الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإرهاب وتبدلاته

22 ابريل 2013 23:05
عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن أخطر ما في التفجيرين خلال ماراثون بوسطن أنهما يقترحان التعايش مع الإرهاب، حتى في الولايات المتحدة، وكأنه احتمال وارد في أي مكان وأي لحظة، لأنه صار جزءاً من سياق الحياة العادية. وفي الأيام الأخيرة اعترف المسؤولون الأمنيون بأن فكرة الأمان بنسبة 100 في المئة غير واقعية. صحيح أن وظيفتهم التفكير في مختلف السيناريوهات وعدم ترك المجال لأي مفاجأة، إلا أن ثغرة واحدة في المنظومة، مهما كانت ضئيلة، تكفي لتمكين الإرهابيين من النفاذ إلى مسرح عملياتهم، وقد يعثرون عليها بالمصادفة المحضة. هذا ما اعتقده منفذو عملية بوسطن، متجاهلين غابة الكاميرات المزروعة في مختلف الزوايا والأنحاء. وأصعب ما في المهمة أنها تتطلب عدم استبعاد أي شبهة، لكن من يمكنه الظن بشيشانين مصممين على القتل في أميركا؟ من شأن ذلك أن يفرض استشراف توقعات الإرهاب عابر للجنسيات ومتذرع بقضايا سياسية شتى، فإذا صحّ أن الشابين الشيشانيين، اللذين قتل أحدهما وجرح شقيقه لدى مطاردتهما، هما المنفذان وأن القتيل سبق أن استجوبته الشرطة بناء على إشارة من روسيا، فإن التساؤل المطروح يتعلق بما إذا كانا تصرفا وحدهما، أم أن هناك تنظيماً وراءهما. في الحالة الأولى تكون الدوافع انتقامية فحسب، وقد تكون مآسي شخصية وعائلية حصلت خلال الحرب الروسية على الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، ولكن ما الذي يبرر اختيار الحشد الماراثوني في مدينة أميركية، أهو الاعتقاد بأن الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون استثنت الشيشان من سياسة التحرر التي أقرتها لدول الاتحاد السوفييتي السابق وشعوبه، بل ارتضت أن تسيطر روسيا بالقوة على الشيشان، هل يمكن أن يكون هذا فعلاً دافع الأخوين تسارناييف، وإذا لم يكن كذلك فما عساه يكون؟ مجرد اجتهاد لخلية نائمة؟ كادت الكارثة أن تكون أكثر ضخامة وهولاً في بوسطن، نظراً إلى الحشود والفوضى المتوقعة، ولذا مضى الخبراء والمحللون بعيداً في استخلاص النتائج وتحديد المتطلبات للمستقبل، وفي رأيهم أن «الإرهاب التقليدي» لم يعد بخطورة نماذج وأجيال جديدة من الجرائم التي يمكن أن تصنف باعتبارها «إرهابية». فلا أحد توقع تلك المقتلة التي نفذها شاب في مدرسة نيوتاون (كونتيكت) وأنهى بها حياة سبعة وعشرين شخصاً، معظمهم أطفال، وبينهم والداه ومدرسون. وقبل ذلك، عام 1995، كان التفجير المروّع الذي دبّره تيموثي ماكفي في المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما، وقضى فيه 168 شخصاً. وأيضاً في 2011 شهدت النرويج، أحد البلدان الاسكندنافية الأكثر هدوءاً، مذبحة ارتكبها أندريس بيرينج بريفيك ضد معسكر شبابي في جزيرة أوتويا. وهناك أمثلة أخرى لإرهاب يراوح بين اختلالات عقلية ونفسية، وثارات عقائدية، وأهداف سياسية أو عنصرية، كيف يمكن توقع كل ذلك واستبيانه؟ من الواضح أن الأجهزة المختصة تركز معظم اهتمامها على ما يشكل اعتداءً على السيادة. بعد جريمة بوسطن، لوحظ اتجاهان، الأول ساد معظم الرأي العام الأميركي، وهو الامتناع عن إطلاق اتهامات محددة، وقد أسهم البيت الأبيض بدور حاسم في إشاعة الرزانة وضبط النفس، خلافاً لحالات أخرى في عهد الرئيس السابق وإدارته. أما الاتجاه الثاني فتماشى مع ما دأبت عليه الشبهات منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 واندفاعاتها أولاً إلى اتهام عرب ومسلمين. صحيح أن الشيشانيين المشتبه بهما مسلمان، إلا أن حقيقة دوافعهما لم تتضح بعد كي يتسنى التعرف إلى أهدافهما، وبالتالي تحديد موقعهما على الخريطة السياسية للإرهاب. ولاشك في أن اشتباكهما مع رجال الأمن قد فاقم تلبسها وتورطهما. كان من الطبيعي أن نشهد الخوف والهلع بعد تفجيري بوسطن، بدليل أن الأجهزة الأمنية انكبّت على مراجعة إجراءاتها، فمجرد التفكير فيما يمكن أن يحصل في التظاهرات الرياضية الحاشدة يتسبب بأكثر من صداع. ومع أن تنظيم «القاعدة» وفروعه لا تزال أبرز التهديدات، إلا أن الإرهاب أثبت أنه فكرة يمكن أن تتعوْلم وتنتشر، مستخدمة كل أشكال التطرف والمبررات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©