الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الارتهان للإرهاب

الارتهان للإرهاب
5 يوليو 2017 18:39
إنه لشيء مدهش حقاً: لم نعد نستطيع تعداد الكتب الصادرة عن قطر في المكتبة الفرنسية! فخلال الثلاث أو الأربع سنوات الماضية فقط صدرت الكتب التالية:
أولا كتاب: «قطر الصغيرة الخبيثة: هذا الصديق الذي يريد بنا شراً». وهو من تأليف البروفيسور نيكولا بو، الأستاذ في جامعة باريس الثامنة والصحفي المعروف في جرائد كبرى كاللوموند وليبراسيون.. إلخ. وقد ألفه بالتعاون مع الصحفي جاك ماري بورجيه كبير المراسلين في الإكسبريس وباري ماتش. وثانياً: كتاب الصحفي المعروف في جريدة الفيغارو جورج مالبرينو. وهو أحد مراسليها الكبار في منطقة الشرق الأوسط ومن أفضل الخبراء بالشؤون العربية. وقد حمل العنوان التالي: «قطر: أسرار الصندوق الفولاذي المليء بالأموال».. وهكذا اختزل دولة قطر إلى مجرد بنك.. وقد ألفه بالتعاون مع زميله كريستيان شيزنو. ثم عاد إلى نفس الموضوع مجدداً وأصدر في العام الماضي كتاباً جديداً بعنوان: «أمراؤنا الأعزاء جداً». ولا ننسى كتاب الصحفي الشهير بيير بيان: «فرنسا تحت التأثير.. عندما تجعل قطر من بلادنا مرتعاً خصباً لها».. ومؤخراً نشرت الصحفية بيرنجير بونتي كتاباً بعنوان استفزازي: «الجمهورية الفرنسية لقطر». والحبل على الجرار.. بمعنى أن فرنسا أصبحت تابعة لقطر وليس العكس! فقطر تكاد تشتري كل فرنسا.. وحتما اشترت بعض ضعاف النفوس من أمثال رئيس فرنسا الأسبق الذي يعبد الفلوس عبادة: نيكولا ساركوزي. وهو الصديق الأول لقطر، وقد فتح لها أبواب فرنسا على مصراعيها بعد أن أشبعوه فلوساً على ما يبدو. هذا غيض من فيض الكتب الصادرة عن قطر.


قبل الدخول في التفاصيل ينبغي أن نقول ما يلي: هناك إجماع لدى المثقفين الفرنسيين على أن «أسلحة الدمار الشامل» التي تمتلكها قطر تتمثل في شيئين أساسيين: قناة الجزيرة والشيخ يوسف القرضاوي الزعيم العقائدي للإخوان المسلمين. فعن طريقهما فتك حكام قطر بمعظم الدول العربية والإسلامية فتكاً ذريعاً. عن طريقهما أشعلت الفتن والحروب الأهلية في كل مكان. ولكن هذين السلاحين صدءا الآن أو أفلسا وما عادا فعّالين كما في السابق. وهنا تكمن خيبة قطر العظمى. هنا يكمن المتغير الأكبر في المشهد العربي الحالي. وهو متغير يبشر بطيِّ صفحة قديمة، صفحة قطر، وفتح صفحة جديدة أمام المستقبل العربي.

وجه براق.. ومخادع
لندخل الآن في صلب الموضوع ولنتساءل: ما هي أطروحة الكتاب الأول لنيكولا بو؟
إنها تقول لنا ما يلي: لا ينبغي أن تخدعنا الواجهة الحداثية الغربية لقطر. فهي مجرد قناع ليس إلا. إنها واجهة جذابة تخفي وراءها الغول الأصولي لا أكثر ولا أقل. لا ريب في أنها واجهة براقة جداً. وقد خدعت الكثيرين من مثقفي الغرب وشخصياته السياسية من خلال المؤتمرات العالمية التي تنظمها الدوحة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان! وهي مؤتمرات لا تحصى ولا تعد. وتدعو إليها الضيوف الفرنسيين والأميركان والغربيين عموماً بالمئات. هذا بالإضافة إلى المثقفين العرب. ولكن الأيديولوجيا العميقة لهذه الإمارة تظل إخوانية متشددة. وهي تحاول نشر هذه الأيديولوجيا الإخوانجيَّة في كل أنحاء العالم من شمال مالي وحتى الضواحي الفرنسية. وبحياتها كلها لم تدعم قطر النسخة المستنيرة أو المتسامحة للإسلام، على حد تعبير المؤلف. والدليل على ذلك أن تمويلها لمساجد المسلمين في فرنسا ينحصر بالمساجد الإخوانجيَّة. وعددها لا يقل عن 250 في بلاد موليير وفولتير. أما عدد المساجد الإسلامية ككل فيتجاوز الألفين.

