الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الفرد فرض!

28 يناير 2016 02:04
في غمرة القضايا الكونية الكبرى التي يهتم بها الإعلام العربي، من المؤامرات الدولية التي تحاك ضد المنطقة إلى أسعار البورصات العالمية، مرورا بأخبار النزاعات والحروب الأهلية التي تعصف بالمنطقة، يكاد يغيب الحضور الشخصي العادي للناس وقضاياهم البسيطة جداً. فقليلة هي القصص الصحفية أو التلفزيونية التي تسلط الضوء، بطريقة غير مبتذلة، على مأساة فرد فقد ذويه في حادث مثلا أو نجاح شابة في قهر صعوبات حياتية جمة ، أو معاناة قرية صغيرة بلا خطوط اتصال مع العالم، أو حتى الظروف الأسرية لشاب التحق بتنظيم إرهابي . وربما كان السبب أن بعض وسائل الإعلام العربية تتعامل مع الجمهور، بطريقة تعامل السينما مع ما يسمونه «المجاميع».. وهم الكومبارس أو أولئك الذين يظهرون في خلفية المشهد، وهم يمارسون حياتهم العادية، بينما الكاميرا مسلطة «كلوز أب» على «البطل»، الذي يتحدث في الهاتف مثلا. والبطل في الإعلام هنا، هو القضايا الكبرى الضخمة، التي، للأسف، لم يخل التاريخ العربي الحديث منها.. من الكفاح ضد الاستعمار حتى النضال ضد «داعش»، ضمن متوالية لا تنقطع من الأزمات السياسية والاقتصادية على كل شكل ولون. طبعا، من المبالغة القول إن هناك غياباً كاملاً. لأن الأفراد العاديين موجودون بالتأكيد. لكنك ستجد أكثرهم في صفحات الحوادث.. جناة وضحايا، وفي صفحات الوفيات والفضائح، حيث تظهر أسماؤهم كاملة مع أقاربهم من الدرجة الأولى، أحياناً!. وستعثر عليهم أيضا في الصفحات التي تغطي النزاعات والحروب الأهلية، وهم يقومون بدور البطولة.. كقتلى وشهداء وجرحى وجوعى وغرقى.. ستجدهم مجرد أرقام ، مثل «المجاميع» يظهرون كما الجمهور بمدرجات الملاعب.. وجوه بلا ملامح، بلا تعبير محدد، ومن النادر أن تعثر بينهم على شخص تستطيع التعاطف معه أو ضده. فالكل- تقريبا- بلا هوية ولا قصة محددة التفاصيل.. هم فقط كتل صماء مسطحة، وفق طريقة تقديمهم في الإعلام. على النقيض، ستجد الصحافة الغربية، تقوم تغطيتها بالأساس على الفرد العادي وما يهمه ويشغله من هموم ومشاكل، حتى القضايا الكبرى، يتم تناولها من خلال تسليط الضوء على حالة شخصية جدا تأثرت سلبا أو إيجابا بالقضية. هذا التناقض، في جزء منه، ربما كان نتيجة اختلاف نظرة الحضارات الشرقية والغربية للفرد.. فعندنا القضية أهم من الفرد.. والعكس صحيح هناك.. الفرد فرض أولي يسبق القضية أيا كانت. إنه محور الكون والاهتمام، بينما على الجانب الآخر من التاريخ والجغرافيا هو تفصيلة صغيرة بلوحة كبيرة، مليئة بالقضايا الخطيرة. ذلك كله، يفسر ببساطة لماذا تنتعش الصحافة المحلية في الغرب، بينما تتراجع لدينا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©