الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد بن عبدالوهاب والعودة بالدين إلى مساره الأول

محمد بن عبدالوهاب والعودة بالدين إلى مساره الأول
24 سبتمبر 2008 00:40
ظهر في أواخره القرن الثالث عشر مجدد كان أكبر الأثر في بعث عملية الإحياء الديني من الركود والسبات الذي اتسمت به حركة الفكر الإسلامي في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، هو الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي عاش في الجزيرة العربية· ويقول عبدالمتعال الصعيدي في كتابه ''المجددون في الإسلام من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع عشر ''إنه بلا منازع زعيم الفرقة الوهابية، لكون من الصعب الادعاء بأن ما أتي به يمثل حقاً مذهباً إسلامياً لها تمايزه مثل المذاهب التي بلورها المجددون من قبله· غير أن هذا لا ينقص بأي حال من الأحوال مما قام به الشيخ محمد بن عبدالوهاب من عمليات إيحاء جليلة في الإسلام· ويُعد النهج الوهابي الشائع في شبه الجزيرة العربية وتحديداً السعودية التي تتخذه مذهباً رسمياً لها، غير ذائع الصيت خارج تلك البيئة السعودية· وقد سمي هو وأتباعه أنفسهم بالمُوحدين· أما اسم الوهابية فقد أطلقه عليهم خصومهم، واستعمله الأوروبيون في أدبياتها عن تاريخ المنطقة فيما بعد، ومن ثم ثار شائع علي الألسنة''· يقول الشيخ ابن العثمين في كتابه ''الإمامان ابن تيمية وابن عبدالوهاب'': إن أهم ما شغل الشيخ عبدالوهاب مسألة التوحيد الذي هو عماد الدين، والذي تبلور في عبارة·· ''لا إله إلا الله''· وقد رأي أن هذا التوحيد قد ضاع أو دخله الكثير من الفساد والبدع مما يشبه الشرك، مشيراً إلى قيام البعض بالحج إلى الأولياء·· وتقديم النذور إليهم· ويعتقد أنهم قادرون على النفع والضرر مع الله تعالى، فقد أصبحوا في عصور الركود والتخلف وسيلة مهمة للتقرب إلى الله تعالى كما كان يفعل المشركون في الجاهلية من خلال عبادة الأصنام· يؤكد ابن العثمين، أنه أهالته تلك الأضرحة التي يشد إليها الناس رحالهم ويتمسحون بها للبركة· واعتبر أن بعض الناس أشركوا مع الله حتى النبات والجماد، إذ يعتقدون أن نخلة أو شجرة أو بوابة يمكن أن تشفي أو يتحقق من خلالها إيجاب الدعوة والسؤال لله عز وجل· ولذا كان السؤال الذي ألح عليه هو·· كيف يمكن أن يخلص التوحيد من كل هذه الشوائب التي تعلق به وتكاد تخفيه من صدور الناس··؟ ولذا بدأ في تحطيم تلك الأماكن لمنع الناس من التبرك بها، بل ذهب لحد إغلاق غار ثور الذي كان يتعبد به الرسول قبل البعثة المحمدية وفيه نزلت عليه أولى آيات القرآن، وطمس معالمه حتى لا يتبارك به العامة· كما أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب يعتقد يقين الاعتقاد أن الله وحده هو المشّرع للعقائد· وهو وحده الذي يحرم ويحلل، فليس كلام أحد في الدين إلا كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أما كلام المتكلمين في العقائد وكلام الفقهاء في التحليل والتحريم، فليس حجة علينا كما كان يقول· ولذا فقد أطلق مقولته: ''ان كل مستوف أدوات الاجتهاد له الحق في أن يجتهد، بل هو عليه وجب وفرض عّين''· وفي رأيه أن إقفال باب الاجتهاد كان نكبة على المسلمين، إذا أضاع شخصيتهم وقدرتهم على الفهم والحكم، وجعلهم جامدين مقلدين للسلف رغم اختلاف الظروف والقضايا بسبب تطور الزمن نفسه، وبات جُل اهتمام الشيخ والناس من حوله هو الجري وراء جملة في كتاب ما أو فتوى من مقلد مثلهم· ويذكر الصعيدي أن هذا هو أساس دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي اقتفي فيها بتعاليم ابن تيمية، غير أنه تميز عنه الأخير في كونه أدرك ما لم يدركه ابن تيمية، وهو نجاح الدعوة وانتشارها داخل بيئته البدوية، وأقام فيها إمارة عربية، أما ابن تيمية فقد قام بدعوته في أهل الحضر وفي دولة المماليك التي لم تكن في الحقيقة دولة عربية· وعلى هذا الأساس بنيت الجزئيات المتضمنة بدعوته· فهو حر التفكير الإسلامي في حدود الكتاب وصحيح السُنّة، لكي يحارب البدع ويتوجه بالعبادة والدعاء إلي الله وحده عزل وجل· ولذا رفع شعار وجوب العودة بالإسلام إلي مساره الأول وطهارته ونقائه، بإزالة ما علق به من بدع ومنكرات غيبت صحيح الدين وجوهره· ومن ثم كان يؤكد أن ضعف المسلمين اليوم ليس له سبب إلا العقيدة· فإن كانت العقيدة الإسلامية في صفاء عقيدة الأوائل· صلح الآخرين بها· وإن كانت عبارة ''لا إله إلا الله'' تعني السموّ بالنفس عن الأوثان وعبادة العظماء والمال والولاة، وعدم الخوف من الموت أو الانفاق في سبيل الله، عاد المسلمين إلى عزّتهم وعظمتهم السالفتين· ولم يّعن محمد بن عبدالوهاب بالنظر في مسألة موقف المسلمين من المدنية الحديثة التي بدأت تطول على المنطقة العربية منذ الحملة الفرنسية على مصر في أواخر القرن السابع عشر والاحتكاك العربي بالحضارة الغربية البازغة· كما فعل معاصره محمد علي باشا في مصر· وإنما اتجه إلى العقيدة والروح وحدهما، ورأي أنهما الأساس· وقد كان لابد من الاستعانة بالقوة الزمنية لمحاربة البدع والدفاع عن العودة لصحيح الدين أمام ما جبلت عليه تلك النفوس من عادات وتقاليد بعيدة عن الدين· ولذا كان التحالف مع محمد بن سعود أمير الدرعية الواقعة في إقليم نجد على نشر الدعوة باللسان والسيف معاً، وسرعان ما تمكن الأمير والداعية من فرض سلطانهما على مكة والمدنية ومعظم أنحاء شبه الجزيرة العربية· ويؤكد الصعيدي أن الدولة العثمانية أحست بخطر خروج الحجاز من يدها، وتحديداً الحرمين الشريفين اللذين يحملان لها مكاناً ومركزاً ذا هيبة ونفوذ بالعالم الإسلامي، قد يتداعى إن فقدت السيطرة على تلك الأماكن المقدسة· فأرسل السلطان محمود إلى والي مصر محمد علي أن يُسير جيوشه من مصر لمقاتلة الوهابيين ويقضي على التحالف السعودي ـ الوهابي ويستعيد السيطرة العثمانية ولولاً اسمياً علي الحجاز والأماكن المقدسة فيه·· بالتزامن مع هذا العمل العسكري كلّف الدعاة وعلماء المسلمين في الأقطار الإسلامية كافة التابعة للعثمانيين بشن الحملات من أجل النيل من تلك الدعوة الوهابية وتكفير القائمين عليها والتشنيع عليهم بوصفهم خارجين عن الدين ووصمهم بالزندقة·· وتحديداً بعد قيامهم بهدم القباب الأثرية والمقابر ورفضهم الزينة والحلي التي كانت على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم· وقد تمكن الوهابيون من إحراز النصر على جيش طوسون بن محمد علي باشا·· غير أن محمد علي سار بنفسه إليهم فأوقع الهزيمة بقواتهم وأتم النصر بعد ذلك ابنه إبراهيم، وعادت السيطرة علي الحجاز والأماكن المقدسة اسمياً للدولة العثمانية· ولذا كانت مناطق شرق الجزيرة العربية موطناً للدعوة الوهابية والمذهب الرسمي لآل سعود، وتحقق لها السيطرة الكاملة على شبه الجزيرة والحجاز في نهاية القرن التاسع عشر، بفضل مساعي عبدالعزيز آل سعود وفتوحاته داخل الجزيرة العربية· وقد تأثر بحركة الإحياء الوهابية العديد من المثقفين والدعاة في شتى أقطار البلاد الإسلامية· نشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©