السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

«سوني» تقاضي «إل. جي» أمام محكمة أميركية

31 ديسمبر 2010 23:39
أنا ابن رجل تنحني أمامه الرقاب ويطأطئ كل الناس رؤوسهم أمامه مهما كانت مواقعهم ودرجاتهم، بمن فيهم القادة والزعماء والملوك، لا يتحركون إلا بإذنه لذلك أتباهى أمام الآخرين ليس من قبيل الحقيقة وإنما من المجاز رداً على احتقارهم لنا ومعاملتنا بشكل مختلف وبنظرة دونية، فأنا حلاق ابن حلاق ابن حلاق، ورثت المهنة أبا عن جد وكابراً عن كابر، يراها المجتمع عملاً وضيعا وبالتالي فنحن في القاع، يعاملوننا كأنا من جنس آخر، يرفضون زواجنا أو تزويجنا فمصاهرتنا عار وخزي وانحطاط، نشأت في هذه الأجواء وأنا أشعر بالنقص في كل شيء منذ طفولتي والصغار شربوا هذه التفرقة من آبائهم، ولم يهتم أبي مثل سائر الجهلاء بأن يغير مسار حياتي ويلحقني بالمدرسة ولأنني لم أكن أدرك حينها ما يحدث فقد وجدت نفسي متميزا بين الصغار بعدم الذهاب الى المدرسة لأنني كنت أراها عقاباً، ومن ناحية أخرى فإن أبي كانت له نظرة أخرى ويريدني أن أرث المهنة التي لا تقبل الدخلاء، ولا يريد للآخرين أن يمتهنوها، يجب أن تكون حكراً علينا رغم ما نعانيه فيها ورغم قلة عائدها وعملت في المحل الصغير الذي ورثه أبي عن جدي، كنت معجبا بطقطقة المقص في يده وأنا أراقبه وهو يحلق الرؤوس المستسلمة بين يديه وأتمنى أن يأتي اليوم الذي اصبح فيه مثله، وأيضا أتخلص من هذه المهمة الصعبة المملة التي يكلفني بها أبي وهي تنظيف المكان بعد كل زبون فالمحل ضيق ولا يتسع لأكثر من شخص، وكثيرا ما أهرب بعيداً وأتلقى علقة ساخنة موجعة عقابا على تصرفي لكني كنت أكرره بين الحين والآخر. أميون بالجملة إخوتي وأخواتي الثمانية أعمارهم متلاحقة حتى لا تكاد تعرف ترتيبهم كأنهم توائم وذنبي أنني اكبرهم، ونشترك جميعا في الأمية فلم يعرف أي منا طريق المدرسة ولأنني كبيرهم فيجب أن أشارك في تحمل مسؤوليتهم فبجانب الفوارق الطبيعية والتفرقة الاجتماعية كنا نعيش الفقر على حقيقته التي لا يعرفها احد مثلنا ولا فرق عندنا بين ملابس الشتاء والصيف وننام مجتمعين في غرفة ضيقة والقروش القليلة التي يدرها المحل ليست كافية لإصلاح هذه الحال، فقط بالكاد تكفي الخبز، ورغم قسوة الحياة وشظفها، لا نشكو ولم نعلن التمرد وإن كنا نشعر بأننا ينقصنا الكثير، بل ينقصنا كل شيء، إنها معادلة صعبة وغريبة لا تفسير لها، حتى عندما بدأت أشب عن الطوق وأصبحت صبيا وتخطيت العاشرة كنت قد تعلمت المهنة وأساعد أبي في الحلاقة للأطفال، وعندما أتقنت العمل كان قد تقدم به العمر، ولم يعد قادراً على الاستمرار في جهده فتحملت المسؤولية وحدي، ثم داهمه المرض واقعده وبعدها انتقل الى جوار ربه، ولم أفكر في شيء إلا في هؤلاء الصغار وتدبير احتياجاتهم التي تلاحقني ولا أستطيع تلبيتها وإذا حققت مطلبا عجزت عن الاستجابة لعشرات المطالب، فكان العوز والحاجة دائما عنوان حياتنا، ودون أن أدري تسربت السنون والشباب من بين يدي حتى وجدتني أتخطى الثلاثين بلا زواج. لقاء الأرملة عندما التقيت «بمديحة» التي تكبرني بثمانية عشر عاما اكتشفت هذه الحقيقة الغائبة، فهي أرملة منذ سنوات ليس لها أولاد وتمتلك بيتا صغيرا تعيش فيه وحيدة وجمعتني بها الشكوى فهي تشكو لي الوحدة القاتلة وأنا أشكو الفقر المدقع وكنت