الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوم في تاريخ السودان

12 ديسمبر 2009 01:18
سيظل يوم الاثنين السابع من شهر ديسمبر 2009 يوماً فارقاً في تاريخ التطور السياسي في السودان. لقد شهد ذلك اليوم أوسع مواجهة بين الحزب الحاكم في السودان، "المؤتمر الوطني"، ومجموع القوى السياسية المعارضة له بما في ذلك "الحركة الشعبية" (التمرد الجنوبي السابق) التي كان قادتها في مقدمة المسيرة التي كان هدفها إعلان كل ذلك التجمع رفضه للسياسات التي يمارسها الحزب الحاكم، والتي يري هؤلاء أنها تتناقض مع الدستور ومع متطلبات اتفاقية السلام، وتزيد من الأزمات الوطنية، وتجعل قيام انتخابات عامة نزيهة ومستقلة أمراً من المستحيلات. وكما قال بعض المعلقين الأجانب فإن أحداث ذلك اليوم كانت امتحاناً للحزب الحاكم، وأنه بما مارس من إجراءات في مواجهة تلك المسيرة السلمية قد فشل في الامتحان. يقول الحزب الحاكم إنه واجه تحرك المعارضة بالقمع والاعتقال وما إلي ذلك، لأن هذه الجماعة لم تطلب إذناً بالتظاهر، ولهذا أصبح تحركها عملاً غير قانوني. ويرد الطرف الآخر بأنهم اكتفوا بإبلاغ السلطات بموعد الموكب ومكانه وأن ذلك يكفي اعتماداً على ما ورد من حقوق في إبداء الرأي حسب منطوق الدستور. لكن التقدير الموضوعي للقضية وأبعادها يجعل الحديث عن سماح الشرطة أو عدم سماحها أو عدم إخطارها... كل ذلك من الأمور الثانوية أو الشكلية التي ينبغي أن لا تكون سبباً في حرمان كتلة سياسية، تمثل أغلبية الناس في الشمال وفي الجنوب، من التعبير عن رأيها بطريقة سلمية. وفي حالة ما حدث يوم السابع من الشهر الجاري فإنه من الحكمة تفضيل ما هو أساسي وجوهري علي ما هو دون ذلك بعشرات المرات. إن القضايا التي تتبناها الجماعة المعارضة للحزب الحاكم كلها قضايا بالغة الأهمية لأنها تتعلق بمصير السودان في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخه. ونذكر من تلك القضايا علي سبيل المثال لا الحصر: ? إنهاء العمل بعدد من القوانين الحالية المناقضة للدستور، مثل قانون جهاز الأمن، وقانون النقابات، ومجموعة القوانين المقيدة للحريات. ? معالجة محنة دارفور بمشاركة كل القوى الوطنية. ? إزالة كل العقبات التي تحول دون إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، وكذلك ما يتعلق بإجراء استفتاء حر لتقرير مصير الجنوب وحدة أو انفصالاً. وهنا نجد أن حجة الحزب الحاكم في مواجهة هذه المطالب هو أن علي المعارضين أن يطرحوا الأمر داخل المجلس المركزي (البرلمان المعين)، لكن التجربة خلال كل الأعوام السابقة تؤكد بما لا يترك مجالاً للشك أن الحزب الحاكم يلجأ علي الدوام لأغلبيته الميكانيكية في هذا المجلس لمعارضة كل ما لا يناسبه، وتمرير كل ما هو غير ذلك. إن هذه التجارب هي التي أجبرت المعارضين علي سبيل آخر غير ذلك المجلس، وهو اللجوء للشارع والتعبير السلمي. تقول قيادات المعارضة بعد ما حدث صباح الاثنين، إنها ستواصل إخراج المسيرات السلمية لاسيما وقد اتضح أنها لم تقتصر علي العاصمة وحدها بل سيرت مظاهرات مماثلة في عدد من مدن السودان وبصورة خاصة في الجنوب. لكن بقراءة الواقع السياسي الحالي، فإن احتمال أن تضطر أحزاب المعارضة لمقاطعة الانتخابات المقبلة يبدو هو الأقرب. وفي هذا فإن وقوف الحركة الشعبية (الجنوب) على رأس القوى المعارضة يعني أن اتفاقية السلام الموقعة بينها وبين الحزب الحاكم تصبح معرضة للاضطراب، مما قد ينذر بكارثة أخرى تهدد مجمل الوضع في السودان جنوباً وشمالاً. ولما كانت هذه الاتفاقية تمت بمبادرة من القوى الإقليمية الإفريقية (الإيقاد) وبمشاركة ومباركة قوى عالمية علي رأسها الولايات المتحدة الأميركية، فإن احتمال التدخل الخارجي، بأية صورة كان، يصبح أمراً محتملاً إذا تعرضت الاتفاقية لخطر النكوص عنها أو الخروج عليها. وتظل حالة غياب الثقة بين الحزب الحاكم وبقية القوى السياسية، بما فيها الحركة الشعبية، حالة تزداد اتساعاً وعمقاً كل يوم بعد آخر. وقد ضاعف من اتساعها ما وقع صباح يوم الاثنين الماضي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©