الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب فقدوا المسالك.. فوردوا المهالك!

4 يوليو 2017 22:40
إذا أراد العرب النجاة، ولا أظنهم يريدون.. وإذا أرادوا البقاء وأظنهم ينتحرون انتحاراً جماعياً، فإن عليهم أن يعيدوا النظر فيما سموه الثوابت والمبادئ التي لا تتغير أبداً. فاللعبة الدولية الآن جديدة ويخسر خسراناً مبيناً من يلعبها بقواعد قديمة. لا يمكن أن يشارك العرب في اللعبة الدولية الجديدة بما يسمى جامعة الدول العربية، ولا أي كيان عربي تجاوزه الزمن.. ولا بالثبات على عدو واحد ولا قضية يُقال إنها قضية العرب الأولى. ولا بفزاعات قديمة متهالكة مثل فزاعة الخيانة والعمالة وبيع القضية ولا بمشاجب أو شماعات بالية مثل شماعة المؤامرة على الأمة العربية. أو شماعة أعداء الإسلام والمسلمين. أو حتى شمّاعة الدين وستاره الذي ترتكب خلفه كل الكبائر والموبقات والجرائم. الثبات العربي هو أساس النكبات والنكسات، حتى فكرة الوطن العربي الكبير والأمة العربية والعمل العربي المشترك والتضامن العربي، كلها صارت شعارات بلا مضامين ولا معنى. وكانت هذه الفكرة على مر الزمن مجرد أناشيد وطنية وهتافات حنجورية لا قيمة لها. اقتتناها كثيراً لكنها لم تسمن ولم تغن من جوع، الثبات العربي بينما العالم يتحرك ويركض ويجري هو الذي أوردنا المهالك وأفقدنا المسالك، وجعلنا نصاب بداء التسويف وترحيل المشاكل وتأجيل العلاج حتى صارت الحالة ميؤوساً من شفائها، بل إن الحالة العربية ماتت، ولا نريد أن نستخرج لها شهادة الوفاة. هناك دول عربية بالاسم لا بالفعل. ودول صارت عدواً لا شقيقاً. ودول عربية ولدت ميتة أساساً، ودول عربية خرجت من المعادلة تماماً ولا نريد أن نعترف بخروجها. وهناك حرب عالمية تدور رحاها الآن وميدانها العالم المسمى عربياً، لكنها حرب عالمية مختلفة بدأت ولكنها لن تنتهي، بل هناك من أبناء العرب من لا يريدون لها نهاية، لأن كل الكوارث في هذه الأمة صارت (بيزنس).. (بيزنس) السياسة والحروب والثورات وحقوق الإنسان والإعلام. وليس من مصلحة المستفيد من الهدم أن يبني. ولا مصلحة المستفيد من الحرائق أن تنطفئ، ولا مصلحة المستفيد من الفتن والخراب والإرهاب أن ينتهي كل ذلك. حتى الإرهاب صار (بيزنس) أو على رأي المصريين (سبوبة)، وكل المتربّحين والمتكسّبين ورجال أعمال الخراب والإرهاب يرفعون شعارات حق يراد بها باطل.. مثل (الله أكبر.. والإسلام هو الحل.. وحقوق الإنسان.. والثورة.. والمعارضة والديمقراطية وحرية التعبير). والعالم كله يدار عن طريق الاستخبارات ولا يديره السياسيون كما يبدو في ظاهر الأمر. وهذا اليقين يجعلني أفهم التحالفات بين الكيانات المتناقضة فكرياً والدول المتضادة سياسياً. يجعلني أفهم أن الخلافات أو التناقضات السياسية والفكرية هي الأمر المرئي والفوقي الذي يخفي تحته تحالفات استراتيجية من الناحية الاستخباراتية. يجعلني أرى اللا منطقي منطقياً، وأفهم معنى التحالف بين إيران وتركيا معاً.. وبينهما وبين إسرائيل.. وبين إسرائيل وإيران و«الإخوان» وحركة «حماس».. وبين أميركا وروسيا. وبين الاتحاد الأوروبي و«الإخوان».. يجعلني أفهم أن العالم محكوم بالتآمر وليس بالسياسة. محكوم بشياطين توسوس وينسب الفعل للبشر. محكوم بأصابع خلف الكواليس تحرك دمى على المسرح، ويخيل لنا من غبائنا أن الدمى تسعى، وتتحرك وتنطق وتفعل ولديها إرادة. والعرب ما زالوا يولولون بأن هناك مؤامرة كونية ضدهم وضد الإسلام، ولا يريدون أن يفهموا أن التآمر حق مشروع لكل دولة ولكل أمة، ولكل شعب، وأن كل دولة لديها جهاز تآمري مشروع اسمه جهاز الاستخبارات، وأن نجاح المؤامرة ضدنا ليس بسبب ذكاء المتآمر ولكنه بسبب غبائنا، وأن المرء لابد أن يتذأب وإلا أكلته الذئاب. والعرب يتحركون بشعار «أسد عليّ وفي الحروب نعامة»، فهم يتآمرون على أنفسهم وعلى بعضهم، ويستدعون المتآمر الأجنبي ليتآمر عليهم ويقدمون له التسهيلات والعون والمدد.. وإذا كانت هناك مؤامرة كونية على العرب والمسلمين فإن كثيراً من العرب جنود في جيش التآمر، حتى أن التدخل الأجنبي لم يعد سبة ولا عاراً كما كان.. والعرب يحاربون بعضهم بدعم من إيران أو تركيا أو روسيا أو أميركا.. ولا يجدون في ذلك حرجاً ولا رذيلة.. والتحالفات التحتية والسرية تجعلني أفهم لماذا لا يضرب داعش «السني» إسرائيل الصهيونية أو إيران الشيعية.. ولماذا جل قادة «القاعدة» و«حماس» ضيوف على إيران؟ ولماذا يحارب العرب الإرهاب في مكان ويدعمونه في مكان آخر؟ ولماذا لا تضرب «القاعدة» أو«داعش» أو«النصرة» أو«حزب الله» أو«حماس» القاعدة العسكرية الأميركية في قطر؟ ولماذا تركت إسرائيل غزة لـ«حماس» ولم تترك الضفة والقدس لـ«فتح»؟.. لماذا انسحبت إسرائيل من غزة بلا تفاوض ولا معاهدات سلام؟.. ولماذا لم تعد احتلالها بعد سلسلة الضربات والصواريخ (الفشنك) التي تطلق عليها؟ وإذا كانت إسرائيل ترى أن حركة «حماس» إرهابية فلماذا لم تتحالف مع «فتح» ضدها؟ كل هذه الأسئلة جوابها واحد، وهو أن التناقضات والخلافات الفكرية والمذهبية والسياسية كلام فارغ وكذب.. والحقيقة هي التحالفات التحتية والسرية واللامرئية.. وبالطبع هذا ينطلي على الشارع العربي المغيّب والغبي. فهو لا يصدق أبداً التحالفات السرية بين المتضادين في العلن. وينطلي عليه أن كل هؤلاء أعداء لإسرائيل ويهتفون: الموت لأميركا. لذلك يعطيهم الشرعية ويوقع لهم على بياض للتدخل في الدول العربية. وينطلي عليه أن إيران تريد الوصول إلى القدس عبر بغداد وصنعاء وبيروت والدوحة ودمشق. وليس هؤلاء المتآمرون أذكياء أو عباقرة، ولكننا أهدينا إليهم غباءنا الذي أفقدنا المسالك وأوردنا المهالك! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©