الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أوضاع العالم 2010» تجسدت في 50 فكرة

«أوضاع العالم 2010» تجسدت في 50 فكرة
30 يونيو 2010 21:59
كتاب تتصفح محتوياته منذ اللحظة التي تبصر فيها عينا القارئ غلافه، الذي ينقل عنواناً صادماً خط بالعريض “أوضاع العالم 2010” بقلم 50 كاتباً قدموا 50 فكرة رئيسية لفهم تلك الأوضاع. وبالطبع فإن هذه الأوضاع تتجسد وبشكل فاعل في مجموعة من الحقول المعرفية دون غيرها، وأقصد بالحقول المعرفية الاختصاصات التي تسهم بوضوح في تطور المجتمعات، ومن دونها لا يضع أي مجتمع قدمه في القطار الذاهب إلى المستقبل، ومن هذه الحقول “المسائل الاقتصادية والاجتماعية” و”العلاقات الدولية” و”بيئة المجتمعات والتنمية البشرية” و”التكنولوجيا الحديثة” و”الرهانات الاقليمية”. يشخص الكتاب من خلال هذه الحقول “أوضاع العالم في عام 2010” وأبرز التغيرات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية كما التكنولوجية والبيئية، بمساهمة من مؤسسة الفكر العربي في سلسلتها “حضارة واحدة”. ومن المؤكد أن الاقتصاد يتقدم في معالجته وتوصيفه وفهمه في هذا الكتاب ما دام العالم قد عاش أزمة النظام الاقتصادي والمالي، وهذا بالضرورة يجر الكتاب إلى قراءة أوجه التباين والاختلاف بين المجتمعات البشرية وأنظمتها الاقتصادية، ومناطق الجوع والهجرة في العالم وأين وصلت في صراعها مع ذاتها ونحن نعيش الألفية الثالثة. يتناول الكتاب ـ وهذا أمر لا فرار منه ـ طبيعة التوترات في الشرق الأوسط، أسبابها، علاقاتها، نتائجها، وتأثيرها على حالة التطور المجتمعي وقراءة بنية الرهانات الاقليمية. يبدو أن التغير السريع في العالم جعل المعرفة وقراءة الاحتمالات متخلفة ازاء ما يحصل من تطور، ففي غضون أشهر قليلة اجتاحت العالم أزمة الاقتصاد الكبرى وتمخض الانهيار المالي عن أزمة اقتصادية واجتماعية كشفت عن فردانية الإنسان وتمركزه حول ذاته، ولهذا السبب يأتي هذا الكتاب ليميط اللثام عما حصل فعلاً وكأنه يسرد “الرواية الفعلية للأحداث العالمية” ويحلل إيقاعها راصداً التغيرات الطارئة على الكرة الأرضية، مشفوعة بالإحصائيات والجداول الساندة. فكرة واحدة ومن هذه الحقول الخمسة للكتاب أرتئي أن أختار فكرة واحدة، أجدها تحمل الغرابة في الطرح والتناول، وبلا شك أن أغلب الموضوعات فيها من الجدة الشيء الكثير فمن مقالة عن “أوباما، من القوة القاسية إلى القوة الناعمة” و”الصين التي تعظم قوتها” و”روسيا ونفوذها” وقراءة “الحروب الدموية في القرن الواحد والعشرين” و”إخفاق خلايا التفكير الأميركية”، و”تنامي عصور القرصنة المالية” و”التحديات الجديدة لمواجهة الجوع” كذلك تطالعنا مقالات في الهجرة وأسبابها والإسلام السياسي و”التباينات الاجتماعية في المدن الأميركية”، كما نقرأ أيضاً “الانترنيت وايديولوجيا المجانية” و”استكشاف الفضاء وجنون عظمة التكنولوجيا”، أما الرهانات الاقليمية فنتصفح فيها “طبيعة العلاقات الروسية الأميركية ومدى تطورها” و”الفخ الأفغاني للغرب” و”العراق بعد سبع سنوات” و”صعود إيران في الشرق الأوسط”. ولابد أن نقر بحقيقة تبحثها إحدى مقالات الكتاب وهي أن الغرب قد عاد إلى الشرق فارضاً نفسه منذ تولي بوش السلطة الأميركية، وأن إعادة البناء لـ “مركز غربي” للنظام الدولي هي سياسية عسكرية أكثر مما هي اجتماعية ثقافية. ومن الغريب فعلاً أن أولى المقالات في هذا الكتاب تتطرق في موضوع “أوباما، من القوة القاسية إلى القوة الناعمة” للكاتب سيلفان سيبيل المراسل الصحفي لجريدة “اللوموند” في نيويورك. أكبر أمة قراءة سيبيل ظاهرة أوباما وكيفية تقدم هذه الظاهرة على غيرها من الظواهر الأخرى التي عالجها الكتاب، منطلقة من البعد الأميركي، كاشفة عن تأثير هذه الظاهرة في مجمل التحولات العالمية، ولهذا يرصد الكاتب غموض ووضوح أوباما وسياسته الخارجية والداخلية على السواء متتبعاً هذه الظاهرة منذ زمن الانتخاب إلى حين كتابة المقالة، ومتطرقاً إلى الفروقات الفكرية بين جو ماكاين وباراك أوباما كونهما كانا مرشحين متنافسين على منصب