الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحفيز الاعتدال في العالم العربي

9 ديسمبر 2009 23:01
"أين هي الأصوات المعتدلة من العالم العربي؟"، يؤدي هذا التساؤل المحزن أحياناً إلى تذكر مفعم بالحنين للعصر الذهبي للإسلام. وقد استعاد أوباما مؤخراً تلك الحقبة من التنوير والاكتشافات والإبداع والتسامح الإسلامي في خطابه في يونيو بالقاهرة، الذي حاول فيه إعادة تعريف العلاقة بين المسلمين وأميركا. والواقع أنه لا ضرورة للعودة مع الزمن ألف عام لنجد نماذج ممن يدافعون عن التسامح والاعتدال الإسلاميين. ومن بين الأمثلة الكثيرة على ذلك مجال الأدب العربي. فالعالم العربي غني بالأدب، بما فيه حركة نشطة من الروايات الجديدة والكتب غير الروائية التي تبحث في كافة نواحي الحياة العربية، وتدعو لرؤية مجتمع متعدد الثقافات يحترم حقوق الإنسان. وترتكز هذه الأعمال على تقاليد العصر الذهبي والصحوة العربية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقبل ثمانية عقود دعا رفاعة الطهطاوي إلى التسامح تجاه غير المسلمين، وانخرط في حوار نشط مع مفكرين أوروبيين معاصرين له. وفي كتابه "إمام في باريس"، الذي نشر عام 1830 دعا إلى تبني نوع منفتح ومعتدل من الإسلام. ولم تقتصر أفكار كهذه على مصر، فقد حث المصلح السوري عبدالرحمن الكواكبي في بداية القرن العشرين على فصل المسجد عن الدولة لحماية قدسية الإسلام من الانتهازية والتلاعب السياسي. ويتعمق المؤلفون المسلمون العرب اليوم كذلك وبشجاعة في المواضيع الممنوعة، مثل حقوق النساء والأقليات وفساد بعض الحكومات والتطرف والقمع السياسي. ويدافع بعضهم عن قراءة أو نوع من الإسلام أكثر تسامحاً، وهو النوع الذي أصبح مهمشاً إلى درجة أعمق، في بعض الحالات. ولكن، لماذا لا تُعرَف بعض هذه الأصوات المعتدلة بصورة أفضل في الشرق الأوسط والغرب، على حد سواء؟ من حيث المبدأ، يتعين التنبيه إلى أنها ممنوعة في أجزاء من العالم العربي. وتُظهِر قضية المفكر المصري نصر حامد أبوزيد، كيف يتم تغييب التقدميين من قبل الأصوليين. فقد وَصَم المحافظون "أبو زيد" بالهرطقة لعرضه ما اعتبره هو تفسيراً أو تأويلاً حديثاً لبعض المعاني في القرآن الكريم، وقاموا بمقاضاته في إحدى محاكم القاهرة. وقد أصيب بعض العرب الذين يدعمون فصل الدين عن الدولة بالدهشة لأن المحكمة دعمت، في النهاية، تهمة الهرطقة. وفي عام 2006، انتقل أفراد الشرطة المصرية من مكتبة إلى مكتبة، يصادرون نسَخاً من كتاب عنوانه "المشايخ المصريون وصناعة التطرف الديني"، الذي يحث السلطات الدينية والحكومية على لعب دور أكثر إيجابية تجاه قضايا مثل البيئة والفساد وحقوق المرأة. وكانوا يتصرفون بدعم من مركز البحوث الإسلامية التابع للأزهر الذي يملك بموجب القانون المصري الحق في الرقابة على الكتب وغيرها من المنتجات الثقافية. إلا أن شعبية كتب مثل رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، التي وصلت طبعتها الثامنة، تشكّل شاهداً حياً على الطلب المتزايد على أعمال أدبية وثقافية تغرد خارج السرب. فالأسواني، مثله مثل روائي "نوبل" نجيب محفوظ، يُعرِّي، وبصراحة، بعض المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها مصر من خلال قصص تدور حول حياة أناس عاديين. وعلى رغم ذلك، وبوجود بعض الاستثناءات المثيرة للاهتمام، فإن أعمال هؤلاء الكتّاب وغيرهم العديد من الكُتاب العرب الجدد، إضافة إلى من سبقهم في القرن الماضي، نادراً ما تتوافر في مكتبات الشرق الأوسط اليوم. والمفارقة أن أي إنسان بنقرة على فأرة الكمبيوتر يستطيع الوصول إلى مكتبات بأكملها متوفرة على شبكة الإنترنت، بينما لا يستطيع القارئ العربي الحصول على الكتب الممنوعة، على رغم كونها بأقلام مسلمين من التيار الرئيس. إلا أن هؤلاء الكتّاب، المعاصرين وقبلهم كُتاب عصر النهضة، هم الذين يقدمون بدائل متسامحة ذات عقلية منفتحة راسخة في تقاليدهم. وهم الذين يقدّمون لإدارة أوباما احتمالات تشكيل روابط صادقة مع الشعوب العربية. وتهدف الإدارة إلى استبدال نشاطات استقطاب الرأي للقيم الأميركية بتركيز جديد على دعم الأصوات الداخلية العربية. وتمثّل هذه السياسات التي بدأت تأخذ شكلها وملامحها العامة في توجهات وزارة الخارجية الأميركية بقيادة نائبة وزيرة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة جوديث إي ماكهيل، افتراقاً واعداً عن توجه "الدبلوماسية بالملعقة" الفاشلة التي انتقدها الأدميرال مايك مولن بحق مؤخراً. وإذا تسنى لحكومة الولايات المتحدة أن تتعلم أي شيء من فشل محطة تلفزة "الحرة" التي تمولها أميركا، يجب أن يكون حقيقة أن البيروقراطيات الأجنبية يجب ألا تفبرك رسائل في الديمقراطية والتسامح لتبثها على العالم العربي. إذ يجب أن تأتي هذه المشاعر والتوجهات من الداخل. وينبغي أن تكون حقيقية وأصيلة وخالية من بصمات التدخل والتوجيه. وفي هذا السياق تستطيع إدارة أوباما البدء بإدانة ممارسات الرقابة والاضطهاد بحق الكُتّاب، وتشجيع الاستثمار في التعليم، ومحو الأمية، ودعم المكتبات، وتشجيع نفاذ أوسع إلى الإنترنت. كما يمكن للمجموعات غير الحكومية أن تدعم نشر وتوزيع كتابات المؤلفين العرب المسلمين من التيار الرئيس من خلال الجامعات ومؤسسات أخرى مثل مكتبة الإسكندرية، التي تخطط لإعادة نشر المخطوطات العربية الكلاسيكية. ولا يستطيع الغربيون طبعاً، ويجب ألا يحاولوا، كتابة الفكر العربي. إلا أن ما تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها عمله هو المساعدة على ضمان إعطاء منبر لأصوات العرب المسلمين المتنوعة، بحيث يماثل، على الأقل، ذلك الذي يحصل عليه الأصوليون. سنثيا شنايدر - أستاذة بجامعة جورجتاون وزميلة بمعهد بروكنجز ناديا عويدات - باحثة بمؤسسة «راند» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©