الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهرجان بلا جوائز.. ولا نجوم

مهرجان بلا جوائز.. ولا نجوم
9 ديسمبر 2009 21:38
احتضنت تونس على امتداد 12 يوما الدورة الرابعة عشر لأيّام قرطاج المسرحيّة تحت شعار: “مسرح بلا حدود”، بمشاركة العديد من الفرق المسرحيّة من الدول العربيّة وأفريقيا وأوروبا، وقد ناهز عدد البلدان المشاركة 30 بلدا من بينها 12 بلدا عربيا و3 بلدان أفريقية و5 بلدان ضيفة من بينها إيران وألمانيا، وقد تم الإعلان في البرنامج الرسمي للدورة عن مشاركة هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام بمسرحية: “أنا والعذاب وهواك”. لكن العرض غاب ويبدو أن الهيئة اعتذرت عن الحضور علما أن الهيئة نفسها شاركت في دورات سابقة للمهرجان وفازت بجوائز. الحدث.. إيراني شاركت إيران لأوّل مرة في مهرجان مسرحي بتونس، فقد اعتاد الجمهور التونسي على متابعة الأفلام الإيرانيّة في مهرجان أيّام قرطاج السينمائية التي تجري كل عامين بالتداول مع أيام قرطاج المسرحيّة، وهي أفلام نالت دائما إعجاب الجمهور والنقاد واستحسانهم حتى أن الكثيرين يستشهدون بها كمثال للأفلام الجيدة وغير المكلفة. وقد اكتشف الجمهور والنقاد المسرح الإيراني في هذه الدورة من خلال مسرحية “الأرض والفصول”، اقتباس وإخراج زهرة صبريي، وهو اقتباس من سبع قصص مأخوذة من نصوص للشّاعر الصّوفي جلال الدّين الرّوميّ (القرن الثّاني عشر). تظهر خلال العرض ثلاث نساء جميلات يحرّكن عرائس صغيرة صنعت من الصّوف والقماش. دام العرض 45 دقيقة، تم فيه استخدام لغة الألوان والحركة والإيماءة التي هي من أصول الدراما. كان الازدحام شديدا في قاعة “الفن الرابع” بوسط تونس العاصمة لمشاهدة ومتابعة المسرحية الإيرانية التي صنعت الحدث وأثارت فضول النقاد واهتمامهم وإعجاب الجمهور. يقول المسرحي كمال اليعلاوي: إن المسرح الإيراني المعاصر يمرّ منذ سنوات بفترة توثب بعد انتكاسة أثناء الحرب العراقيّة الإيرانيّة، وإنّ انبعاث المسرح الإيراني قد حدث بفضل المؤلّفين الّذين اجتهدوا من أجل تجديد “الذّخيرة الدراميّة”، فالبعض اختار التّعبير برمزيّة خالصة، وآخرون أدمجوا البعد الرّمزي بالواقعيّة. أما المسرحية الإيرانية الثانية التي تم عرضها في المهرجان فعنوانها: “رغم أنها حية فإنها تائهة” عن نص وإخراج لحميد ريزا ازرونق، وقد حصل تدافع وازدحام شديد وحتى صراخ وخصام مع المشرفين على الدخول لقاعة “الفن الرابع”، فالعدد الراغب في الدخول كان أكثر بكثير من طاقة استيعاب القاعة، وهذا الازدحام جاء بعدما بلغ الى مسامع الجميع من اصداء المستوى الفني الرفيع والمبهر للمسرحية الايرانية: “الارض والفصول”. ومسرحية: “رغم أنها حية فإنها تائهة” تعالج موضوعا اجتماعيا يدور حول عقوق الأبناء والإرث والخلافات العائلية، وتعتمد الفلاش باك اذ تعود الأحداث إلى الوقت الذي أراد فيه احد أبطال المسرحية واسمه “مرتضى”، وهو الابن الأكبر أخذ أمه إلى دار المسنين، فتظاهرت بالقبول ولكنها كانت تخفي حزنها. إن المسرح الإيراني من خلال النموذجين المعروضين في تونس يعتمد التقنيات والإبهار والسينوغرافيا التي يطغى عليها اللون الأبيض كرمز