الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليوباردي.. مفكر «سوداوي» تنازعته حدود الجسد والرغبة في الحرية ومقاومة العزلة والهم

ليوباردي.. مفكر «سوداوي» تنازعته حدود الجسد والرغبة في الحرية ومقاومة العزلة والهم
12 ديسمبر 2009 23:58
عبر صفحات الكتاب يتناول أمارجي شخصية وأعمال ليوباردي بالنقد والتحليل قائلاً، إن ليوباردي كان مهمشاً سواء علي مستوى الحياة الشخصية، منذ ولادته في مقاطعة بونتيفيتشو في عام 1798، في عائلة تنتمي إلى طبقة النبلاء، ومرورا بانتقاله إلى روما، ثم ميلان، والعودة مرة أخرى إلى روما في عام 1831، ليقيم مع صديقه المنفي هناك، أنتونيو رانييري، ثم كان انتقاله الأخير إلى نابولي ليستقر فيها مع رانييري، إلى أن مات سنة 1837. وكذلك الحال نسبة الى الأحداث التاريخية الكبيرة، حيث عاش ليوباردي مهمشاً إلى الثقافة المسيطرة في ذلك الوقت والمتجسدة في «الرومانسية» التي كان له، منذ عام 1830 جدل فردي قاسٍ معها، فقد كان في غاية الحذر من طرق وأهداف الجدل السائد في أوروبا عموماً حول تلك المرحلة. أياً يكن، فحالته تلك لم تكن سوى ثمرة ما اختاره تفكيره من جهة وما طُبعت عليه حياته الشخصية من جهة ثانية، لكن، يمكن القول إن تلك العزلة وذاك الاختلاف قد تعاضدا على خلق عظمته الشعرية وأصالته الفكرية اللتين لا يمكن فصل واحدتهما عن الأخرى. أما النقاط الأكثر إلماعاً بين تأملاته فكانت اعتقاده بأن جميع البشر مدفوعون لإرضاء حاجاتهم وتحقيق المتعة حتى لو مُنيت محاولاتهم بالإحباط مرة إثر مرة، وإعطاؤه قيمة مركزية للجسد والمادة (الإنسان مادة ثقيلة) كما يقول، ضد جميع الأفكار الروحية والدينية، وطبعاً رؤياه التشاؤمية للوجود. وحقيقة أن ضعفه الجسدي، واعتباره الإنسان كائناً ناقص التكوين يتجه نحو الفناء، وتمزقه ما بين حدود الجسد وبين الرغبة بالحرية، علاوة على عجزه حيال تدهوره الجسماني، قد تآزرت جميعها على إحاطة قدره بالألم. الحزن المجتمعي يلفت أمارجي إلى أن بعض أفكار ليوباردي كانت حاضرة من قبل، في ثقافة القرن الثامن عشر التي مع كونها أكثر إيجابية في مسألة الثقة بإمكانيات الإنسان غير أنها قدمت الومضات الأولى لظاهرة السوداوية. وقد حمل ليوباردي، والى أقصى الحدود، التناقض ما بين التجديد (Progressismo) الذي يعتقد بالتقدم المتواصل وغير المحدود في التاريخ الإنساني، وبين السوداوية (Pessimismo) التي تعتقد بأن بعض الجوانب في الإنسان لا يمكن تغييرها. ويشير أمارجي إلى أن السوداوية المتمثلة في فكر ليوباردي هدمت النسق التقدمي للتاريخ على مرحلتين، سميت الأولى، والتي برزت عندما كان في العشرين من عمره، بالسوداوية الواقعية، اعتبر ليوباردي في أثنائها أن حزنه الفردي الخاص سوية مع الحزن المجتمعي العام هما عاقبة الشلل والركود اللذين وصلت إليهما إيطاليا وأوروبا في تلك الحقبة وولدا أجواء من العطل والضجر وعقم الفكر والروح، لكن في أعماقه كان ما زال ثمة فكر حي يطمح الى تحقيق النموذج