الرئيس الأميركي. وربما يتساءل المرءُ مع زحف الغرب إلى المركز هل يصدق القول إن أميركا هي المركز بحد ذاته كونها أكبر أمة في العالم تمثل صفة القيادة الطبيعية للعالم، وهذا ما كشفه أوباما في خطابه إبان الانتخابات. ولكن ما هي أولويات أوباما بعد نجاحه في الانتخابات، يرى الكاتب أن أول هذه الأولويات هي التخلي أولاً عن فكرة مفادها أن التهديدات الأمنية ترتبط جوهرياً بالحلول العسكرية لا السياسية، ثم إفساح المجال أمام ديبلوماسية ناشطة كما تضمنت الأولويات حل مسألة انتشار الأسلحة النووية ومحاربة الارهاب العالمي وإعادة بناء الشراكات الأميركية مع العالم من أجل إعادة ثقة (العالم) بأميركا. وبالطبع إن ما أراد أن يوكد عليه سيبيل في مقالته هذه الأولويات الأساسية الأخرى التي تجلت في حركية وفاعلية سياسة أوباما وهي الانسحاب الأميركي من العراق والسعي إلى تحقيق سلام إسرائيلي فلسطيني ووضع حد لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني لغايات عسكرية. الحروب الدموية ويطرح سيبيل الموقف الأميركي من إسرائيل في قراءة لطبيعة الضغوط التي - ربما - تسلكها أميركا إزاء إسرائيل في ظل الوضع التصادمي الأميركي الإيراني. وتكشف مقالة “تلك الحروب الدموية في القرن الواحد والعشرين” للصحافي دومينيك فيدال من جريدة لوموند ديبلوماتيك عن 14 نزاعاً مسلحاً كبيراً حدث في العالم في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان والهند وباكستان ولبنان والصومال واريتريا ويقول فيدال “من بين أربعة عشر نزاعاً نشب في العام 2007 اتصفت أربعة بخاصية التدويل وهي واشنطن ضد القاعدة والحكومة الأفغانية ضد حركة طالبان والسلطات العراقية ضد الثورات المسلحة المختلفة في البلاد والسلطة الصومالية ضد اتحاد المحاكم الإسلامية وتسجل ملاحظة مفادها أن هذه النزاعات ترتبط كلها بـ “الحرب على الارهاب” التي شنتها ادارة بوش في تلك الحقبة. ومن هذه الفكرة يستنتج فيدال أن آسيا وللسنة الثالثة على التوالي تتصدر في العام 2007 لائحة القارات من حيث عدد النزاعات الكبرى. ومن خلال رصد هذه الصراعات وجد فيدال أن هناك صراعات تظهر فجأة وأخرى تختفي فجأة أيضاً فمع اندلاع المعارك بين الحكومة ونمور التاميل في سري لانكا والقتال الضاري بين الحكومة الأفغانية وطالبان والحرب بين ثوار كارن والحكومة في بورما وحرب السلطة التركية على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. أودت هذه الحروب بحياة آلاف من البشر وهي 5800 في أفغانستان و5700 في العراق و2500 في سري لانكا و1400 في الصومال في العام 2007. وفي تحولنا لقراءة المسائل الاقتصادية والاجتماعية في العالم يمكننا التوقف عند مقالة “الاقتصاد العالمي: ركود أو كساد؟” لعالم الاقتصاد فرانسيسكو فيرغارا الذي يرى أن الاقتصاد العالمي يشهد “أعمق ركود له منذ الكساد الكبير” وهو استشهاد بما كتبه صندوق النقد الدولي في ابريل 2009. حيث تراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة تجاوزت 6% في الولايات المتحدة الأميركية و6.2% في منطقة اليورو و12.7% إلى 15.2% في اليابان. وتأثرت الدول الصغيرة والنامية مثل ايرلندا وأيسلندا ودول البلطيق أما الدول الكبرى مثل الصين والهند فإنها - بحسب فيرغارا تستطيع أن تنجو منها بمجرد تبطئة بسيطة، فتعرف نمواً يتراوح ما بين 5% و7% سنوياً في خلال هذه الحقبة ومعزز بالإحصاءات التي تكشف تطور وتراجع نسب الناتج المحلي والانتاج الصناعي والناتج الداخلي بين الدول الكبرى (المتقدمة) ومجموعة الدول البطيئة النمو. حالات الركود ويذهب فيرغارا إلى توصيف حالات الركود التي حصلت في الدول المتقدمة وهي 7 حالات ركود كمعدل منذ الحرب العالمية الثانية وهي “اليابان والسويد والنرويج” شهدت 3 حالات ركود، فيما مرَّت الولايات المتحدة وإيطاليا وسويسرا بإحدى عشرة حالة. وفي يناير 2008 وفي الولايات المتحدة الأميركية وبعد هذا التاريخ بثلاثة أو أربعة أشهر بدأ الركود الحالي، ولكن كيف لم يستطع علماء الاقتصاد كشف وسجيل ملامح هذه الأزمة؟ يرى فيغارا أن الأسباب كثيرة ومنها سبب نفسي وثانياً “عدم وجود تحديد رسمي أو تقني للركود، ويتساءل الباحث هل يتحول الركود إلي كساد؟ وما هو مستقبل النظام المالي العالمي؟ ومع ركود الأجور في سوق العمل الأميركي اتجه السوق إلى الاقتراض مما خلق مجتمعاً قائماً على الاقتراض، وعززت الحكومة مفهوم الاستدانة على حساب التوفير الذي يعيد التوازن لبنية العلاقة بين الأفراد في السوق والاقتصاد المحلي. وعندما أصبحت الاستدانة من أجل الاستهلاك وشراء التجهيزات على أشدها بدأ الضعف والتصدع يظهر على جسد الاقتصاد الأميركي ثم الأوروبي. وهذه الاستدانة ما هي إلا فخاخ أوقعت بالمستهلكين. وقد يتساءل المرء هل أن هذه الانهيارات هي إنذار حقيقي للعولمة ما دامت التصدعات قد انتشرت بشكل سريع بفعل تحرك المعلومة في غضون دقائق معدودة. أوضاع الانهيارات وفي مقالة “دول في حالة الإفلاس، نهاية المعجزة الليبرالية” لعالم الاقتصاد لويس جيل الأستاذ المتقاعد في جامعة كيبنك في مونتريال نقرأ أوضاع الانهيارات في ايسلندا وايرلندا وأوروبا الوسطى والشرقية، ولا يعكس الواقع على الأرض في هذه الدول إفلاس المصارف والدولة فحسب، بل أيضاً إفلاس البلد ككل - بحسب جيل - وتضم أوروبا الوسطى والشرقية الدول أوكرانيا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وبلغاريا والمجر التي عانت الإفلاس أو شبهه بسبب إفراطها في الاستدانة. وتطالعنا في حقل “مجتمعات وتنمية بشرية” مقالة “مختلف أوجه الأسهم السياسي للصحافية وندي كريستيانا من اللوموند ديبلوماتيك والتي تتناول الخشية من التطرف الإسلامي وملامح التصورات الغربية للإسلام السياسي منذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001 وظهور شبكات جهادية عابرة للحدود الوطنية. وقرأت وندي التعصب للإسلام النقي الذي يؤمن به الوهابيون على غرار السلفيين وهو الإسلام الرسولي وهذا لم يظهر إلا بسبب الوجود الأميركي في المنطقة الإسلامية منذ حرب الخليج الأولى “1991-1992” ثم ظهور التطرف وتهديداته بعد 11 سبتمبر. وترى وندي أن الثورة الإيرانية عام 1979 كانت المنبه الأساسي على ظهور التطرف الإسلامي ونبهت إلى الشعور بالإسلام السياسي الذي يجب أن تتحول الأنظمة العربية باتجاهه، في الوقت الذي بدأت فيه مفاهيم القومية العربية تتراجع ويقابله نزوع المرأة العربية إلى الحجاب والمرأة الإيرانية - فيما بعد - إلى نزع التشادور. الإسلام السياسي أما القضية الفلسطينية ومدى اقترابها من هذه المفاهيم وتقصد وندي الإسلام السياسي فقد اتضح بشكل كبير من خلال الجهاد الإسلامي الفلسطيني الذي أعلن إسلاميته وجهاده بشكل واضح وسافر وبخاصة جماعة الأخوان المسلمين وزعيمهم الشيخ أحمد ياسين وتأسيس “حماس”. وتنامت المعارضات الإسلامية في الهلال الخصيب والخليج العربي وامتدت إلى مصر وشمال أفريقيا، أما تنظيم القاعدة فقد أصبحت الحاضنة الكبرى لمفهوم الإسلام السياسي والتي دخلت في صدامات كبرى مع الأنظمة السياسية العربية من الجزائر والمغرب حتى اليمن والسعودية والعراق. وفي محاولة لقراءة نظرة الغرب إلى “حزب الله” والتنظيمات المشابهة له في الشرق الأوسط نجد أصول المنهج الغربي وكيفية معالجته لهذه الظواهر. أعتقد أن كتاب أوضاع العالم 2010 يكشف الكثير، والممتع والمهم مما يجري في العالم خلال هذا العام، وعليه أترك للقارئ أن يكمل ما أراد الكُتَّاب الخمسون بمختلف اختصاصاتهم أن يفسروا ما يجري في العالم من ظواهر. أشرف على الكتاب وجمع المواد برتران بادي الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية في معهد الدراسات IEP في باريس وله عدة مؤلفات أساسية حول العلاقات الدولية وهو مستشار التحرير لسلسلة “أوضاع العالم” منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً، وشاركه فيه دومينيك فيدال الصحفي والمؤرخ والمهتم بشؤون الشرق الأدنى. الكتاب: أوضاع العالم 2010 المؤلف: مجموعة من الباحثين تحت إشراف برتران بادي ودومينيك فيدال الناشر: مؤسسة الفكر العربي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©