للطهارة والنقاء والصفاء الروحي، ويتم توظيف الألوان كوسيلة للاتصال والتأثير، ويرى المسرحي التونسي كمال العلاوي أن إبداع المخرجين المسرحيين الإيرانيين الموهوبين ساهم بفضل علم الدلالات في بلورة نماذج تعبيرية قادرة على ذكر أفكار ومعاني بدون المرور بلفظ الكلمات. ضعف تونسي اختار المشرفون على الدورة الرابعة عشر لأيّام قرطاج المسرحيّة شعار: “مسرح بلا حدود” وعللوا هذا الاختيار بقدرة المسرح على استيعاب التكنولوجيات وكل المستجدات التقنية تأكيدا على انفتاح المسرح على كل الفنون، وهو الفن الذي لا يعترف بالحدود والتأشيرات وجوازات السفر، إنما هو مشاع لدى الشعوب تعبّر من خلاله عن جمالياتها وأحلامها ومشاغلها ورؤاها للمستقبل.. و يرى محمّد إدريس أن المسرح ـ في هذه الدورة ـ هو الجبهة اليقظة، يتحدى الحدود بأنواعها ويتخطاها لتجسيم إرادة التواجد للتحاور وللتعاون والتآزر وبناء ثقافة السلم. ومثلما كان الأمر في الدّورة السّابقة، فقد تمسّك محمّد إدريس مدير الدورة هذه المرّة أيضا بحذف المسابقات والجوائز معلّلا موقفه بأنّ المهرجان ليس “سباق خيول”، ورغم الاعتراضات الشّديدة والحادة على هذا الاختيار لاعتقاد الكثيرين بأن المسابقة والجوائز تضفي رونقا على المهرجان وتشويقا ومنافسة، إلاّ أنّ محمد إدريس لم يتزحزح عن موقفه وصمد أمام منتقديه ومرر تصوره وقناعاته، والحقيقة أنّ هناك منذ سنوات “جبهة” رافضة لمواصلة محمّد إدريس الإشراف على مهرجان “أيّام قرطاج المسرحيّة”، وقد اغتنم المعارضون له في الدّورة السّابقة عرض مسرحيّة إيطاليّة ظهر فيها “الممثّلون شبه عراة ليطالبوا بإزاحته. وجاء عرض الافتتاح لهذه الدورة، وهو عرض فرجوي من إعداد وإخراج رضا دريرة عرضا هزيلا شاحبا لم ينل استحسان النقاد والجمهور، وهو عرض اراده صاحبه، حسب تقديمه له: “تجوالا وتطوافا حسّيا بين الظلال وانعكاسات النور، بين الأشكال” ولكن العرض لم يرتق الى مستوى الحدث وتم تحميل محمد ادريس مدير الدورة مسؤولية هذا الاختيارالسيء. وتم وصف الدورة 14 بأنها “دورة استثنائية” لتزامنها مع احتفال تونس بمئوية المسرح التونسي، وفي هذا السياق تمّ عرض 27 مسرحية تونسية عكست بتنوعها واختلاف مشاربها ثراء الفن الرابع في تونس، كما أكدت ظهور جيل مسرحي شاب يمتاز بالمعرفة وسعة الخيال والبحث. ومن أنجح المسرحيات التونسية في الدورة: “حقائب” وهي من تأليف وإخراج يوسف البحري، وهي رحلة مع الممثل وفي الممثل باعتباره حقيبة تجرّ وتحمل وتدفع، وتدعو المسرحية لفتح حقيبة الممثل: فإحساسه حقيبة، وصمته ووجعه وحركته وقيافته وموسيقاه وفضاؤه حقائب، والخشبة والمسرح هو مفتاح كل هذه الحقائب. حلم عراقي قدّمت الفرقة القوميّة العراقيّة مسرحيّة “تحت الصّفر” نصّ ثابت اللّيثي، سيناريو وإخراج وسينوغرافيا عماد محمّد، والمسرحيّة تصوّر حياة رجل عجوز عاش تاريخا مريرا من الحروب والانكسارات لينتهي به الأمر في مكان مهجور أين يلتقي بشاب يأويه لليلة محاولا التّخفيف من عزلته ومعاناته، ومن خلال الحوار بينهما الذي يقطر سخرية مريرة يتم نقل واقعهما المؤلم. أثناء ذلك تقتحم المكان دوريّة تابعة للمحتلّ الاميركي منتهكة حقوق الرّجل العجوز