المثالي لمجتمع حر، أو أكثر حرية، حيث يمكن للطاقات أن تفصح عن نفسها وللإنسان أن يعيش رؤاه مثلما يراها. وحدة المصير يوضح أمارجي أن المرحلة الثانية في فكر ليوباردي، والتي ستستمر طيلة ما بقي من حياته، يعبر ليوباردي خلالها نحو السوداوية الكونية، نحو الإيمان بأن حزن الإنسان له أسباب طبيعية وليست اجتماعية كما يظن، ولذلك فهو حزن جوهري غير قابل للتحوير. إن الهبات المختلفة للطبيعة الأم والعمياء ليست غير الأمراض، والشيخوخة، والموت، التي تحكم ثلاثتها على الإنسان بالحزن المحقق.. الخلوص الى هذه النتيجة أسهمت فيه، بلا شك، حالته الجسدية، بيد أن الإسهام الأكبر هو لوعيه بحقيقة ذاته، والذي كان سبيلاً الى معرفة عميقة بأحوال الإنسان. ويخلص أمارجي، إلى أن ذلك الوعي بوحدة المصير والألم لم يسق المفكر الى التصرف كضحية، وإنما العكس من ذلك، ساقه الأمر الى الانشغال بتأسيس أفكاره القائلة بأن الإنسان يجب ألا يختزل إلى أوهام، وإن عليه أن يكون متحملاً للكرب والعزلة، بل إن الوعي بالعزلة والهشاشة في مواجهة ما يثقل العاتق هو ما يفضي بالإنسان الى تكوين أصيل كامل الاتحاد. مواضيع وأفكار يؤكد أمارجي أن ليوباردي توخى طرح أفكاره عبر تجريب أجناس مختلفة من الشعر وأجناس مختلفة من النثر، بأسلوب يتسم، حقاً، بالأصالة والفرادة، وهذا ما بدا واضحاً حتى في ترجمات كتبه. قائلاً إن تجربته الشعرية، في الواقع، لا يمكن إلحاقها بنزعة محددة، فهو يزاوج بعض مضامين الكلاسيكية، من حيث استخدام إيقاع وشكل القصيدة الإغريقية واللاتينية ببعض مضامين الرومانسية الأوروبية (برغم انتقاداته لها) من حيث: النزوع نحو المطلق، فقدان الفرد، البحث عن روحانية فلسفية وليست نفسية، الألم الكوني.. أما على صعيد الشكل، فلم تكن لتعوزه الصنعة الأصيلة لخلق مفردة شعرية تكون الحامل لكثير من المعاني المحتملة، وتعبر عن السمة اللامحدودة للمشاعر والصور بالنسبة الى ليوباردي، تمثل القصيدة الغنائية الجنس الشعري الأكثر أصالة، لأنها الأقرب الى العاطفة والى الموسيقى، هي الأكثر تقادماً والأكثر حداثة في آن. ويقول أمارجي، إنه من خلال التمعن، في مواضيع شعر ليوباردي، نجد أنها ذاتها مواضيع فكره، والتي تتمحور حول: انمحاء الفرد في المكان والزمان، ضياع أوهام الشباب، البحث اللا مجدي عن المتع، الحدث الكوني الفائق. وهي رؤى وأفكار ما زالت تشكل أعمدة تساؤلاتنا الوجودية. أهم الأفكار في الكتاب - الأصغر والأكبر: «في الأشياء الخفية، دائماً ما يُرى على نحو أفضل العدد الأصغر، أما في تلك الظاهرة للعين، فيُرى العدد الأكبر. لمن السخف ذاك الإجماع الذي يدعونه بالحدس البشري تلقاء الماورائيات، هذا الحدث الذي لا يقيم اعتباراً لأي من الحقائق الطبيعية، بل ويضعها في الدرك الأسفل من الإدراك، كما على سبيل المثال في مسألة دوران الأرض، وفي ألف مسألة غيرها. وفي المقابل، كم هو خطر، ومتهور، وأبعد من ذلك، بلا طائل، التضاد مع رأي العدد الأكبر من الناس في المسائل المدنية». - الموت