الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جمال الشاعر: أنحني للتي علمتني الرجولة

جمال الشاعر: أنحني للتي علمتني الرجولة
9 ديسمبر 2009 21:43
يحتل الشاعر والإعلامي جمال الشاعر رئيس قناة النيل الثقافية مكانة بارزة كشخصية إعلامية ومبدع، على مدار سنوات طويلة قدم أعمالا مهمة استحوذت على اهتمام وإقبال واحترام الكثيرين كما أن دور القناة الثقافية والتوازن الخلاق الذي تحققه وسط مختلف مستويات الطيف الإبداعي والفكري والثقافي جعله شخصية متميزة وأكد على اتساع رؤيته وقدرته على استيعاب ما يجري من تطور، ولأن الكثيرين اعتادوا على إجراء حوارات معه حول الشعر والإعلام ودور القناة. حاولنا في هذا الحوار معه الاختلاف حيث نتعرف على جانب خفي في حياته وهو الجانب الإنساني، النشأة، علاقاته مع الأم والزوجة والابنة ورؤيته للشعر والحب وهو الذي أنتج ثلاثة دواوين شعرية تفيض بالمشاعر الإنسانية وهي “أصفق أو لا أصفق” و”ضحكت فأشعلت الحرائق” و”المماليك يأكلون البيتزا”. وهنا الحوار: - بداية نود التعرف على نشأتك والمؤثرات التي أحاطت بها وكان لها أثر كبير على تكوينك الإبداعي والفكري والثقافي؟ - ولدت ونشأت في دكرنس وهي مدينة مصرية صغيرة فريدة من نوعها اسمها في حد ذاته حدوتة مدهشة، حيث قيل أنه كان زمان مكان لمعبد يهودي أو كنيس لخواجه اسمه كنس، وكان هناك دير كنس، وتم تحور الاسم إلى دكرنس، عندما بدأت أعي الأشياء وكبرت اكتشفت أنه كان لدي فرصة جبارة لحياة فيها تنوع ثقافي خلاق ومدهش، كل ألوان الطيف السياسي كانت حاضرة ومتفاعلة في دكرنس في طفولتي، حزب الوفد بقوته ونشاطه وبقاياه من فترة ما قبل الثورة، “الإخوان المسلمين” بحضورهم السياسي، الاتحاد الاشتراكي، التجمع واليسار والشيوعية، الشيوعية حاضرة في دكرنس بقوة وكان المجتمع يقبلها، هذه المدينة المحافظة التي هي أقرب للقرية تحمل كل هذا الثراء: الحس والحضور الديني عال جدا، مدينة ثقافتها قائمة علي الجوامع والموالد والقرآن والصلاة الجماعية. توليفة عجيبة ومدهشة، أيضا كان هناك تنوع من حيث الأديان مثلا كنت أعيش في شارع اسمه شارع الكنيسة، كله تجار وكلهم أصدقاء للعائلة، أنا منحدر من عائلة كلها تعمل بتجارة العطارة، وكان أفرادها يعرفون القراءة والكتابة، ففي ظل مجتمع كانت الأمية فيه عالية جدا، كانت عائلتي تعمل في مجال العطارة ومن ثم تعرف القراءة والكتابة فكما تعلم العطارون زمان كانوا هم أطباء الغلاّب، يروح للعطار فيعطيه الوصفة التي هي عبارة عن روشته، وكان العطارون يملكون الكتب خاصة التراثية المرتبطة بعلم الطب كتذكرة داوود والطب النبوي وكتب الوصفات، المهم شارع الكنيسة هذا كان يضم عائلات تجار ومنها عائلتي، كان كل أصدقاء العائلة من الأقباط، الخواجة جرجس والخواجة روبيرت، هؤلاء جيراننا الذين تربيت بينهم في صغري، ومن قبل كان هناك يهود، وأيضا يونان وأرمن وطليان، وكان هناك بورصة كبورصة القطن ولوكاندة وهذا معناه أنها دكرنس كانت تستقبل تجارا من القاهرة والمدن المصرية الأخرى، ودكرنس خرجت أعلاما مثل علي مبارك باشا. عشت هذا الزخم والثراء والتنوع ووعيت به عندما كبرت وانعكس عليّ فخلق داخلي حالة من التسامح وقبول الآخر والانفتاح على الثقافات الأجنبية والعالمية، ففكرة الخواجة لم تكن بعيدة عني لأنني تعاطيت معها في طفولتي، ومن ثم لم تكن لدي مشكلة معه أو مع أبناء الأديان الأخرى حيث كنا نأكل في طبق واحد، كل هذا يجعلك جزءاً من نسيج المجتمع ويخلق لديك حالة من حالات التصالح، تتصالح مع المجتمع، مع نفسك، مع الأديان والثقافات الأخرى، كذلك قبول الاختلاف السياسي حيث تربيت وسط كل ألوان الطيف السياسي حيث كان هناك الشيوعي في بلد لا تقوم من على السجادة وكان هذا الشيوعي صديقا لكل الناس، يبيع ويشتري ويصاهر، لا مشكلة. كل ذلك انعكس فعلا علي شخصيتي وأكيد كان له تأثير علي عملي بالإعلام، فأنا كإعلامي واع للتنوع الثقافي الخلاق في هذا المجتمع. ولادة شعرية - متى ولدت شاعراً أقصد بدايات كتابة الشعر؟ - في المرحلة الثانوية كنت أنظم معارضات لقصائد كبار الشعراء الشهيرة، لكن الميلاد الحقيقي كان يوم ضبطني والدي متلبسا بقصيدة من قصائدي مدسوسة في كتاب النصوص المقرر علينا في المدرسة، فاضطررت كاذبا أن أقول إنها قصيدة من قصائد الدراسة لكنها من خارج المنهج، وكانت المشكلة حين أصر أن أقرأ أمامه القصيدة، فقرأتها وأنا مرتعب خوف اكتشافه الحقيقية، لكن من حسن الحظ أنه لم يجعلني أستكمل القراءة، سمع الأبيات الأولى وأبدى استحسانا وقال إن صاحب القصيدة شاعر جيد ووطني جدا، وكانت القصيدة عن فلسطين، وسألني من هو الشاعر، وأيضا لم أستطع المجاهرة بالحقيقية وأقول إنني صاحب القصيدة، فادعيت أن اسمه جمال عبد الفتاح، المفارقة أن اسمي جمال محمد عبد الفتاح الشاعر، فقال ضاحكا: جمال برضه. كان رد فعل والدي أنه لم يستنكر أو يندهش، كان مثقفا بالفطرة وعلى وعي بهموم الأمة، هذا الرجل رحمه الله قال لي يوما إنه سيعاد احتلال منطقة الشرق الأوسط وسوف يأتي الاستعمار مرة أخرى، لأن المنطقة منطقة أطماع، وكنت أنظر إليه بإشفاق شديد وأقول إنه عائش في الماضي، لأن الاستعمار انتهى والدول تحررت، ولكن عندما وقع احتلال العراق اعترفت له ببعد النظر السياسي. الواقعة الثانية التي حدث فيها نوع من المجاهرة بالكتابة كان في الجامعة، حيث ضبط زملاء في الأسر الجامعية كشكولي السري، وأصروا أن أقرأ فقرأت فصفقوا مستحسنين وبدأوا يطالبونني بالمشاركة في الأمسيات الشعرية، فشاركت، ثم ارتكبت الخطيئة الكبرى بأني طبعت الديوان الأول علي نفقتي وأنا أدواتي الشعرية غير مكتملة، كان هناك مشروع شعري لكن فيه اضطرابات البداية، لكن بعد ذلك الأمور أخذت مجراها وأنجزت عدة دواوين منها “أصفق أو لا أصفق” و”ضحكت فأشعلت الحرائق” و”المماليك يأكلون البيتزا”. - ماذا المرأة في حياتك، الجدة، الأم، الزوجة؟ - كتبت عن أمي قصيدة “طفولة علي جناح الصبا” أقول فيها: أنحني للنساء الحوامل والمنجبات عيالا كثيرة رغم أنف الحكومة أنحني للأمومة أنحني للتي علمتني الرجولة أمي كيف أشرح حبي لها هي مسألة مستحيلة. ففعلا أمي كانت تمتلك حماسا شديدا في أن يتعلم أولادها، ومن المشاهد التي لا أنساها أنها كانت تجلس معي أثناء الثانوية العامة، وهي متعلمة مرحلة الابتدائي زمان، ولم تكن تفهم فيما أستذكره من دروس، إنما كانت متضامنة معي، كانت تسهر معي طول الليل من أجل تشجيعي علي السهر للمذاكرة، لأنها كانت حريصة علي الدفع بأبنائها أن يكونوا طموحين. جدتي كانت صاحبة سطوة وتأثير على العائلة، كانت ذاكرتها تستوعب كل المناسبات الدينية وغير الدينية، ومن ثم مثلت لي مصدر الاحتفالات، هي كانت كوزير ثقافة العائلة، كل المهرجانات والاحتفالات عندها، هي رئيس مجلس إدارة البهجة، كل مناسبة لها عندها طقوس، عندما حجت هي وجدي وعادا زينا البيت من الخارج بالرسوم، وأهديا الناس السبح وسجاجيد الصلاة وساعات وفساتين وبدلا، ولم ينسيا أحدا، نحن عائلة كبيرة، لكنها حرصت على هدية لكل فرد من أفرادها، ففعلا كانت جدتي تملك هذه السطوة على العائلة، سطوة المحبة. الزوجة، هناك زوجة تشجعك أو تجاملك وهكذا، زوجتي المتلقي الأول والناقد الأول لإنتاجي الإعلامي أو الإبداعي، ودائما تملك وجهة نظر، ولا تؤمن بالتحيز لكنها تملك تحيزا شديدا على المستويين الإنساني والعاطفي، وإيمانا شديدا بما تفعله، وهذا يمثل دعما نفسيا جبارا لي، وفي نفس الوقت تملك وعي التنبيه والاعتراض والاختلاف، ومن ثم يحدث جدل طوال الوقت لكنه جدل يساعدني على ترتيب أوراقي، يعني هي لها دورا مهما جدا في إعادة صياغة أشياء مهمة في حياتي علي المستويين الإعلامي والإبداعي. - والحبيبة؟ - الحبيبة هي ابنتي بسمة، لقد حاولت أن أكون أبا ديمقراطيا، جاءتني بسمة وهي صغيرة وقالت لي: عاوزه أغير اسمي؟ فسألتها عن السبب فقالت لي أنني اخترت لأخيها اسم أدهم وهو اسم جذاب جداً، وكل من يزورنا يمتدحون اسمه، ويسألونه عن معني اسمه فيقول: الحصان العربي الأصيل، ويداعبون بالكلام (أنت فارس)، (أدهم الشرقاوي) وهكذا كل الناس تتكلم مع أدهم وتنسى بسمة، فجاءتني وهي حزينة وكان عمرها سبع سنوات وقالت لي: أنا عاوزه أغير اسمي، فوافقتها، وظللنا نجرب: بسمة، فريدة، مهيتاب، واستقر الأمر على اسم فريدة، فقالت لي والدتها إن هذا نوع من الجنون هل ستغير الاسم فعلا، فقلت إنني سأغيره فعلا، سأذهب إلى السجل المدني وأغيره، المهم مرت الأيام، وعندما يزورنا الناس يقولون أولادكم فنقول: أدهم وفريدة، فيسألون أين بسمة، فنبدأ نحكي لهم أن بسمة طلبت تغيير اسمها من بسمة إلى فريدة، فكل الأنظار والاهتمام تتجه لبسمة، وتبدأ التساؤلات والحوارات معها متناسية أدهم، فجاءني أدهم بعد ذلك وقال لي: أنا عاوز أغير اسمي إلى فريد! وهذه قصة الديمقراطية، لقد حاولت أن أكون أبا ديمقراطيا مع ابنتي التي هي حبيبتي فعلا، ونجحت التجربة، واقتنعت فيما بعد أن اسم بسمة جميل، لكن لو أنني قهرتها ونهرتها في البداية وانتهى الأمر، كانت ستظل طوال عمرها تعيش بأحاسيس أنها شهيدة، إنما هكذا هي أحست بالرضا لأن هذا هو اختيارها. أما الحبيبة علي مستوى الشعر فهي الحالة التي يفتش عنها متلقي الشعر: من هذه التي أكتب عنها؟ وأنت تعلم أن الشاعر دائما عنده حالة من الخيال الجامح أكثر منها واقع ملموس، لا يكتب عن كيان محدد، هناك تفاصيل معينة في الحياة ومواقف يقوم بتضخيمها وإعادة الصياغة. المصريون والحب - هل ترى أن الحب ما زال مؤثرا بنفس الثقل الذي كان عليه في الماضي؟ - أتصور أن الحب احتياج أكثر منه واقعا معاشا، يعني إذا وجد الشاعر الحبيبة الخرافية التي يحلم بها، لن يكتب شعرا لأن القضية انتهت، هو يظل دائما في حالة (الحب في الأرض شيء من تخيلنا إن لم نجده عليها لاخترعناه) هذا كلام نزار قباني، فبالطبع هو حالة مستمرة، الحب هو وقود أي شعب للحياة، من غيره لا يستطيع الحياة والإنتاج. - وعلى المستوى العام هل ترى أن الحب لا يزال مؤثراً في حياة الناس؟ - لدى المصريين نعم، لكن بنسبة، هناك حالة من حالات التكافل والتضامن الاجتماعي تتجلى مثلاً في شهر رمضان، هناك خير في هذه الأمة مع كل التحولات في الشخصية المصرية التي اتجهت نحو الأنانية والمادية والبرجماتية، لكن هذا هو العصر، عصر تسليع المشاعر الإنسانية، ليس هناك شيء مجاني هذا الزمان، لكن المصريين لا يزال عندهم هذا الحب، بل إن هذه العاطفة يمثل حائط الصد الأخير لديهم، البعض يعتبرها نقيصة في الشخصية المصرية إنه شعب عاطفي، أنا أرى العكس أن هذه العاطفة هي جهاز المناعة الذي يجعلهم يواجهون خبطات الخصخصة وبيع البنوك والتوجه نحو الاقتصاد الحر والليبرالية الجديدة، والإصلاح حتى لو كان على حساب الفقراء والمهمشين، المصريون بفضل هذه العاطفة يتجاوزون كل ذلك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©