الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الغرفة الماطرة».. ابتلّت الروح عبر أجساد مجففة!

«الغرفة الماطرة».. ابتلّت الروح عبر أجساد مجففة!
25 مايو 2018 21:14
نوف الموسى (دبي) استيقظت الأعشاب الخضراء، على أنين المكابح القديمة لدراجة هوائية، تطوف حول حديقة «المجرة» في الشارقة. رجلٌ خفيف الظل، وطفلتان، ونافورة صغيرة تخفي نفسها بين «المراجيح»، حتى لا توقظ الأطفال من لذة صوتها، وشغف البحث المستمر عنها. في الجوار، وقفت صديقات يبتسمن لبعضهن، مثل ليل شق القمر سماء ظلامه الرقيق، بهلال من الضوء، يتبادلن الحديث عن المطر، رغم أجسادهن المجففة، الشبيهة ببتلات الزهر العطرية، تفوح من عيونهن رائحة الماء. ينظرن لأعلى ويتسامرن فيما بينهن، كمن عاد للتو من غابة ماطرة، ويتوق لملامسة دفء النار المخلوقة من شجرة ميتة. الصديقات يمضين بعيداً عن بوابة مبنى زجاجي، بمجرد أن تسقط عينيك ضمنه، تلحظ فيه الناس يتحركون بسلاسة، يرتشفون القهوة، ومنهم من يجلس على كراسي طويلة، تمشي نحوهم بخطوات المكتشف للكهوف، وينتشي فضولك فجأة، لتهرول بأقدام مسافر عابر للقارات. تفتح الباب، وتستقبلك نسمات هواء باردة، الجميل أنك لا تزال تمتلك قدرة النظر إلى الخارج، كل شيء شفاف، وقادر على مجاراتك، بوصولك عند الانطباع الأول، واللمحة الأولى.. تضع يدك على فضاء الانتظار، وتخبرك الوجوه الحيّة، بأنك في «الغرفة الماطرة»، وروحك مصيرها أن تُبتل بالكامل، دون أن تسقط على جسدك زخة مطر واحدة، إلا في حالة مقصودة: وهي أن تفقد فيها اتصالك مع حدس المكان، ستنهمر وقتها خيوط المطر عليك، دون هوادة، وستذبل ملابسك. يؤمن المجربون للحظة بقولهم: لا تخف.. حفاظك على الاتصال بإحساس المكان، ليس عائقاً للشعور بماء الأمطار، ولكنه استشفاف واضح لروحك، باعتبارها مصدر ومنبع المطر! أن تقطع تذكرة الدخول.. فعلٌ مغر لرحلة دون وجهة، يكفي فيها القليل من المجهول، والقليل من الحب، لنكمل المشي نحو قلب الممر الطويل للغرفة الماطرة، المولود من ارتفاع شاهق، ينتاب العابر إدراكاً بأنه كلما زاد الارتفاع، زادت قوة أثر هطول المطر على الأرض. وبطبيعة الحال، فإنها الجاذبية وطاقتها الكامنة، التي ما إن لمحت فيزياء للأبعاد، حطت نفسها بين الأضلع، وأعلنت حضورها الزاهي. أخيراً؛ نقف أمام الغرفة الماطرة، وندخل بهدوء الدهشة لمساحة ليلية شاسعة، يسقط فيها المطر بغزارة، والضوء القادم من بعيد، يتراءى لك بأنه المصباح الأمامي لقطار بخاري، يقف عند محطة شتائية، منتظراً إنزال ركابها الغائبين عن أوطانهم لسنوات طويلة، ويمنعها الطقس من المغادرة. أو ضوء قمر ساطع في ليلة سرمدية، يتوق إليها كل الساهرون في منازلهم الخشبية، متأملين نافذتهم الباكية، وربما يقول أحدهم لزوجته: «الشتاء؛ يسمو عبر تلك الأمطار». ضحكات الأطفال، في الغرفة الماطرة، تعيدك إلى رشدك، تخبرك بأنك الآن رسمياً تقف تحت المطر، وتمشي عبره وخلاله ومنه، تستشعر مداه، هل سمعت مرةً عن مطر يبتل بسقوط مطر آخر عليه؟.. بمضيك نحو إحساس فضاء المكان، وملاحظتك لتوقف المطر عن السقوط في موقع وقوفك تحديداً كلما مشيت خطوتين، يضفي وحياً بأنك مصدر المطر. ومكامن روحك، ما هي إلا هطول يومي، يثري تراب جسدك المليء بأنهر الماء، التي تبقيه نابضاً متودداً متحركاً نحو نشوة الحياة الأبدية. بعد الخروج من الغرفة الماطرة، يستقبلك القائمون على تنظيم التجربة الفريدة في «مؤسسة الشارقة للفنون»، يسألونك عن استجابتك للحظة المطر، وكيف أنك تمشي بين كل ذلك الهطول، الذي تتشكل منه، ويتشكل فيك، دون أن يلمسك المطر/‏ الماء بشكل فيزيائي مباشر، تلمح وقتها لأثر التفاعل، والحس العاطفي، مستفهماً عن البعد الذي هدفت نحوه «راندوم إنترناشيونال» الاستوديو المسؤول عن تصميمه، والمعني بفعل الممارسة التجريبية في الفن المعاصر، خاصة أن الاستوديو عمد إلى تصميم بيئات تبحث السلوكيات المحتملة لتجارب الوعي لما بعد الرقمي، وجميعها مسارات متجددة تجعل من الفعل الثقافي محركاً للبحث المستمر نحو الإدراك العميق بما يحيطنا في البيئة اليومية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©