استريح للحديث معها وقضاء وقت طويل بجانبها والمفاجأة أنها كانت شجاعة بما لا أتوقعه فقد عرضت نفسها عليَّ لأتزوجها ونعيش معا في بيتها ولأن العرض كان مباغتاً ولم افكر فيه او أتوقعه فقد جاءني مثل الصدمة ولكنها الصدمة الجميلة، لم أرد بالإيجاب أو الرفض وإن وجدت نفسي مستريحا ومستعدا للقبول والإيجاب، ففي هذا العرض المغري حل لمشكلات كثيرة أجدني غير قادر على مواجهتها فالمرأة بلا مطالب أو مطامع أو أحلام ولديها المسكن الذي يجمعنا ولن تكلفني سوى بعض الملابس الجديدة لي ولها ولأدرك بعض ما تبقى من العمر، وتم الزفاف وقسمت وقتي بين العمل وأسرتي وزوجتي. أسابيع قليلة بلا شهر عسل كانت كافية لأن تدب الخلافات بيننا ولكنها خلافات من نوع خاص فالمرأة بسبب فارق السن بيننا أصيبت بداء الغيرة، تغار عليًّ حتى من الرجال فكلما تحدثت مع رجل تخيلت أنني استعد لزواج ابنته أو أخته، وإن ألقيت التحية على امرأة حتى لو كانت متزوجة تعتقد أنني سأتزوجها ولا استطيع أن أقدم دليل براءتي رغم أنها لم تقدم دليل إدانة سوى الشكوك والأوهام وأنني مرح بطبعي، وهذا ورثته عن أبي مع المحل والأعباء وهموم الأسرة، وميزة هذا المرح انه هو السند الذي يجعلني أتحمل تبعة الميراث وكان هناك شعورها الدائم بفارق السن وأنها تقترب من الخمسين وأنا ما زلت في عنفوان شبابي، كل ذلك يؤرقها وينغص عليها حياتها وأصبحت لا تصدقني في أي حديث. حالة مرضية تحولت غيرتها إلى حالة مرضية مستعصية واعراضها وجه عبوس، وإهمال لي ولنفسها واختلاق المشاكل فتولد الخلافات وتتكاثر المشاجرات ولم يمض عام حتى عرضت عليها الحل الأمثل بأن أريح واستريح بالطلاق، فجن جنونها أكثر واعتبرته اغتيالاً لأحلامها وحياتها، فطلبت منها أن تجد حلا فلم تجد ولم تتوقف عن تصرفاتها، بل هددتني صراحة بأنها ستقتلني إذا أقدمت على طلاقها أو الزواج عليها، كرهتها وكرهت بيتها ولم اعد قادرا على احتمال شرر غيرتها الحارق، حولتني من شخص مرح ودود إلى إنسان عابس مكفهر فلا يمضي يوم بلا مشاجرة وتبادل الشتائم. اليوم في الصباح الباكر أيقظتني من نومي وهي تعيد على مسامعي موشحاتها، بل وتعيرني بأصلي وأسرتي وأنني في عداد الرجال لا وزن لي ولولا أنها تزوجتني ما وجدت واحدة من بنات حواء تقبلني زوجا لها ركلتها بقدمي ونهرتها وطلبت منها أن تمسك لسانها. تمادت وقد ارتفع صوتها ووصل الى حد الصراخ وواصلت توجيه الشتائم إليَّ واضطرتني كي اسكتها أن اصفعها على وجهها، وكأنها بذلك وجدت مبررا لتطلق لصرخاتها العنان وبدون حدود جن جنوني وفقدت أعصابي انهلت عليها بالضربات واللكمات والركلات، وبادلتني ما استطاعت أن تفعل، كانت هي الأخرى كالمجنونة. لم افكر حينها إلا في الخلاص منها، فاستخدمت كل قوتي، ضربتها على رأسها ففقدت الوعي وأحضرت إناء البنزين وسكبته عليها وأشعلت فيها النيران التي أمسكت بها وانتشرت في أرجاء المنزل في لحظة، خرجت مسرعا، وفي دقائق خلصتني النيران منها ومن غيرتها ومن مشكلاتها وهكذا جعلتني الحمقاء مجرما. واقتاده رجال المباحث الى السجن مكبل اليدين وكان يتمتم بكلمات غير مفهومة، لكنه قال إنه يأمل الآن في نوم هادئ، بلا مشاكل ثم يعود ويبكي ضياع إخوته الصغار الذين أصبحوا بلا عائل ويؤكد أنه بريء من دمها فقد قتلتها غيرتها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©