الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تفجيرات بوسطن... أخطاء التغطية الإعلامية

تفجيرات بوسطن... أخطاء التغطية الإعلامية
22 ابريل 2013 23:05
جوشوا فوست واشنطن منذ وقوع انفجار ماراثون بوسطن يوم الاثنين الماضي، والناس تبحث بشغف عن المعلومات حول المشتبه فيهم، وتطرح الأسئلة من قبيل من قام بالجرم؟ ولماذا؟ وهل يمكن تجميع خيوط الحادثة لمعرفة ما حدث على وجه الدقة؟ ولكن السباق المحموم الذي انخرطت فيه مختلف الوسائط الإعلامية لتحديد المسؤول قادها إلى الوقوع في سلسلة من الأخطاء الصحفية، وهذه الأخطاء يمكن تفاديها مستقبلاً بتوخي قدر أكبر من الحذر في التغطية. فعندما أعلن عن الحادث الأليم سارعت السلطة يوم الخميس الماضي إلى الكشف عن هوية شابين، هما تامرلان وجوهر تسارنيف باعتبارهما المشتبه فيهما الرئيسيين في التفجير، وفيما عدا المعلومات التي تحدثت في تلك الفترة المبكرة عن أنهما لاجئان أتيا من الشيشان المضطربة، ظلت الأمور غامضة إلى حد كبير، بل إن كل ما نعرفه هو أن محاولات التكهن بمن يكون الشابان والمساعي الإعلامية لتعقب مسيرتهما ومعرفة هويتهما كانت في الكثير منها غير موفقة، فماذا يعني ذلك؟ بالنظر إلى العدد الكبير للصور وأشرطة الفيديو التي ظهرت إلى العلن مباشرة بعد الحادث يعني أن مواقع الإنترنت والمنتديات الإلكترونية كانت سباقة في تداول الحدث والتعليق عليه، بل والسعي إلى رسم صورة عن المشتبه فيهما، وقد لجأ أحد المواقع الإلكترونية المعروفة بشعبيتها إلى استحداث قسم خاص في الموقع لرصد الصور والأشرطة والبحث عن خيوط تساعد على معرفة هوية الشابين وخلفيتهما الاجتماعية. والمشكلة أن العديد من تلك الجهود كانت بعيدة عن الصواب، مثل إشارتها إلى أحد الأشخاص الذي ظهر في شريط فيديو، وهو يهرول مبتعداً عن مكان الحادث بأنه مشتبه فيه فقط لأنه لم يكن منحنياً ولم يبدُ عليه الذهول الذي تملك بقية الناس. وهكذا وجه الموقع أصابع الاتهام لعدد من الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالحادث، معتمداً على تخمينات واهية. وأكثر من ذلك أن الأخطاء في التغطية لم تقتصر على بعض وسائل الإعلام الصغيرة والهامشية، بل امتدت أيضاً إلى الصحافة المعتمدة، مثل صحيفة «نيويورك بوست» التي أشارت خطأ إلى شاب يدرس في الثانوية ذي بشرة سمراء على أنه المشتبه فيه، وبعدما شاهد الشاب صوره على شاشات التلفزيون وفي الصحف المحلية سلم نفسه إلى الشرطة لإبراء ذمته. وفي يوم الخميس الذي سبق الملاحقة والاعتقال أذاعت كل من «سي. إن. إن» و«فوكس نيوز» ووكالة «أسوشييتد بريس» أخباراً غير صحيحة عن اعتقال شرطة بوسطن لأحد المشتبه فيهم، فما كان من وسائل الإعلام تلك سوى التراجع عن الخبر وسحبه بعد ساعات قليلة على إذاعته، وهو ما يدفعنا للحديث عن الدروس التي يمكن استفادتها من الأخطاء الإعلامية التي قد تكون لها في أحيان كثيرة تأثيرات سلبية على حياة الناس الذين يشار إليهم بأصابع الاتهام دون تحقق، فعلى رغم مزاعم التثبت من المعلومات والأخبار قبل نشرها تسقط وسائل الإعلام حتى العريقة منها أحياناً في الأخطاء بسبب التسابق على إذاعة الأخبار أولاً وكشفها للجمهور! وهكذا أثبتت المعلومات اللاحقة أن عدداً من المشتبه فيهم الذين أشارت إليهم وسائل الإعلام لا علاقة لهم بالحادث، كما تبين مما أفادت به الشرطة حول خلفية المشتبه فيهما أنهما ليسا لاجئين قدما حديثاً إلى الولايات المتحدة، بل لقد أمضيا سنوات طويلة في أميركا وعاشا فيها كبقية المواطنين. ولعل العزاء الوحيد في هذه التغطية المشوشة للمعلومات والحدث أن السلطات الرسمية ممثلة في شرطة بوسطن وبقية الجهات لم تسارع إلى مغالطة الجمهور، وهم لذلك يستحقون الإشادة والتنويه لما توخوه من حذر شديد في إبلاغ الرأي العام بالمعلومات، مفصحين فقط عما تم التأكد منه، ولذا يبقى الاعتماد على ما تقوله السلطات الرسمية أسلم من الانجرار وراء ما تبثه وسائل الإعلام. ولعل من الدروس الأخرى المستخلصة من التغطية الإعلامية أنه يتعين إفساح مجال أكبر للخبراء في مجال الإرهاب وغيرهم للإدلاء بآرائهم وتوفير سياق أوضح للحادث، مثل تعليقات الخبير في شؤون الإرهاب «جي. إم. بيرجر» الذي حلل تداعيات التفجير واحتمالاته ودقق فيما نقلته وسائل الإعلام، محاولاً استبعاد التكهنات البعيدة عن الواقع، أو ما ذهبت إليه «ساره كيندزيور» عالمة الأنثروبولوجيا والمتخصصة في شؤون جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق من التعبير عن شكوكها فيما نقلته وسائل الإعلام بشأن الشابين المشتبه فيهما، ولاسيما ربط بعض المحطات التلفزيونية بين الحرب الشيشانية الروسية وبين التفجير الإرهابي. ولذا يتعين على جميع الأطراف، وبالأخص وسائل الإعلام، التي يلجأ إليها الناس بحثاً عن المعلومات، التزام الحيطة والمسؤولية في تغطيتها للأحداث وعدم الانجرار وراء تكهنات هدفها الوصول إلى السبق الصحفي، حتى لو كان ذلك على حساب التغطية المهنية، ليبقى البديل الوحيد حتى حصول ذلك هو النظر إلى ما تقوله السلطات الأمنية، ولاسيما بعد الحرص الذي أظهرته في التفجير الأخير، وعدم إطلاقها التخمينات العشوائية دون وصول المعلومات وتحليلها، وحتى هذه اللحظة تظل صورة ما جرى يوم الاثنين الماضي غير مكتملة ما دام التحقيق مع المشتبه فيه المعتقل حالياً لم ينطلق بعد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوسط وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©