والشيخوخة: «ليس الموت مساءة، فهو يحرر الإنسان من جميع السوء، وسوية مع الخير، ينزع منه أيضاً الرغبات. الشيخوخة سيئة إلى أقصى الحدود، لأنها تسلب الإنسان كل أشكال المتعة، تاركة له الشهوات، ومعها جميع الآلام. رغم ذلك يخشى الناس الموت، ويفضلون الشيخوخة». - المكابدة الكبرى: «المكابدة الكبرى للإنسان طالما هو لم ينضج، هي لأجل أن يبدو بتمام النضج، وما أن ينال ذلك، يكابد لأجل أن يبدو غير ناضج. عندما بلغ أوليفر سميث، مؤلف رواية «قسيس ويكفيلد»، سن الأربعين، أزال من عنوانه نهائياً لقب «دكتور»؛ لقد غدا منفراً في ذلك الوقت هذا الاستعراض الثقيل، الذي كان محبباً في السنوات الأولى». - المكاتب العامة: «كما هي أقبية السجون والسفن الحربية غاصة بأناس هم، على حد قولهم، بريئون، كذلك هو الحال في المكاتب العامة، إذ إن كرامة الصنفين مهدورة من قبل الجميع، إلا من قبل الأشخاص المضطربين أو المجبرين رغماً عن إرادتهم، من المستحيل، تقريباً، الالتقاء بشخص يؤكد بأنه حاز أو استحق الشقاء الذي يعانيه، أوبأنه سعى، أو أقله، رغب في المجد الذي يعيشه: مع أن هذا أقل استحالة من ذاك». - جاذبية الكآبة: «كثيراً ما يظن اليافعون أنهم يكونون أكثر جاذبية عندما يظهرون بمظهر الكآبة، لهذا ربما، عندما لا تكون الكآبة أكثر من محض مظهر، يمكن لها أن تكون محبوبة، لكن لأمد قصير، وغالباً من النساء، أما أن تكون الكآبة جوهرية، فكل الجنس البشري سوف ينبذها. هكذا، على الأمد الطويل، لا يحب ولا يجد له مكاناً في اعتبار الإنسان غير السعادة: ذلك لأن العالم، - وهو معه الحق في هذا - لا يحب أن يبكي، ولكن أن يضحك». - اضطراب عارم : «ترى إلى أية درجة هو عظيم الحب الذي وهبتنا إياه الطبيعة نحو أشباهنا؟ يمكن معرفة ذلك من كل فعل يقوم به الحيوان. فالطفل عديم التجربة إذا ما حصل ووقع نظره على مرآة ما، يعتريه غضب واضطراب عارم لأنه يحسب الصورة مخلوقاً مشابهاً له، فلا يوفر أي سبل ممكنة لسحق ذلك المخلوق وقتله. أما الطيور الداجنة، تلك الوادعة مثلما هي كذلك الطيور في الطبيعة، تندفع نحو المرآة باستياء شديد، صارخة بفم مفتوح على مصراعيه وأجنحتها مقوسة، وتنهال على المرآة نقراً. والقرد، عندما يتاح له ذلك فإنه يرمي بالمرآة أرضاً ويشرع يدوسها بقدميه». - الرجل الصالح: «الرجل الصالح، مع تقدم السنين، يصير بسهولة عديم التأثر بالمديح والتشريف، لكن لا يفقد أبداً، كما أعتقد، تأثره بالتحقير والتوبيخ. أكثر من ذلك، فالإطراء والتقدير اللذان قد يأتيانه من أشخاص في مُنتهى الرفعة ليسا كفيلين بالتعويض عن الألم الذي تسببه له أي إيماءة أو إشارة إهمال قد تأتيه من شخص في منتهى الضعة. لعل العكس يحصل مع الطالح، فبأنه معتاد على التحقير وليس معتاداً على التقدير، يصير عديم التأثر بالأول، سريع التأثر بالثاني، ما لم يمسسه بالمصادفة مس من الحكمة» الندرة: «لا شيء أكثر ندرة في العالم من امرئ يُحتمل».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©