الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الماس «الدموي»... انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان

12 ديسمبر 2009 23:23
في وقت يُقبل فيه الناس على المتاجر والمراكز التجارية من أجل التسوق واقتناء هدايا أعياد الميلاد، يعتزم البعض شراء قطع ماس لأحبائهم؛ والحال أن تلك الهدية المميزة يمكن أن يكون لديها ماض دموي. فإذا كان مصدر قطعة الماس تلك هو زيمبابوي مثلا، فإنها قد تكون استُخرجت تحت مراقبة الجيش الزيمبابوي، الذي وجدت منظمةُ "هيومان رايتس ووتش" أنه قتل ما يزيد على 200 شخص، ومتورط في أعمال تعذيب وتشغيل الناس قسراً في حقول الماس بمنطقة "مارانج". ولكن الخبر السار يكمن في حقيقة أن المستهلكين الأميركيين باستطاعتهم المساعدة على فضح وإغلاق هذه التجارة غير القانونية للماس؛ وكل ما عليهم فعله هو أن يستفسروا البائع حول مصدر الماس ويطلبوا منه التأكد من أن الأحجار الكريمة ليست من زيمبابوي. وإذا لم يفعل، فلا بيع ولا شراء. خلال عدد من الزيارات التي قامت بها منظمة "هيومان رايتس ووتش" إلى حقول مارنج"، تحدثتُ مع أكثر من 100 شخص كانوا شهوداً على أعمال قتل وضرب، أو عانوا هم أنفسهم من التعذيب والعمل القسري والاغتصاب ونهب ممتلكاتهم من قبل المسؤولين العسكريين الذين يسيطرون على عمليات استخراج الماس غير الرسمية؛ حيث ينهب الجيش الماس الخام الذي تزخر به المنطقة ويهرِّبه إلى الخارج، محتفظا بأرباح مهمة لنفسه، وللحزب التابع لرئيس زيمبابوي روبرت موجابي. والواقع أنه إذا استُخرج الماس بشكل قانوني، يمكن أن يستفيد منه السكان الذين يتعرضون لاضطهاد حكم قمعي ويعانون كارثة من صنع الإنسان. ولكن بدلاً من ذلك، يعيش الناس بالقرب من حقول الماس في فقر مدقع وخوف دائم. وفي هذا الإطار، قالت لي امرأة أُجبرت على التنقيب عن الماس إن "الجنود كانوا مسلحين وكانوا يتولون حراستنا كل يوم أثناء عملنا في الحقول حيث كنا نعمل 11 ساعة كل يوم من دون استراحة". أما الذين يقاومون، فمصيرهم التعذيب أو الضرب أو حتى الموت. كما قال لي شاب من "موتاري": "في حقول الماس أرغمنا الجنود على دخول قفص وظلوا يضربوننا طيلة الليل"، مضيفا "كما أرغمونا على ملء الحفر التي يُحدثها المنقبون عن الماس باستعمال أيدينا فقط، ولم يكونوا يعطوننا الطعام أو الماء". لم يكن من المفترض أن يكون الوضع على هذا النحو. فقبل سبع سنوات، وفي أعقاب تجاوزات فظيعة ارتكبتها مجموعات متمردة في غرب أفريقيا اغتنت من تجارة الماس، أُسست هيئة دولية مدعومة من قبل الأمم المتحدة -"مخطط عملية كيمبرلي للتصديق"- بهدف ضمان تحديد التجار والمستهلكين لما بات يعرف بـ"ماس الدم" ومنع تجارته. وتمثل هذه المنظمة حاليا 75 بلداً، من بينها زيمبابوي والولايات المتحدة، وتقول إنها تغطي 99 في المئة من صناعة الماس الخام العالمي. غير أن "عملية كيمبرلي" أثبتت قصورها وعدم فعاليتها بخصوص القضاء على تهريب وبيع ماس الدم من زيمبابوي وبلدان أخرى، حيث مازالت هذه الأحجار الكريمة تجد طريقها إلى متاجر الحلي والمجوهرات عبر العالم. وفي حالة زيمبابوي مثلا، فإن ماس الدم عادة ما يُهرَّب إلى الأسواق العالمية على أيدي تجار غير مسجلين في البلدان المجاورة مثل موزمبيق أو جنوب أفريقيا. وهذه البلدان لا تقوم، أو لا تستطيع، تقديم شهادة بشأن مصدر وحركة هذه الأحجار التي تختلط بعد ذلك مع الأحجار المستخرجة بشكل قانوني. وفي وقت سابق من هذا العام، وجدت بعثة مراجعة تابعة لـ"عملية كيمبرلي" أن الماس في شرق زيمبابوي يُستخرج في ظل تجاوزات خطيرة لحقوق الإنسان، وفي خرق لمعايير وقوانين المنظمة التي تنص على ضرورة أن يتحقق أعضاؤها من أن الماس يتم التنقيب عنه واستخراجه وتسجيله وتصديره بطريقة قانونية. غير أنه لما كانت "عملية كيمبرلي" تشتغل بالإجماع وتضم في عضويتها بلدانا مثل ناميبيا وروسيا وجنوب أفريقيا التي تدعم موجابي وتصدِّر الماس أيضاً إلى الولايات المتحدة، فإنها قررت في نوفمبر الماضي عدم تعليق زيمبابوي أو حظر بيع أحجارها استنادا إلى حجة واهية تتمثل في أن التفويض الموكول لا يعرِّف الماس الدموي باعتباره الماس الذي تستخرجه مجموعات المتمردين الخارقة للقوانين، وليس الحكومات الخارقة للقانون. والحال أنه لا يهم من يقوم بالتجاوزات، غير أن "عملية كيمبرلي"، وبتخلفها عن القيام بذلك، تترك الأميركيين وآخرين في موقف غير مريح يتمثل في إمكانية شراء الماس الدموي لأن المستهلكين لم يعد بإمكانهم التمييز والتأكد من أن الماس الذي يتوفر على شهادة "عملية كيمبرلي" نظيف. وفي هذه الأثناء، تشير أحدث معلوماتنا إلى أن الوضع في حقول "مارانج" مازال على حاله عموما. إذ رغم ما يقال من أن الجيش قد بدأ الانسحاب من حقول الماس، مازالت معظم هذه الحقول خاضعة لسيطرة الجيش، مع ما يستتبع ذلك من تهريب وانتهاكات لحقوق الإنسان وتفش للفساد. بيد أن المستهلكين الأميركيين باستطاعتهم أن يبعثوا برسالة قوية إلى صناعة الماس والمهربين والأشخاص الذين يديرون عمليات التنقيب التعسفية هذه، رسالة مؤداها أنه من غير المقبول الاتجار في الأحجار التي تُستخرج من قبل أطفال أجبروا على العمل، ونساء اغتصبن، ورجال تعرضوا للتعذيب والتنكيل. وعليه، اضغطوا على بائع المجوهرات والحلي لمعرفة مصدر الأحجار الكريمة التي تودون شراءها. فإذا تبين أنها من زيمبابوي، فلا تقوموا بشرائها. إن التنقيب عن الماس في زيمبابوي تسبب في إلحاق أذى كبير؛ وعلى المستهلكين الأميركيين أن يسألوا أنفسهم ما إن كان ذلك ثمنا أخلاقيا هم مستعدون لدفعه مقابل حجر. باحث بمنظمة «هيومان رايتس ووتش» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©