السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

امتحان في الديمقراطية

9 ديسمبر 2009 23:02
الخرطوم تعيش أجواء سياسية مشحونة بالتوتر الشديد، وتنبئ بأن الأزمة المستمرة بين شريكي الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) وبقية قوى المعارضة، التي تجمعت في آخر منابرها مؤتمر جوبا تتجه إلى التصعيد. هذا الاحتقان السياسي يحدث في أيام توصف بأنها أخطر الأيام في حياة السودان، الذي سيواجه متطلبات واستحقاقات التحول الديمقراطي، الذي بدأت خطواته الأولى بتسجيل الناخبين، وصولًا إلى صناديق الاقتراع في أبريل المقبل. الخرطوم كان يملأها التفاؤل، وهي ستتوجه إلى المسيرة السلمية التي دعت لها "الحركة الشعبية" وحلفاؤها في مؤتمر جوبا إلى مقر الجمعية التأسيسية (البرلمان) لرفع مذكرة أعدها ووقعها، رؤساء أحزاب الأمة - الحركة -الشعبية - المؤتمر الشعبي- الحزب الشيوعي وعدد معتبر من الأحزاب الصغيرة الناشطة، إلى رئيس وأعضاء الهيئة التشريعية. لكن الخرطوم أصبحت أشبه بساحة معركة مدججة بالعصي والسياط والقنابل المسيلة للدموع. فوجئ الناس وفي مقدمتهم منظمو المسيرة السلمية ليلة الأحد الماضي ببيان أصدرته وزارة الداخلية على عجل، تعلن أن المسيرة السلمية، التي دعت إليها المعارضة مخالفة للقانون وممنوعة، وحذرت الناس من التوجه إلى مقر الجمعية! وتوالت البيانات من شرطة الخرطوم تعلن فيها أنها لم تتلق طلباً من منظمي المسيرة، كما ينص القانون، وبيان من قيادة التحالف المعارض، تؤكد فيه أنها أخطرت الشرطة بزمان ومكان المسيرة وأهدافها وشعاراتها والالتزام بعدم الخروج على الشعارات والأهداف المحددة في مذكرتها، ثم تصريح من المسؤول السياسي لحزب "المؤتمر الوطني" يؤكد أن منظمي المسيرة (أخطروا) فعلاً الشرطة، ولكنهم لم يستكملوا الإجراءات القانونية... ومنظمو المسيرة استناداً الى نص الدستور الذي يبيح للأحزاب ممارسة حقها الشرعي في النشاط السياسي، ومن بينه تسيير المسيرات وعقد الندوات السياسية، وأنها (أي المعارضة) تلقت تأكيداً من الداخلية بالموافقة (وهو أصلا غير مطلوب دستورياً).. بل إن رئيس البرلمان في تصريح له نشر صباح الأحد أعلن ترحيبه واستعداده باستقبال واستلام مذكرة المعارضة في مقر البرلمان شريطة أن لا تخرج على القانون. لكن يبدو أنه بين ليل السبت وصباح الأحد غيرت الحكومة رأيها وأن التيار الذي يوصف بالمتشدد قد تغلب على الحكمة والفطنة السياسية، فأوقع حزبه وحكومته في حرج شديد، وقد ظهر ذلك جلياً في تضارب التصريحات المتتالية من بعض قياديي حزب "المؤتمر". ما جرى يوم الاثنين من عنف استقبلت به الشرطة المتظاهرين المسالمين وما جرى من ضرب بالسياط والعصي طالت حتى بعض النواب (الذين يتمتعون بالحصانة البرلمانية) ومن اعتقالات شملت الأمين العام لـ"الحركة الشعبية" ونائبه، بل شملت وزير الدولة بالداخلية ونائب وإلى الخرطوم وآخرين (29 معتقلاً وضعوا لساعات طوال في حراسة الشرطة) ومنع المراسلين الصحفيين والتلفزيونيين السودانيين والأجانب من أداء واجبهم المهني أصبحت أموراً معلومة وملأت فضائيات العالم. قرار قيادة تحالف قوى مؤتمر جوبا بتسيير موكب سلمي، ورفع مذكرة إلى الهيئة التشريعية كان في نهاية المطاف يمثل امتحاناً صعباً واختباراً أصعب لكلا الطرفين (المعارضة والحكومة)، فمن ناحية المعارضة وما بذلته من جهد للإعداد للمسيرة وإصرارها وتوجيهاتها الصارمة لأعضائها الالتزام، بأن تكون مسيرة سلمية، لا يرفع فيها أحد، ولا حجر في مواجهة الشرطة حتى لو تعدت عليه الشرطة بالضرب كان يهدف إلى اختبار وامتحان قدرتها في حشد وتعبئة جماهيرها وتعويدها على النضال السلمي بعد أن اختارت طريق السلام والتحول السلمي للديمقراطية، وأن تشهد العالم (الموجود كله تقريباً في الخرطوم هذه الأيام) إلى التزامها التام برفض العنف والتنافس السلمي الديمقراطي. هذا الأمر دون شك كان واضحاً لـ"المؤتمر الوطني" وحكومته. وكان العقل يقول إن استجابة "المؤتمر الوطني" لهذا التحدي الديمقراطي كان يجب أن يصبح إيجابياً، لأنه أشد حاجة لتأكيد التزامه بالحل السلمي والتنافس الديمقراطي، لكن يبدو أن "المؤتمر" يعيش أزماته الداخلية، التي تسبق عادة موسم الانتخابات. فهو لم يحسن التدبير والتفكير وغلب أسلوبه المعهود في مواجهة الخصوم ومقابلة موكب سلمي بعنف لا مبرر له. ربما سقطت الحكومة في الامتحان، ولن يفيدها، ولن يجدي أن تجمع أعضاء الهيئات الدبلوماسية الأجنبية بسرعة (لشرح وجهة نظرها واتهام المعارضة بإعاقة الانتخابات الخ). المعارضة اليوم انفتح باب لو أحسنت استغلاله، وواصلت مسيرتها السلمية ستكسب ليس فقط تأييد أنصارها، بل أيضا احترام وتقدير السودانيين، الذين كانوا شهوداً على سلوكها الحضاري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©