حول الطاولة المتمددة باتجاه البوابة المشرعة على آخرها الشبيهة بموائد الولائم الفخمة، تحلق المدعوون ومعهم مرتادو المركز الثقافي وأمامهم ما لا يقل عن مائة كتاب مصفوفة بألوانها الزاهية، يقلبونها بأيديهم أو يطالعونها «وقوف بها صحبي على مطيهم» كما كانت تفعل. صديقتنا هذه التي دخلت من البوابة المشرعة تلبية لدعوة استلمتها باللغة الإنجليزية عبر الإنترنت، كانت تتصور صعوبة الإقدام على شراء أحد تلك القواميس المعروضة للبيع بأسعار زهيدة بسبب إمكانيتها اللغوية المتواضعة، على الرغم مما تبدو عليه أغلفتها من نظافة وأناقة حتى إنها تجعلك تشك في أنها معروضة في مزاد للكتب المستعملة، وظلت ترسل الآهات من حسرتها على النظام والهدوء الذي يلف المكان على العكس مما تعودت عليه في معارض الكتب التي تشبه الموالد.
كانت مسترخية في تفكيرها إلى أن لاحت لها سيدة فرنسية وسألتها بالإنجليزية إن كانت تريد المساعدة فنفت. ولأنها عاطفية بطبعها فقد جذبها ذوق هذه الأجنبية فأرادت أن تعبر عن مشاعرها تجاه الفرنسية والفرنسيين باللجوء إلى فرنسيتها التي تشبه ما يسمونه باللهجة المحلية «الغطوة» أي اللغز. تذكر صديقتنا أنها من جملة الأسباب التي دعتها للحضور إلى ذلك المكان ما تعرفه عن الفرنسية كلغة ثقافة وأن تعلمك لها يبدو كالرحلة الممتعة في عالم الثقافة والموضة والفن والعلوم، وهي.. لغة بروست وجورج صاند وشانيل وبودلير وجاك دريدا، وهي تأتي في المرتبة الثالثة بين اللغات الأكثر استخداما على الإنترنت، وهي لغة ملهمة ومنظمة للتفكير وثورية لو أردت أن تتعلمي الجدل، وهي لغة غير متحيزة تحبذ التنوع اللغوي والثقافي في العالم.
الغطوة هذه، يبدو أنها لم ترق للفرنسية فسارعت إلى توضيح وجهة نظرها أمام محدثتها المتوثبة إلى قول المزيد. فأوضحت لها في البداية أن هذا المزاد خيري وغير لغوي. وبشيء من الاعتذار عن تأييد آرائها أضافت بأنها على الرغم من اعتزازها بلغتها وجورج صاند وشانيل، إلا أن لغتها هذه متحيزة ضد المرأة وأنها في مسألة المذكر والمؤنث ماتزال تستخدم في غالبيتها قواعد اللغة بما يجعلها تطلق مفردة «رجل» على الإنسان أما المرأة فهي مفردة لا ترتبط إلا بتحديدها الجنسي كأنثى. ألقت صديقتنا نظرة على القاموس:
لماذا لا تكون المرأة إنسانة، من يغير قواعد اللغة الفرنسية؟
عدد اليوم
