الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المونديال الأفريقي: فجوات الاقتصاد والديمقراطية

2 يوليو 2010 21:41
يعتبر قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بعقد مونديال العام الحالي بجنوب أفريقيا، قراراً تاريخياً له أهميته وزخمه الكبيران. وتعود هذه الأهمية ليس إلى مجرد عقد أول مونديال دولي لكرة القدم في القارة السمراء فحسب، وإنما إلى دور المونديال في جذب الأنظار وتعاطف المجتمع الدولي ووقوفه على مشاكل شعوب القارة ومعاناتها. فعلى سبيل المثال تختلف الدول الاثنتان والثلاثون المشاركة في منافسات المونديال، والمحكومة بذات القوانين والقواعد المنظمة للعبة، اختلافاً كبيراً فيما بينها من ناحية الحريات السياسية والأوضاع الاقتصادية لشعوبها. فالشخص الذي يولد في اليابان اليوم يتوقع له أن يحضر خلال فترة حياته تسعة مونديالات دولية مقبلة، بينما لا يتوقع للشخص الذي يولد في نيجيريا مثلاً العدد نفسه من المونديالات. ذلك أن الطفل الياباني الذي يولد اليوم، يتوقع له أن يعمر إلى ما يقارب الـ 82 عاماً، بينما لا يزيد متوسط الطفل الذي يولد في نيجيريا عن 48 عاماً. ليست نيجيريا وحدها في انخفاض متوسط أعمار مواطنيها. ذلك أن متوسط الأعمار في الدول الأفريقية الخمس المشاركة في مونديال جنوب أفريقيا الحالي، وهي ساحل العاج وغانا ونيجيريا والكاميرون وجنوب أفريقيا نفسها، يقل عن 57 عاماً وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة. ورغم التحول السياسي السلمي الذي حدث في جنوب أفريقيا من نظام الفصل العنصري إلى النظام الديمقراطي الحالي، فإن الفوارق الاجتماعية الاقتصادية بين المواطنين لا تزال كبيرة جداً. وبالنتيجة، فقد نشبت نزاعات في الأسبوع الأول من المونديال بين إدارة المونديال والعاملين في مختلف الملاعب التي تجرى فيها المباريات بسبب الأجور المدفوعة للعمال. وتشير الإحصاءات إلى أن ما يقارب 50 في المئة من شعوب دول جنوب الصحراء الكبرى في حالة فقر مدقع. وفي الوقت نفسه، هناك حوالي 1.4 مليار نسمة في مختلف أنحاء العالم لا يزيد دخل الفرد الواحد منهم يومياً على 1.25 دولار. وبالمقارنة فإن الفجوة الاقتصادية الاجتماعية بين مواطني جنوب إفريقيا تكاد تعادل تلك الفجوة العالمية المذكورة بين أغنياء العالم وفقرائه. أما عمق معاناة القهر السياسي السائدة في مختلف دول القارة، فيمكن الكشف عنه بإلقاء نظرة سريعة إلى الدول الاثنتين والثلاثين المشاركة في مباريات المونديال الحالي، من ناحية مؤسساتها السياسية وأوضاعها الاقتصادية. وحسب تصنيف منظمة "فريدوم هاوس" غير الربحية، فقد صنفت 25 دولة من الدول المشاركة على أنها "دول حرة"، وفقاً لمدى توفر الحقوق السياسية والحريات المدنية في كل واحدة منها. وفي المقابل صنفت أربع من الدول المشاركة على أنها "حرة جزئياً" أو "غير حرة" وتقع جميع هذه الدول في القارة الأفريقية: الجزائر، ساحل العاج، نيجيريا، والكاميرون. وفوق ذلك، فإن علينا النظر إلى المعلومات والبيانات التي وفرها تقرير التنمية البشرية الذي أصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عن كافة الدول المشاركة في المونديال، عدا كوريا الشمالية. فقد صنف التقرير نصف الدول المشاركة على أنها دول "عالية النمو" من ناحية التنمية البشرية، وفقاً لمؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية. وتقوم حسابات هذا المؤشر في الأساس على الدمج بين دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي للدولة المعينة، ونصيب الفرد من التعليم ومعدل الأعمار المتوقع. ويقارن هذا المؤشر بنسبة 21 في المئة لجميع الدول. وفي هذا المؤشر أيضاً فإن الدول الخمس المصنفة على أنها الأضعف نمواً بين الدول المشاركة في المونديال، جميعها من الدول الواقعة جنوبي الصحراء الأفريقية. ومثلها مثل بقية دول جنوب الصحراء من حيث الفجوة الاجتماعية الكبيرة بين مواطنيها، فإن هذه الدول الخمس المذكورة تعاني الفجوة ذاتها بين الأغنياء والفقراء. ففي جنوب إفريقيا يعادل إنفاق نسبة الـ 10 في المئة الأغنى بين المواطنين حوالي 35 مرة من إنفاق فئة الـ 10 في المئة الأفقر في البلاد. وتشير نسب المقارنة بين دخل الفئات الأعلى والأدنى إلى 4.1 و1 في المئة في اليابان، و7 إلى 1 في المئة في ألمانيا، و16 إلى 1 في الولايات المتحدة. وتعد هذه الأخيرة صاحبة الفجوة الأكبر بين جميع الدول المشاركة في المونديال. غير أن عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين مواطني دول جنوب الصحراء الأفريقية الأخرى المشاركة، ليس بذات المعدل الذي عليه الحال في جنوب أفريقيا. بيد أن صغر حجم الفجوة الاقتصادية بين مواطني هذه الدول لا يعود إلى أمور أخرى سوى فقر الدول المعنية وضعف ثرواتها الوطنية. وتعزى الفجوة الاجتماعية بين دول جنوب الصحراء الكبرى إلى عدة عوامل؛ من بينها التركة الاستعمارية، وتركة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، إضافة إلى عقود مستمرة من انعدام الاستقرار واستمرار النزاعات والحروب الأهلية. وعليه فإن الأهم من مباريات كأس العالم، هو ما يجب فعله بعد انتهاء المونديال. فهل يذكر المجتمع الدولي المونديال الأفريقي هذا لمجرد البطولات الكروية الحامية التي شهدها، والتجربة السياحية المتفردة التي وفرها لآلاف الزوار لجنوب أفريقيا من مختلف أنحاء العالم، كما يزعم بعض المنتقدين للمونديال؟ أم تساعد استضافة جنوب أفريقيا للمرة الأولى في تاريخ القارة، في لفت أنظار العالم وإحداث تحول جوهري في العلاقات الدولية بين الأمم والشعوب، على نحو ما يأمل بعض القادة الأفارقة وفي مقدمتهم نيلسون مانديلا وغيره؟ المقصود بهذا التحول أن يكون المونديال فرصة للفت الأنظار إلى معاناة وحاجات شعوب القارة الملحة، بين العديد من شعوب الدول النامية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم. كما يقصد بذلك التحول أيضاً أن ينتقل المجتمع الدولي من مجرد التعاطف مع شعوب هذه الدول إلى تنسيق وتضافر الجهود الدولية الهادفة إلى التخفيف من معاناة تلك الشعوب. تاد وليامسون ودوجلاس إي. هيكس أستاذان بكلية "جبسون" لدراسات القيادة في ولاية فرجينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي انترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©