الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريق أبوظبي-العين

طريق أبوظبي-العين
24 سبتمبر 2008 23:16
جال بي الفكر وأنا أقطع طريق أبوظبي-العين بكرة وعشية، فأتذكر كيف كان الطريق قبل ما يزيد على أربعين عاماً، فقد كانوا يقطعون هذا الطريق في أيام قد تبلغ أسبوعاً على ظهور الجمال والخيول وما شابه ذلك، تعلو بهم كثبان الرمال وتهبط، وتهزهم ظهور الإبل هزاً غير ممتع أو مريح في طقس مغبر حار ملتهب، في صحراء إذا اشتد الحر يتراءى لهم الآل (السراب) وهو لا ماء فيه ولا ندى، وأنّى لهم بجرعة ماء تبل منهم أوتار الحلوق وحنايا الضلوع؟ وكيف لهم بمقيل بارد أو شيء من ظل يأوون إليه؟ ومن ضعف زاده أو مؤنته للطريق فما عليه إلا الصبر والتلوي مع الاحتساب لرب الأرباب والتضرع له بفرج يفك كربته ويتجاوز به محنته، ناهيك عن خوف ووجل يلوح في الأفق ليس ببعيد، وإذا شرد شارد عن الركب فقد يضل فترة غير قصيرة قد يعرف فيها الهلاك، وإن عاش فلا يؤوب إلى ركبه وأهله إلا كعائد من براثن الموت إلى الحياة· ومن مشى ليلاً لا يضيء دربه إلا نجوم السماء، وتارة بعد أخرى يسمع من هنا أو هناك صوتاً من عواء لرفقة مرتحلة، أو لبيت من شعر حط أهلُه خلف تلٍ من التلال، وحدّث عن الرفقة وما يدور بينهم من لفظ وأحاديث وشكوى وضجر، تدل على مشقة السفر ومكابد الطريق، ولا يبدد ذلك إلا أصوات نادرة من الأهازيج والحداء· لقد غدا هذا شيئاً من الماضي ومن تاريخ الذين عبروا من هاهنا· الحمد لله تغيرت الأحوال، وغدونا نعيش أياماً لم نكن نتصورها حتى في المنام، بفضل من الله وبما حبانا الله به من شيوخ كرام· فإذا بنا اليوم في طريق ممتد كبساط ناعم مستقيم، تحفه الأشجار المورقة، وتبعث في أطرافه الأزاهير المونقة، وتتوسطه أعمدة الإنارة المتناسقة، وتتناثر هنا وهناك محطات الاستراحة الأخاذة الشيقة وهي تدعو العابرين إلها لمزيد من الراحة والمتعة، فيأكلون ويشربون فرادى ومجتمعين وكأنهم في أرقى مدن العالم حضارة وعمراناً· ويشدك في هذا الطريق الرحب مآذن مرتفعة، فإذا حان وقت الصلاة وجدت الجماعة قائمة والإمام الراتب يتقدمهم فيصلي بهم في بيوت الله، وهي على أعلى درجات النظافة والتجهيز، فيحس الإنسان أنه في آفاق عالية مع ربه تصعد أنفاسه وهي مليئة بالشكر والعرفان والتضرع والامتنان، فماء بارد وظل ظليل وراحة تامة، وأمن كامل شامل لا خوف معه ولا فزع، في مسافة غدت تقطع في ساعة من الزمن· الليل لم يعد يحسب له حساب، لأن الأرض مضاءة بمصابيح كسفت نجوم السماء فلم تعد تُرى، فالليل والنهار فيه سواء، وكأن هذا الطريق الذي كانت له رهبة قد طوي ولم يعد موجوداً، فالعاملون في أبوظبي يسكنون في العين وأصحاب المشاغل في العين يتوجهون إلى أبوظبي عندما يريدون وهم يشربون كأساً من الشاي فيصلون قبل أن ينتهي كأسهم· وتطوف في الذكريات عن المؤسس الباني الذي طوى هذا النقص والتعب وحقق لنا الطمأنينة واليسر، وكان من أعماله وبعد نظره هذا الطريق وغيره، فبناه ليبني وحدة الوطن· إن اختصار المسافة على هذا الطريق من اسبوع الى ساعة مؤشر بسيط على حجم التطور الذي شهده وطننا الغالي، أليس حرياً بنا ونحن نسير في هذا الطريق وغيره أن نخصه بدعائنا؟ رحم الله قائد وصانع هذا الوطن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وجعل الخير في خليفته صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- وسمو ولي عهده وجميع أنجال زايد الخير الذين يطلون بنا على المستقبل المتألق، وقد رسَّخت لبناته لتدوم قروناً وقروناً إن شاء الله·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©