متى ستشبع قطر؟
أما جورج مالبرينو فيقول لنا ما معناه: إن قطر هي عبارة عن قزم صغير، ولكن بشهية الغول أو السعلاء! والواقع أنها بفضل احتياطاتها الغازية الضخمة تستطيع أن تشتري العالم: بدءاً من النوادي الرياضية في فرنسا، إلى الشركات الصناعية الأوروبية، إلى القصور الفرنسية والإنجليزية وسواها، وأخيراً كأس العالم لعام 2022 الذي اشترته بالفلوس أيضاً. ثم يطرح المؤلف هذا السؤال: ما سبب هذا الشره أو الجشع المرضي لدولة صغيرة لا يتجاوز حجمها حجم جزيرة كورسيكا في فرنسا ولا يتجاوز عدد سكانها مئتين وخمسين ألف نسمة؟ متى ستشبع قطر؟
بعد تحريات عديدة توصل المؤلف إلى كشف النقاب عن وجه قطر الحقيقي. لقد توصل إلى تفكيك الآلية العميقة التي تسير حكام قطر من آل ثاني الذين يبلغ عددهم الثلاثة آلاف شخص. كما كشف النقاب عن بعض الأسرار الديبلوماسية. ومن بينها أن قطر حاولت شراء فيتو روسي في الأمم المتحدة يوماً ما. كما حاولت لغم منظمة اليونيسكو في باريس عن طريق زرع خلايا مؤيدة لها فيها. وفي بداية الأزمة السورية استطاعت قطر، بقيادة وزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم، أن تهيمن على قرار الجامعة العربية التي تضم دولاً أكبر منها بما لا يقاس، كالسعودية والإمارات ومصر والمغرب والجزائر... ولكن كل هذا حصل في غفلة من الزمن، كما يقول المؤلف. وقد طرح جورج مالبرينو هذا السؤال في نهاية المطاف: لماذا تفعل قطر كل ذلك؟ لماذا جيشت قناة الجزيرة ويوسف القرضاوي إلى أقصى حدود التجييش إبان ما يدعى «بالربيع العربي»؟ ما هو المشروع الذي تدعمه حقيقة؟ والجواب واضح لا لبس فيه ولا غموض: انه مشروع الإخوان المسلمين. إنها تحلم بوضعهم على سدة السلطة في كل أنحاء العالم العربي: من مصر إلى تونس إلى سوريا إلى ليبيا.. إلخ.. ولكن فاتها أن تفسير الإخوان المسلمين المتعصب والخاطئ لرسالة الإسلام السمحة لا يمكن أن يشكل مشروعاً للمستقبل. لقد كان صالحاً للعصور الوسطى أو لعصور الانحطاط، ولكن ليس لعصر الحداثة الإسلامية والنهوض العربي. فالأجيال الجديدة تعلمت وتثقفت في شرائح كبيرة منها وما عادت بقادرة على قبول مثل هذه النسخة المتخلفة من دين الإسلام. هنا يكمن مقتل المشروع القطري برمته. لقد راهنت قطر على الجواد الخاسر. راهنت على الماضي لا على الحاضر ولا المستقبل. فالإسلام دين عالمي كبير يحتوي على تيارات فكرية ضخمة أنارت العالم يوماً ما. انه أكبر من الإخوان المسلمين بألف مرة. ولا يمكن اختزاله إلى هذا التيار المتزمت المدقع فكرياً والمؤدلج سياسياً والعديم النزعة الإنسانية والحضارية. لقد راهنت قطر على الجماعة الأم التي خرجت من رحمها كل حركات العنف والإرهاب من القاعدة إلى داعش إلى النصرة وقس على ذلك. وهي الجماعات التي شوهت سمعة الإسلام والمسلمين في شتى أنحاء العالم. وسوف تُحاسب على ذلك حساباً عسيراً في السنوات المقبلة. ذلك أن تشويه سمعة دين عالمي كبير وعظيم كالإسلام لا يمكن أن يمر دون عقاب. وينبغي أن يكون عقاباً صارماً بحجم التفجيرات التي ارتكبت أو الجرائم التي اقترفت على مدار العشرين أو الثلاثين سنة الماضية.

