الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوتين... العودة في ظروف مختلفة

23 ابريل 2012
هناك قصة خيالية تسحر الغرب هذه الأيام، تحكي عن نهاية عهد بوتين. فلا يكاد يمر يوم دون أن يعلن خبير أو مراقب غربي عن موت الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين (سياسيّاً)، أو تصور فيه الاحتجاجات الحاشدة التي خرجت في موسكو وغيرها من المدن الروسية الكبرى عقب الانتخابات البرلمانية في ديسمبر الماضي، على أنها تمثل مؤشراً على "بداية نهاية عهد بوتين". ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يذهب بعض المحللين الغربيين إلى حد القول إن الرئيس الروسي لن يتمكن من إتمام فترة ولايته الأولى البالغة 6 سنوات. ولكن تلك التقييمات تنبني على التفكير الرغائبي، والتفكير بالتمني أكثر من انبنائها على الحقائق الصلبة. فحركة الاحتجاجات تعبر عن انبثاق طبقة وسطى روسية جسورة، وناشطة سياسيّاً، ضاقت ذرعاً بالفساد المستشري، والقيود المفروضة على الحقوق السياسية الأساسية التي تقول إنها قائمة تحت حكم بوتين، وبعده ديمتري ميدفيديف الرئيس الحالي. بيد أن المرء ينبغي ألا يبالغ في مقدار النفوذ السياسي الذي تتمتع به الطبقة الوسطى. فعلى رغم نشاطها المكثف، وصوتها المرتفع في التعبير عن آرائها، فإنها ما زالت صغيرة الحجم نسبيّاً، ويقتصر نشاطها على موسكو وبعض المدن الروسية الكبرى. أما خارج تلك المدن، فإن دعم بوتين يبدو أكثر قوة وأوسع نطاقاً. فعلى رغم أن سكان المدن الأخرى، أبعد ما يكونون عن الرضا بالأحوال الحالية السائدة، إلا أنهم يخشون مع ذلك من عواقب التغيير السياسي وما يمكن أن يؤدي إليه من عودة للفوضى وعدم الاستقرار اللذين ميزا سنوات بوريس يلتسين. وبالنسبة لهؤلاء يمثل بوتين الاستقرار، كما يعتبر سداً منيعاً يحول دون تدهور الأمور للأسوأ. ومعظم تلك العوامل كانت غائبة عن الخبراء والمراقبين الذين توقعوا ألا يتمكن بوتين من الحصول على نسبة تفوق الـ 50 في المئة في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الأخيرة، مما سيضطره لخوض جولة إعادة. ولكن الذي حدث هو أن بوتين حصل على 64 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين وهي نسبة وإن كانت تقل كثيراً عن نسب التأييد الكبيرة التي حصل عليها في الانتخابات التي جرت خلال ولايتيه السابقتين في الرئاسة، إلا أنها تمثل نسبة فوز محترمة، ما في ذلك شك. وليس قصدنا من ذلك القول إن بوتين "ديمقراطي مولود مجدداً" أو أن واشنطن يجب أن تتغاضى عن الجوانب السلبية في أسلوب حكمه. فكل ما هنالك هو أن واشنطن يجب أن تؤسس قراراتها على التحليل المنطقي لمدى ما يتمتع به بوتين من دعم من ناحية، وعلى التوازن السياسي للقوى المختلفة في روسيا. ولا يمكن لهذا التحليل أن ينبني على تقديرات لا أساس لها، تفيد بأن بوتين يمر بفترة من الأفول، وأنه قد يجبر على التقاعد المبكر من منصبه، كما يحاول بعض المحللين الغربيين أن يوحوا بذلك. ومع ذلك فليس هناك شك في أن بوتين يواجه هذه المرة روسيا مختلفة غاية الاختلاف عن تلك التي حكمها منذ 12 عاماً مضت. فخلال مدة ولايته الأولى كرئيس، استفاد بوتين من أسعار النفط المرتفعة، التي وفرت نوعاً من الحماية الاقتصادية، وسمحت لروسيا بالتعافي اقتصاديّاً بوتيرة أسرع كثيراً مما تنبأ به العديد من المراقبين. وكان تحسن الاقتصاد هو تحديداً السبب في حصول بوتين على نسب تأييد مرتفعة خلال فترتي ولايتيه الأوليين كرئيس. بيد أنه ليس من المتوقع أن يكون بوتين محظوظاً بنفس القدر هذه المرة. فباستثناء حدوث كارثة عالمية كبرى (مثل شن ضربة جوية ضد إيران من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة)، من المتوقع أن تظل أسعار النفط منخفضة نسبيّاً خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يعني أن بوتين لن يستطيع الاعتماد على هبة اقتصادية تنهمر عليه من السماء، كما حدث خلال تينـك الولايتين، ومن ثم فإنه سيجد بالتالـي صعوبـة بالغـة في الوفـاء بتوقعـات الروس ومطالبهم الاقتصادية المتنامية. كما سيتعين عليه أيضاً التعامل مع طبقة وسطى مدينية أكثر تململاً، وثقة بالنفس. والكثير في هذا الصدد سيعتمد على الكيفية التي ستتطور بها المعارضة السياسية. فإذا ما اقتصرت المطالبات السياسية بالتغيير على الطبقة الوسطى في موسكو والمدن الكبرى فحسب، فسيظل تأثير تلك الطبقة محدوداً على الأرجح، وهو ما يعني أنها ستكون مضطرة لتوسيع قاعدتها السياسية، وتطوير علاقاتها وروابطها مع الجماعات السياسية والاجتماعية الأخرى خارج المدن الروسية الكبرى. والخبرة البولندية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي تقدم نموذجاً مهمّاً في هذا الصدد. فحركة "التضامن" البولندية الشهيرة لم يكن متوقعاً لها أن تمثل تحديّاً جديّاً للحكم الشيوعي، لو اقتصرت قاعدتها على النخبة المثقفة في وارسو العاصمة، وكراكوف ثاني أكبر المدن. وكانت الصلة الوثيقة التي قامت بين المثقفين الليبراليين في تينك المدينتين، وبين حركة النقابات العمالية، هي التي جعلت من حركة "التضامن" في مجملها قوة رهيبة شكلت تحديّاً هائلاً للنخبة الشيوعية الحاكمة. ويمكن للمعارضة السياسية في روسيا أن تستخلص الدروس من التجربة البولندية من خلال توثيق علاقاتها مع الجماعات الأخرى خارج نطاق المدن الروسية الكبرى. وبدون ذلك ستظل حركة عالية الصوت حقاً، ولكن هامشية من الناحية السياسية، وليس أمامها سوى فرصة ضئيلة لتشكيل تحدٍّ جدي لحكم بوتين، وتحقيق أهدافها الديمقراطية. ستيفن لارابي أستاذ كرسي الأمن الأوروبي بمؤسسة «راند» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©