الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

“التحطيب” مبارزة بالعصا تحكمها الأخلاق وتوقفها كلمة “سو”

“التحطيب” مبارزة بالعصا تحكمها الأخلاق وتوقفها كلمة “سو”
2 يناير 2010 23:10
تحولت لعبة التحطيب إلى جزء أساسي من تقاليد الريف المصري باعتبارها إحدى المهارات التي يتعلمها الشاب في الصعيد، وللتحطيب وظائف كثيرة منها أنه علامة على الفتوة والقوة، وهو وسيلة لتمضية أوقات الفراغ والسمر لكن اللعبة بدأت تنقرض. حلقات التحطيب يقول د. حسام الدين محسب، الأستاذ بمعهد الفنون الشعبية بالقاهرة في دراسة له عن فن التحطيب، إن أهم حلقات التحطيب كانت تتم في موالد أولياء صالحين مثل مولد سيدي عبدالرحمن القنائي بقنا، حيث يعلن في هذه الموالد الشعبية عن رفع العصا من بعد العصر حتى المغرب لعدة أيام، ويجتمع المحطبون من كل محافظات مصر حيث يدعو لاعبو المحافظة التي يقام فيها المولد لاعبي المحافظات الأخرى، ورغم الاختلافات التي طرأت على التحطيب من محافظة لأخرى فإن التحطيب واحد ويحكمه الارتجال بالدرجة الأولى. ويقول إنه من الأفضل أن يخرج اللاعبان متعادلين فهي لعبة للمتعة وتحترم فيها التقاليد المختلفة للجماعة، فالكبير مثلاً هو الذي يبدأ اللعب ولا ينبغي التعالي عليه أثناء اللعب، وعند احتدام المنافسة بين لاعبين من نفس السن يتدخل الأصدقاء والجمهور الملتف حولهم ويكون لهم دور تأميني حتى لا يتعرض أحدهما للآخر وفي هذه الحالة يأخذ الجمهور والأصدقاء العصا بالهتاف بكلمة “سو” حتى يتوقف الشجار ولا ينقلب إلى مبارزة حقيقية. ويضيف محسب أن التحطيب يضم حركات استعراضية بالأيدي والأرجل تعرف بحركات الرش وفتح الباب، بعدها يدخل اللاعبان مباشرة في الالتحام، ويتفقان معاً على تطويل فترة الاستعراض، وجوهر اللعبة في حركات الرش وفتح الباب بعد السلام، أما الحركات الاستعراضية فهي نسبية ويلجأ اللاعبان إليها لإمتاع الجمهور، وتتفرع من لعبة التحطيب فنون أخرى موازية مثل الرقص بالعصا والذي تشتهر به محافظات الصعيد وخاصة محافظة سوهاج، وهناك رقصة بالعصا اسمها “رقصة التنراوي” وهناك “البرجاس” أي التحطيب من فوق ظهور الخيل وهو فن احتفظ بكيانه طويلاً في الصعيد، وكثيراً ما تقام حلقات لرقص الخيل والتحطيب ابتهاجاً بزفة عروس أو ذكرى مولد أحد الأولياء أو جني المحصول، حيث تقام حلبة للرقص والتحطيب في مكان متسع وعلى أنغام المزمار البلدي يتبارى الفرسان والخيالة في إظهار بطولاتهم وشجاعتهم. رقصة التحطيب هناك أكثر من طريقة لإمساك العصا في رقصة التحطيب منها الإمساك بيد واحدة من أحد طرفيها، وهنا لابد أن يمسك اللاعب العصا على بعد قبضتي يد من أحد طرفيها حتى يستطيع التحكم فيها أثناء اللعب، وهناك إمساك العصا باليدين من أحد طرفيها وعند إمساك العصا باليدين لابد أن يراعي اللاعب ألا يمسك بالعصا من طرفيها عند قيامه بصد هجوم من خصمه، وإلا تعرض جسمه أو رأسه للخطر لعدم قدرته في هذه الحالة على إمساك العصا بقوة تحت تأثير قوة الضربة الموجهة