مأوى للإرهابيين
وأما في كتابه الثاني: «أمراؤنا الأعزاء جداً» فيقول لنا جورج مالبرينو بأن قطر لا تزال تؤوي على أرضها جمعيات «خيرية» وشخصيات مليارديرية تدعم الإرهاب والجماعات الإرهابية حتى الآن. وقد طالبت الولايات المتحدة بتسليمهم ولكن دون جدوى على ما يبدو. وقد استطاع المؤلف أن يقابل بعضهم شخصياً في الدوحة. وأما بخصوص علاقة قطر بالجمعيات الإسلامية في فرنسا فيقول لنا المؤلف ما معناه: لقد حاولت قطر السيطرة على «اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية» المقرب من الإخوان المسلمين. وساعدها الصديق ساركوزي على ذلك.
أخيراً لا يتسع المجال للتحدث عن الكتب الأخرى. ولكن نلاحظ عموماً أن معظم المثقفين والسياسيين الفرنسيين أصبحوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى قطر بعد التفجيرات الإرهابية التي أدمت باريس ونيس ومانشستر مؤخراً. ولا يقصدون بذلك المسؤولية المباشرة، وإنما غير المباشرة عن طريق دعمها لتيارات التطرف. وهم يتهمون قناة الجزيرة بأنها غوغائية ديماغوجية مليئة بالصراخ والزعيق والنعيق. بل ويدعونها قناة بن لادن وصدام حسين وكل هذه الأشكال. إنها مشغولة بتهييج الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج على مدار الساعة. وهي بذلك تساهم في تخدير عقول الشبيبة العربية أو حتى تعطيلها. ونلاحظ أنها تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية و«الربيع العربي» في كل مكان ما عدا في قطر! ولذلك فقدت مصداقيتها مؤخراً وما عادت تقنع أحداً. لقد انتهت أسطورة الجزيرة ويوسف القرضاوي الذي يوزع الفتاوى يميناً وشمالاً كيفما اتفق طبقاً للأوامر السلطانية. وابتدأ عهداً جديداً في العالم العربي هو: عهد الرصانة الفكرية والإسلام المستنير. فعن طريقهما سيعود، مرة أخرى، العصر الذهبي للعرب.

فرنسا  تابعة لقطر!
فرنسا تابعة لقطر وليس العكس! فقطر تكاد تشتري كل فرنسا.. وحتماً اشترت بعض ضعاف النفوس من أمثال رئيس فرنسا الأسبق الذي يعبد الفلوس عبادة: نيكولا ساركوزي. وهو الصديق الأول لقطر، وقد فتح لها أبواب فرنسا على مصراعيها بعد أن أشبعوه فلوساً على ما يبدو.

الخيبة العظمى
هناك إجماع لدى المثقفين الفرنسيين على أن «أسلحة الدمار الشامل» التي تمتلكها قطر تتمثل في شيئين أساسيين: قناة الجزيرة والشيخ يوسف القرضاوي الزعيم العقائدي للإخوان المسلمين، فعن طريقهما فتك حكام قطر بمعظم الدول العربية والإسلامية فتكاً ذريعاً، وأشعلوا الفتن والحروب الأهلية في كل مكان. ولكن هذين السلاحين أفلسا وما عادا فعّالين كما في السابق. وهنا تكمن خيبة قطر العظمى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©