول مع هذا الجمهور القليل. ويضيف: للشغف بالرياضة وانتشارها مسوغاته لأن الشعوب بحاجة للتنفيس، وهم في النهاية جميعا يمتعون هذه الجماهير، وكل واحد منهم يقدم المتعة وهي التي يهدف اليها الرياضي والمطرب، والشاعر، وهي متعة لا تتطلب من المبدع أن يلون خده ليسمع قصيدة، ولا ليرتدي زياً خاصاً ليقرأ رواية، لأن العمل الإبداعي هو فن يقدم بثوب آخر مختلف. أبو الريش: الرياضة مكملة للثقافة الروائي الإماراتي علي أبو الريش أعلن أنه بعيد عن الرياضة وقال: أعتقد أنني يمكن أن أقرر وأعلن صراحة أنني لا أتابع ما يجري على مستوى المونديال العالمي، ولكن بشكل عام أقول إن الرياضة هي جزء من الحركة الإنسانية وهي جزء هام من الثقافة”. وأضاف “إن الرياضة تتغذى من ثقافة الإنسان وتنمو على حراك الثقافة وهذا دليل على أن الثقافات المتقدمة تقدم رياضات متقدمة”. وأضاف” أقول إننا لا نبخس حق الثقافات الأفريقية التي قد يتصورها البعض متخلفة قياساً للآخرين، ولكننا يجب أن نفهم طبيعتها الثقافية لنجدها في النهاية ذات جذور وطموحات ترقى إلى مستوى الآخر المتحضر”. وقال أبو الريش “الرياضة لم تشغلني ولا أريد أن أقرر بأن الرياضة ضد الثقافة بل إن الرياضة مكملة للثقافة والإنسان كل إنسان لديه أجندة في حياته يعتني بها كي يطورها، وإنني لابد أن أؤكد تصالحي مع الرياضة وهي ليست عدوتي ما دام هناك آخر مولعاً بها”. وقال “أتمنى أن نطور أنفسنا في هذا المجال، بابتكار رصيد ثقافي وإبداعي محلي وعربي لتكوين خيمة ثقافية ورياضية واعية تتلاقح من أجل التساوي في ألوان الطيف الاجتماعي”. ويواصل أبو الريش: في هذا الإطار، أنا لست معنياً بشكل فاعل ـ لأنها ليست جزءاً من اهتماماتي ربما ـ بكرة القدم، بالرغم من جماليتها وولع الناس بها ويأتي عزوفي هذا عن متابعة كرة القدم لاهتمامي الآخر بابداعي الذي لا يشغلني عنه أي شيء آخر، هناك مبدعون في كرة القدم وهناك مبدعون في مجال ثقافي آخر، وهناك من يهتم بهذا وبذاك وهذا تنويع ثقافي مهم، وأعتقد بأننا مطالبون بأن نعيش الثقافة بمختلف صنوفها الرياضية والكتابية والشعرية وغيرها”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©