والشّاب بشكل رمزيّ ثمّ تغادر المكان، والرسالة التي تضمنتها المسرحية تتمثل في إصرار الشّخصيتين على الحياة من خلال حلمهما بزوال الاحتلال وعودة الحياة إلى سالف بهجتها، وفي المسرحيّة دعوة إلى الحريّة... إذ يمضي العجوز والشّاب في حلم جميل يتمثّل بجولة في مدينة بغداد. ومن سوريا تمّ عرض مسرحيّة “تيامو” نصّ وإخراج رغداء الشّعراني، والسّؤال الّذي وضعته كاتبة النّصّ للتّعريف بمسرحيّتها هو: “هل يستطيع البشريّ تغيير الأقدار بأمنية، أمنية لتغيير واقعه المؤلم؟”، والبشريّ في هذه المسرحيّة هو “هاملت” لشكسبير. تتغيّر مجرى الأحداث من حوله ويصادف حبّ حياته المستحيل وهذا المستحيل يصبح ممكنا وأهدافه تتغيّر، ورغباته أيضا. وتقول رغداء الشّعراني صاحبة النّص والإخراج إنّ “تيامو” احترمت كلمات شكسبير الأصليّة وقرّبتها من عالمنا الحديث لتحرير الشّخصيّات من مصيرها التراجيدي المؤلم. قبلة مغربية أما مسرحيّة: “قصّة حبّ في 12 أغنية و3 وجبات وقبلة واحدة” فهي من المغرب وهي من إعداد وإخراج فوزي بن سعيد وهي تحكي الحبّ في المغرب وتبرز من وجهة نظر المخرج ملامح العالم المعولم الّذي نعيشه فيه، والعرض كان فرجويّا على إيقاع الأغاني في شكل حديث امتزجت فيه السّينوغرافيا بالإبهار والشّاعريّة عبر محامل تروي عبر الجسد والصّوت والنّص المختصر آلام اليوم المتمثّلة خاصّة في قانون الأقوى وضياع الشّباب وانهيار القيم وصعوبة التّواصل. كما قدمت ليبيا مسرحية “القلب” من إعداد وإخراج فرج بوقارة وهي تجسد المقولة الإنسانيّة: “العالم يتقلّب ولا يتغيّر” وذلك من خلال تجسيد الشر والتّسلّط الذّي يسكن الانسان من الأزل حتّى الآن، وقد اعتمد المخرج في رؤيته على وجهين لعرض واحد، الوجه الأوّل تدور أحداثه حول الإنسان القديم، أمّا الوجه الثّاني فتدور أحداثه في القرن الحالي: القرن 21. ومن فلسطين قدم مسرح الميدان “قصّة خريف” عن نصّ قوي وثري ومفعم بالمشاعر والمواقف والتأمل عن علاقة الأبناء بالأب المسن، والنص هو للإيطالي آلدو نيكولاي ترجمة سليم ضو (من حيفا) الذي يمثل دورا في المسرحية، تصميم وإخراج نزار الزّعيمي، والمسرحية تعالج من خلال الحوار موضوع “الشّيخوخة” اعتمادا على كوميديا الموقف والسّخرية وتصور قصّة مسنّين اثنين في أواخر سنوات السّبعين من عمرهما، أرملان، يلتقيان صدفة على مقعد ساحة الأحياء الشّعبيّة. ومن المسرحيات التي جلبت الاهتمام “الأطفال التّائهون”، من فرنسا، وقد طرحت رواية جيل كامل، وهي تعرّف بما هو “الهيب هوب” وكيف انتشر؟، ودون تقديم أجوبة مسقطة فإنّ مسرحيّة “الأطفال التّائهون” تسلّط الضّوء على ثقافة وممارسات أصبحت اليوم عالميّة، لتظهر للمتفرّج معنى “الرّاب” ورقصة “الهيب هوب”، والدجينيق”. والملاحظ أن محمد ادريس مدير الأيام المسرحية لقرطاج لم ير ضروة دعوة “النجوم”، ومثلما حذف المسابقة والجوائز فإنه أيضا ألغى مسألة دعوة النجوم وتشريكهم في الحفل المسرحي، وهو وإن كان حرا في رأيه فإن هناك من المسرحيين التونسيين من يحمّله مسؤولية ضعف إشعاع الدورة وهم يجزمون بأن حضور النجوم يعطي دائما بهرجا ونكهة للمهرجان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©