الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا: صراع الهوية والحرية

12 ديسمبر 2009 23:30
بعد أن صوّت 58 في المئة من السويسريين مؤخراً لصالح استفتاء حول منع بناء المآذن بقي أن نرى ما إذا كانت نتائج ذلك الاستفتاء في صالح سويسرا، أو حتى أوروبا كلها. وقد يبدو أخذ ذلك في الاعتبار أمراً غريباً، نوعاً ما، حيث إن تلك النتائج لا تعتبر مخجلة فحسب، وإنما قد تتسبب أيضاً في تداعيات قانونية واقتصادية دولية ضد سويسرا. وعلى رغم ذلك فإن نتائج الاستفتاء قد تمثل بداية عملية مفيدة لسويسرا ولأوروبا لاستشعار الحاجة إلى تغيير أسلوبها في التعامل مع مفاهيم الثقافة وهوية الدولة والحقوق الفردية. وقد كشف تصويت سويسرا عدم استقرار متفشٍياً منذ فترة طويلة داخل أوروبا حيال الهجرة وأعداد المهاجرين، وخاصة المسلمين. ولم يجرِ التعبير عن هذه الريبة الأوروبية من خلال العنف وعدم الاستقرار الاجتماعي فحسب، بما في ذلك التظاهرات الاحتجاجية في كولونيا بألمانيا ضد مسجد كان سيغطي على كاتدرائية المدينة، وإنما كذلك من خلال تشريعات على مستوى الدول في بعض الحالات. وربما يشكّل قانون صدر في فرنسا عام 2004 يمنع ارتداء رموز دينية بارزة في المدارس الحكومية، وخاصة الحجاب عند الفتيات المسلمات، أبرز مثال على القيود التي تفرضها الدول على الحريات الدينية. وفي الوقت الذي تختلف فيه ظروف التصويت السويسري عن التشريع الفرنسي إلا أنه يشكّل امتداداً لنفس المشاعر، حيث إنه يستهدف بشكل خاص مجموعة دينية واحدة. وقد أشار البعض إلى أن التصويت يخاطب مخاوف العديد من الأوروبيين، من "الأسلمة"، إلا أن النظر إلى ما حصل في سويسرا فقط عبر منظار معركة بين أوروبا والإسلام يشكّل تغاضياً عن قضية أعمق ابتليت بها القارة العجوز كلها. والمفارقة أنه في الوقت الذي جرى فيه تبنّي إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي وثيقة تبسّط بوضوح الحقوق الأصيلة للفرد، في فرنسا، واستضافت جنيف المؤتمر الذي تولى صياغة بروتوكولات حماية الحقوق الفردية أثناء الحروب، يبدو أن هناك توجهاً سائداً في أوروبا مؤداه أن الحقوق الفردية ينبغي أن تنتهي عند عتبة هوية الدولة. وما يعنيه ذلك هو أن المواطن مرحَّب به ليكون مسلماً، أو يهودياً، أو بوذياً في أوروبا طالما أن هذه الهوية، أو ممارستها لا تتعارض مع تعريف ما يعنيه كون المواطن سويسرياً أو فرنسياً أو أوروبياً. وقد أثار هذا الوضع أسئلة غير مريحة من قبيل: ما الذي يعنيه فعلياً أن تكون سويسرياً أو فرنسياً؟ أهو التقاليد والمعايير الاجتماعية، كأسلوب اللباس أو الحديث أو تناول الطعام، أم هو أن تكون لك قيمٌ ومثلٌ معينة؟ يبدو أن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن العديد من الأوروبيين يشعرون براحة أكبر باعتناقهم التقاليد والمعايير الاجتماعية وليس القيم والمثل، الأمر الذي يجعل الهوية الأوروبية متماثلة مع مدونة غير مكتوبة من القوانين، يتم فيها تبنّي واحترام معايير غير واضحة. لقد أجبر التصويت السويسري أوروبا على التفكير في أي الأمرين أكثر أهمية: حماية الهوية المنظورة للدولة أم حماية حقوق الأفراد الذين يعيشون فيها بغض النظر عن عرقهم أو دينهم؟ وقد شعر الكثيرون بالراحة حتى الآن مع جواب غير واضح لهذا السؤال. ولكن كما أظهر التصويت السويسري، هناك حاجة للمزيد من الوضوح مع استمرار أوروبا في النمو، وكذلك على رغم استياء البعض، مع استمرارها في التغير. وما نحن في حاجة إليه ليس مجرد التسوية مع واحتضان مواطني أوروبا المسلمين وإنما هو تحوّل أوسع في التوجه يحمل في طياته مُثل التنوير والتسامح والاحترام كهوية تفتخر بها أوروبا. والمفارقة بل السخرية في الوضع الراهن بالطبع هي أن الكثيرين داخل أوروبا وخارجها ينظرون إلى التنوير والليبرالية على أنهما جزء لا يتجزأ من جوهر هوية أوروبا. وإذا كان هذا التصويت يجعل سويسرا، وكل أوروبا، تتوقف لتفكر في ما إذا كانت تريد اعتناق مثل التسامح وقبول الآخر، وأن تتأكد من أهمية السماح للناس باعتناق الأديان المتنوعة والثقافات المختلفة، فإنه عندها يمكن القول إن نتيجته كانت، بهذا المعنى، للصالح العام. محلل في مركز سابان بمعهد بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©