السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محنة نديم الخليفة

محنة نديم الخليفة
30 يونيو 2010 22:01
كانت علاقة أبي نواس بالخليفة العباسي الأمين تتراوح بين الرضا المسرف والسخط الجارف، فكان لا يطيق صبرا على فراقه حينا، ولا يتحمل مسؤولية سمعته السيئة حينا آخر. يروي ابن هفان عن يوسف بن الداية في أخبار أبي نواس قوله: “كان محمد الأمين مستهترا بأبي نواس ـ أي مولعا به ـ لا يصبر عنه ساعة ينشط للشرب، وكان يطلبه بعض الأحيان فلا يكاد يوجد. فتابع الأمين الشراب عدة أيام، وأرسل من يستنبطه ـ أي يعثر عليه في مخابئه ـ ويبحث الحانات ويطلبه في مظانه فلم يقدر عليه. فغضب غضبا شديدا. وكان بعض ندمائه يحسد أبا نواس على موضعه من الأمين، فوجد مساغا للقول وموضعا للكلام، وقال: يا أمير المؤمنين هذا عيّار شوّاظ ـ أي عاطل عن العمل وشتام ـ ينادم السفلة والسوقة، وينتاب الحانات ـ أي يتردد عليها ـ ويرك الفواحش يرى ذلك غُنما. وفي منادمته تشنعة على أمير المؤمنين، فلما أكثر في ذلك قال له محمد الأمين: ألغ هذا الكلام عنك، فوالله ما ينبغي أن يكون نديم الخليفة إلا مثله في أدبه وظرفه، وعلمه، وكمال خصاله. وما غضبي عليه إلا تأسفا على ما يفوتني منه. فلم تزل الرسل تتطلبه وتبحث عنه حتى وجدوه في عدة من أصحابه في حانة خمار يهودي، فجيء به إلى الأمين، وقالوا: يا أمير المؤمنين: أخبرنا اليهودي أنه مقيم عنده في الحانة منذ شهر لا يفيق من السكر هو وأصحابه ساعة. فغضب الأمين وقال: لهممت أن أضرب عنقك، ثم حلف أنه شرب في حانة بعد هذه مع أحد من الناس ليقتلنه، وليضعن عليه الأبصار والعيون. ثم قال: اخرج الآن إذا شئت واشرب. فخرج من عنده على هذه الحال ولم ينادمه. وصح عزم أبي نواس على ترك منادمة الناس والشراب في الحانات، خوفا على نفسه وإشفاقا عليها. وجفاه الأمين وأطرحه مدة لم يسأل عنه حتى أصح يوما شرب فيه ثلاثة أرطال، وطابت نفسه وارتاحت فذكر أبا نواس وظرفه وطيب محادثته وأن عنده في كل شيء نادرة، فأمر بإحضاره، فلما دخل عليه شكا عظم ما ناله من غضبه وإبعاده، وسأله الصفح عنه واغتفار غفوته. فأمر فخلع عليه وأُقعد في مجلسه، ثم قال له الأمين: هيه..! في منزل يهودي منتن أذفر، متكئا على دنٍّ مزفّت شهرا، وأنا أطلبك كل مكان فلا أقدر عليك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، من تمام العفو ألا يذكر الذنب. قال: فأنشدني ما قلت في مقامك هناك فأنشده: وفتيانِ صدقٍ قد صرفتُ مطيّهم إلى بيت خمار نزلنا به ظهرا فلما حكى الزّنارُ أن ليس مسلما ظننا به خيرا، فصيرّه شرّا إلى آخر القصيدة.......
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©