عبادات مهجورة

يظن بعض الناس أن عبادة الله تنحصر في الصلاة والصيام والزكاة والحج· فإذا أداها بشروطها وأركانها المشروعة فقد حقق معنى العبودية لله سبحانه الوارد في قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) لكن الصلاة لا تستغرق من وقت الإنسان أكثر من 50 دقيقة من أصل 24 ساعة فكيف يكون عابداً لله سائر اليوم؟! أما الصيام فمفروض شهراً واحداً من أصل 12 شهراً (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فكيف يكون عابداً لله سائر الشهور؟ وأما الزكاة فهي مفروضة في أموال أغنياء المسلمين بنسبة محددة ترد على فقرائهم، فكيف يكون الفقير عابداً لله بماله؟ أما الحج فقد فرض مرة واحدة في العمر على المكلف المستطيع (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) فكيف يكون عابداً لله من لم يستطع؟ الحقيقة أن مفهوم العبادة يشمل كافة مناحي الحياة، فالمسلم يعبد الله بسمعه وبصره، ويعبد الله بفكره ولسانه، وبماله وعمله، وبنومه ويقظته، ويعبد الله بقلبه وأنفاسه، فلا يخرج منه نفس إلا بذكر الله، ولا يختلج له صدر إلا بحب الله، ولا يعمل عملاً إلا يبتغي به وجه الله، فإذا خرج إلى المصنع وقصد وجه الله فهو في عبادة، وإذا أحسن تربية أولاده وقصد وجه الله فهو في عبادة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال مر بهم رجل فتعجبوا من خلقه فقالوا لو كان هذا في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن كان يسعى على أبويه شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على ولد صغار فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه ليغنيها فهو في سبيل الله)· ويكون المسلم في حالة عبادة إذا ابتسم في وجه أخيه وقصد وجه الله، وإذا علم التلاميذ وأخلص في التعليم وقصد وجه ربه، وإذا أتقن عمله وقصد وجه الله، وإذا نام وهو يذكر الله، وإذا نظر في المرآة وذكر الله· وإذا ركب سيارته وسبح الله فهو في عبادة حتى يصل إلى بغيته، وإذا وضع اللقمة في فم امرأته يريد وجه الله فهو في عبادة· قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد (وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه اللَّهِ إِلا أجِرت بِها، حتى ما تجعل فِى فِىّ امرأتِك)· وعن أبِى ذر أن ناسًا مِن أصحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ· قَالَ أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ · قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِى أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِى حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِى الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ)· ويدل على كل ما سبق قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)