إليه، وينبغي أن يكون اللاعب ممسكاً بالعصا على بعد قبضتي يد. وتؤثر المناسبة التي يقام فيها التحطيب على وجود تعديلات في مسار اللعب، ففي حالة وجود فرقة موسيقية ينصب السامر الشعبي ويكون مؤثراً على فتح الباب وعلى الحركات نفسها والتي تأخذ الشكل الاستعراضي، وفي الاحتفالات والأعراس يكون الطابع الاستعراضي هو الغالب تعبيراً عن السعادة والبهجة والفرحة بالمولد أو العرس، بعكس ما لو كان تجمع التحطيب أسرياً بين الأصدقاء والأقارب على سبيل التسلية أو التحدي بين صديقين فهنا يكون طابع الصراع هو الغالب. وهناك عدد كبير من المتميزين في لعبة التحطيب وأساتذتها الذين يعلمون الأجيال الشابة أصولها ومن هؤلاء المعلم عبدالغني عبدالباسط أكثر الوجوه الصعيدية شهرة في لعبة التحطيب وأكثرهم معرفة بها، حيث يقول إن أول من طور لعبة التحطيب من شكلها الفرعوني المرسوم على جدران المعابد كان الشيخ علي الخطاب الذي عاش خلال عصر الفتح الإسلامي لمصر وقام بتوثيق اللعبة ونشر أصولها بين مدن الصعيد. ويضيف أن أصول التحطيب واحدة ولكن لكل محافظة تقاليدها في اللعب، والتحطيب يمارس بأصوله الصحيحة في الصعيد من أسوان لسوهاج ولكن في محافظات الشمال غلب على اللعب الطابع الاستعراضي والرقص الشعبي، مشيراً إلى أن كثيراً من اللاعبين الشباب الذين يمارسون التحطيب أصابهم الغرور وأصبح كل واحد منهم متعصباً لبلدته ومحافظته، بدلاً من الإخلاص للعبة التي تحض على احترام الصغير للكبير والتلميذ للأستاذ، والضيف للمضيف فاللعب ينبغي أن يقوم على كرم الأخلاق والأدب والمعرفة والود. ويؤكد المعلم عبدالغني أنه حريص على ممارسة التحطيب كل يوم للحفاظ على لياقته، ويحرص على تلقين دروس التحطيب لأفراد وشباب كثيرين من عائلته وأهل بلدته وأول درس يعلمه هو الإنصات للمعلم والطاعة، حتى يكتسب المتعلم مهارات التمكن من اللعبة التي برغم اختلافها كل يوم، من مكان لآخر إلا أنها تبقى جزءاً من تاريخ مصر وحضارتها. لعبة التحطيب من الظواهر الشعبية في محافظات مصر وترمز إلى البطل الباحث عن الانتصار، والتحطيب لعبة استمتاع وليست لعبة عنف ولها طقوس ودروس يتم تعليمها للصغار والكبار وتعبر عن ثقافة المجتمعات المحلية الباحثة عن المتعة. وتاريخ التحطيب أو اللعب بالعصا يمتد منذ مصر الفرعونية خاصة في الصعيد، وظهرت هذه اللعبة كمبارزة بالعصا وانتشرت بين جميع طبقات الشعب في الريف، وأنشئت لها مدارس لتعليم فنون المبارزة. عصا رقصة التحطيب غليظة ولطيفة تعتبر العصا عنصراً أساسياً في رقصة التحطيب، وقديماً كان المحطبون يستخدمون الشومة الغليظة وكانت تسمى العصا الغشيمة، وكانت من شجر الدوم ثم أصبحت من الخيزران الخفيف حتى لا تضر أحد اللاعبين، ويتراوح طول هذه العصا بين 150 و180 سم، ومن خلالها يبدأ اللعب أو ما يسمى فتح الباب، حيث يقوم أحد اللاعبين بلمس عصا اللاعب الآخر لتأكيد الفتح وأحياناً تكون هناك إشاره للاعب بالعصا إيذاناً ببدء اللعب.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©