السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طلاق في شهر العسل

طلاق في شهر العسل
11 ديسمبر 2009 02:28
وضع ساقا فوق الأخرى وهو يعبث في شاربه الكث الطويل، وبيده الأخرى هاتفه المحمول من أحدث وأغلى الأنواع، يتحدث من طرف شفته، يستدير يمينا ويسارا بمقعده الدوار الوثير، أمامه القليل من الأوراق لكن يبدو أنها في غاية الأهمية، إذ تم وضعها في ملفات فاخرة، ورغم أن محدثه يبدو شخصية مهمة فإنه كان يحاول أن يكون في نفس المستوى أو أعلى بعض الشيء. فيه كثير من الغرور وبعض الكبر المصطنع، ملابسه أنيقة من الماركات العالمية التي أشاهد إعلاناتها في التلفاز، يدخن نوعا غريبا من التبغ لم أعتد رؤيته أو أره مع احد ممن اعرف أو لا أعرف ومن قبيل الفضول سألت عنه، قالوا انه «السيجار» حيث لا يدخنه إلا الأثرياء والكبراء وعلية القوم وسعر الواحد منه يكفي احتياجات أسرة فقيرة، ربما لعدة أيام، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أراه فيها، فقد كان لي معه لقاء سابق عندما تقدمت لهذه الوظيفة وكان ضمن لجنة الاختبار والفحص، بل كان صاحب الرأي الأول والأخير، ومن كانوا حوله مجرد مساعدين، آراؤهم استشارية لا تقدم ولا تؤخر وقد ينحصر دورهم في الاطلاع على الأوراق بينما يقوم هو بفحص المتقدمات للوظيفة، وشعرت بأن نظراته تخترق جسدي كله وهو يجري كشف هيئة كاملا كأنني أتقدم الى وظيفة دبلوماسية كبيرة أو عسكرية مهمة وفهمت حينها من كلماته وابتسامته التي كانت ذات مغزى انني نجحت في الاختبار ووقع الاختيار عليّ لأكون سكرتيرته، وهذه هي المرة الثانية التي أراه فيها، اذ تسلمت عملي اليوم ولأول مرة ادخل مكتبه الفسيح وأسير طويلا حتى اصل الى آخره حيث يجلس وراء مكتب كبير، وقفت حتى ينتهي من محادثته الهاتفية ثم قدمت له الأوراق التي يجب أن يطلع ويوقع عليها ويتخذ بشأنها القرارات، مد يده يلتقط الملف وهو يحاول أن يضفي على نفسه هالة من الأهمية وفي نفس الوقت يشعرني بالدونية والفارق الذي بيننا، في حين أن ذلك واضح وضوح الشمس ولا يحتاج الى دليل ولا برهان وأنا لا انكره بل اعترف به رضيت ام أبيت، ووقع على الأوراق وهو يمط شفتيه أحيانا واحيانا يعيد تفحص وتصفح الأوراق كأنه يتأكد من بعض محتوياتها وصدق وصحة سطورها. الهدية لا ترد عملية عرض الأوراق هذه تتكرر كل يوم عدة مرات لظروف العمل في هذه الشركة التي يملكها وهو وحده صاحب القرار في كل ما يخصها فقد فهمت أنه لا يثق بأحد حتى اقرب المقربين اليه، وانه أقامها بعد جهد جهيد من شبابه وأنه الان على مشارف الستين من عمره ولا يزال يحتفظ ببقايا الشباب لم يخف عليّ وأنا في الخامسة والعشرين من عمري نظرات هذا العجوز ذي الشعر الأبيض حيث أشعر بأنها تخترق جسدي كلما دخلت عليه أو استدرت عائدة حيث باب الخروج، لكنه لم يوجه الي كلمة خارجة، ولم يحاول أن يلمس حتى يدي، ولذلك تجاهلت نظراته واعتبرتها مثل عشرات النظرات التي توجه اليّ وانا في طريق ذهابي وعودتي الى عملي طالما هناك حدود واضحة في التعامل، لكن بعد عدة أسابيع وجدته يدس في يدي مبلغا كبيرا من المال بحجة أن طبيعة عملي تحتاج الى مظهر لائق جذاب، تلعثمت في الكلام ولم اعرف كيف أجيبه، هل اقبل أم ارفض؟ تساءلت كيف ارد له هذا المبلغ الكبير؟ فأجاب بابتسامة خفيفة إنه هدية والهدية لا ترد، وفي الحقيقة كانت هذه اول مرة في حياتي تلمس يداي مثل هذا المبلغ الكبير، كاد قلبي يقفز من ضلوعي وأن اطير فرحا ولم اصدق وكررت عد أوراق البنكنوت عدة مرات وكان أبى وأمي مثلي في حالة من الذهول، عشنا لحظات سعادة غامرة، ثم تقاضيت راتبا كبيرا ظهرت آثاره على الأسرة الفقيرة التي انتمي اليها، وعندما تعودنا ذلك وجدت أنني اكاد أكون صيدا سهلا مقابل هذا العطاء الذي كان اقرب الى الفخ من الكرم، فقد تخلى العجوز عن وقاره وظهرت أسنانه الصفراء وهو يراودني عن نفسي بالإيماء والتلميح ثم لا يتورع خجلا عن ان يفعل ذلك بالوضوح والتصريح مستغلا حاجتي للمال فهو يعرف ما نحن فيه من فقر مدقع فإن رفضت عدت بأسرتي الى الحرمان والعوز، لكنه يريد أعز ما أملك وكل ما املك إنه الشرف، وبلا اي تردد رفضت مطامعه، صددته بكل حزم فكل أموال الدنيا لن تعوضني عن كرامتي، ومع تكرار مطلبه وإلحاحه يتكرر رفضي القاطع، والعجيب أنني لاحظت أن الرجل لم يطلب ذلك لمجرد نزوة وقضاء بعض الوقت مع المتعة، وإنما وقع في غرامي، وكلما صددته وابتعدت عنه ازداد شوقه وتضاعفت معاناته الى أن انقلبت الأحوال واصبح هو الحلقة الأضعف، والكرة في ملعبي وانا صاحبة الأمر، ولم يخف مذلته في الحب حتى فوجئت بالتحول الكبير والقرار الخطير الذي لم أتوقعه ولم احسب له حسابا، الرجل الذي يكبر ابي بعدة سنوات يطلب يدي ويريدني زوجة له. تقييم الصفقة توقفت مع نفسي لأتمكن من تقييم الصفقة واستطيع أن اتخذ القرار الصحيح، فهو يكبرني بحوالي خمسة وثلاثين عاما، وهذا عيبه الوحيد بجانب انه يريد أن يكون زواجنا عرفيا سريا حتى لا تعرف زوجته وأبناؤه فتقوم الدنيا ولا تقعد، اما مميزاته فهي أكثر من أن تحصى ويكفي أن أتمرغ في خيره وان افسخ العقد الذي بيني وبين الفقر، وأن أخلع الشظف والعوز والمعاناة، ولابد أن اعرف قدري ووضعي فلست من الفتيات اللاتي يقبل عليهن الخطاب فكل مميزاتي جسد ممشوق وجمال متواضع وعدا ذلك فإن رصيدي صفر في كل شيء، ومن اين لي ان أجد شابا لديه عشر معشار ما عند هذا الرجل الذي يلعب بالملايين وربما لا يعرف الحجم الحقيقي لممتلكاته ولا عدد الأصفار امام الأرقام في حساباته؟ وفي النهاية وجدتني أمام اختيار واحد وهو الموافقة فالعقل لا يقول غير ذلك او أنني وجدت ورأيت أن هذا هو الأفضل وخشيت الخسارة، فلو أنني رفضت أكون قد ضيعت فرصة لم ولن تتكرر مرة اخرى، فالفرص مثل السحاب تمر مرة واحدة ولا تعود مطلقا، فقط تحفظت على مطلب بأن يكون الزواج عرفيا واشترطت توثيقه بعقد رسمي ضمانا لكافة حقوقي ومن حقه ان يخفي ذلك عن زوجته وابنائه فهذا شيء يخصه ويخصهم، ولم يكن لأبي وأمي رأي في ذلك وإن كانا يرحبان بهذا المنجم الذي سيفتح لهما من زواجي من هذا العجوز فلا أمل في عريس افضل منه ولا مثله. وفي حي راق لا يسكنه إلا الصفوة والكبار كانت شقة الزوجية التي تملكتها وسجلها باسمي وسيارة فاخرة خاصة بي ومبلغ في البنك كرصيد افتتاحي اعتبره مهرا ولأنفق منه اذا احتجت لأي شيء أما مؤخر الصداق فقد كان نصف مليون دولار كما اشترطت عليه، ودخلنا شهر العسل. كانت السعادة بادية عليه ولا انكر فرحتي وسروري بهذه الزيجة المتميزة خاصة بعدما تبددت مخاوفي حيث لعبت الأفكار برأسي بأنني مجرد جارية أو محظية، شعرت بأنه مخلص في حبه لي ويريدني زوجة معززة مكرمة وبينما نحن في منتصف شهر العسل، انكشف المستور وافتضح السر المكنون وطار خبر زواجنا الى ام أولاده، امرأة قوية الشخصية سليلة عائلة معروفة، لا يستطيع زوجي أن يواجهها فهي صاحبة أياد وأفضال عليه بل إن كثيرا من هذه الاموال من املاكها هي ومسجلة باسمها وهي التي صنعت هذه الشركة، وكانت وراءه في كل ما وصل اليه وانا لم اقف على حقيقة علاقتهما معا وان كنت استشعرت أنها أحيانا تمن عليه بذلك، وكثيرا ما تذكره أو تطلب منه ألا ينسى نفسه ولا ينكر الحقائق ولا يزيف الأحداث وان عدم ظهورها في الصورة معه انما من قبيل الرباط الذي يجمعهما ولا اذكر انه قبل او بعد ان تزوجني ذكرها بسوء، بل انه دائما يتحاشى الحديث عنها، ولم تكن بحاجة الى كثير من الوقت والعناء لتجبره على اتخاذ القرار الذي لا يرغب فيه فقد اجبرته على تطليقي قبل أن يكتمل شهر العسل ورفضت كل العروض والحلول التي قدمها لها ولم تعطه الفرصة ليشرح موقفه وليقدم حيثياته، فرضت رأيها وأصدرت الفرمان وتم لها ما أرادت وأصبحت احمل لقب مطلقة بعد أيام معدودة من الزواج إذا جاز لنا أن نسمي هذا زواجا وقد جردته زوجته الجبارة من كل سلطاته في الشركة وسحبت منه كل الاختصاصات والصلاحيات وجعلته صفرا حتى لا يمكنه تكرار هذه الخطيئة. أما انا فقد رأيت عجبا بعدما اصبح لدي هذه الشقة والسيارة ورصيد البنك الذي تورم بعدما أضفت اليه مؤخر الصداق الذي حصلت عليه بعد الطلاق، فقد انهال عشرات الرجال، من الشيب والشباب يرغبون في الارتباط بي وقد كانوا كلهم حولي قبل ذلك ولم يبد اي واحد منهم يوما شيئا مما يظهره الآن من حب وإعجاب وأنا متأكدة من زيف وكذب ما يدعون، واثقة انهم يحبون أموالى ولا يحبونني لشخصي ويريدون سلب كل ما بين يدي لأعود الى ما كنت عليه مع المزيد من الخسائر. لا أخفي أنني ابحث عن زوج لكنني لا أود تكرار أخطاء الماضي، لقد أصبحت أسيرة الخوف وحبيسة التفكير.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©