الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إدارة أوباما: أجندة «الدمقرطة» على الموقد الخلفي!

14 ديسمبر 2009 23:01
في حفل استلامه لجائزة نوبل، تحدث أوباما عن الوقار الهادئ لناشطة حقوق الإنسان البورمية" أونج سان سوكي"، وعن شجاعة الناخبين الزيمبابويين الذين خرجوا للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات على رغم الترهيب الذي تعرضوا له. والمفارقة في جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها أوباما ليست في كونه نالها على رغم انخراطه في حربين، وإنما لأنه لم يفعل شيئاً ذا شأن لدعم أجندة حقوق الإنسان منذ أن جاء إلى الرئاسة. والحال أنني من خلال عدد من الحوارات الخاصة مع مستشاري أوباما الحاليين، ومسؤولي البيت الأبيض السابقين، خرجت بخلاصة مؤداها أن تقليل أوباما من التركيز على موضوع حقوق الإنسان قد تم بحسن نية. فمن ناحية كان أوباما يريد أن ينأى بنفسه عن توظيف وتسييس أجندة حقوق الإنسان في إدارة بوش الذي ربط بين هذه الحقوق وبين حرب العراق من خلال تبني خطاب أخلاقي إنجيلي متطرف بشأن الديمقراطية. وذلك التوظيف والتسييس دفعا أوباما، كما يقول مسؤولو الإدارة، في فترة مبكرة من ولايته إلى النأي بنفسه عن استراتيجية فرض الديمقراطية في الخارج بالإكراه. بيد أن مسؤولي الإدارة يقولون إن الرئيس قد قرر الآن تغيير مساره في هذا الشأن، وأنه يتحدث الآن بشكل أكثر جسارة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويعتقد هؤلاء أن الحديث بشأن حقوق الإنسان من وراء الكواليس مع الأنظمة المستبدة أفضل من محاولة فرض تلك الأجندة عليها قسراً في العلن، لأن الحديث وراء الكواليس يتيح الفرصة لبعض تلك الأنظمة لحفظ ماء وجهها ويشجعها على تقديم تنازلات في هذا الشأن. ويذكّر هؤلاء بأن بعض كبار المسؤولين عن ملف حقوق الإنسان في الإدارة الحالية، قد شرعوا منذ أن تولوا مهام وظائفهم في محاولة تجميل وجه أميركا فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان الشائنة في عهد الإدارة السابقة، بدءاً من ملف جوانتانامو وحتى برنامج تسليم المعتقلين إلى دولهم. وفي حالات أخرى، يبدو أوباما وكأنه ينزع إلى كسب الدعم بشأن بعض التحديات التي تواجهه مثل الانتشار النووي، والتغير المناخي، من خلال التناول الحذر لملف حقوق الإنسان مع بعض الدول السلطوية على رأسها الصين التي تحتفظ بودائع لا تقل عن 800 مليار دولار في البنوك الأميركية. ومع ذلك هناك دلائل قليلة على أن هذه السياسة تحقق نجاحاً. فعلى رغم أن الولايات المتحدة قد خففت لهجتها بشأن ملف حقوق الإنسان مع عديد من الدول، فإنه لا دليل على أن ذلك سيؤدي إلى دفع إيران وكوريا الشمالية مثلا لإيقاف برنامجيهما النوويين، أو دفع الصين لأن تكون شريكاً فاعلا لأميركا في مواجهة التغير المناخي. وفي بعض المناسبات خفّضت الإدارة من التركيز على الديمقراطية في بعض المستويات المؤسساتية الأساسية، كما تراجعت بعض أقسام الحكومة عن استخدام كلمة "الديمقراطية" من الأساس. وقد كانت هناك إشارات دالة على ذلك في أعلى مستويات الإدارة الأميركية. ففي شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي هذا العام، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إن الأشياء الرئيسية التي تمكن الولايات المتحدة من ممارسة قيادتها للعالم بكفاءة هي "الدفاع، والتنمية، والدبلوماسية".. ولم تذكر شيئاً عن الديمقراطية. والراهن أن المدى الذي ذهبت إليه الإدارة الحالية في تغيير مقاربتها للديمقراطية، يجد تجسيداً واضحاً له في دولة مثل مصر حيث قلصت الولايات المتحدة تمويلها ودعمها لجماعات المجتمع المدني التي تدعو للديمقراطية، وأصبحت تعمل بشكل أكثر وثوقاً مع الجمعيات غير الربحية المرتبطة بالحكومة، وذلك لعدم رغبتها في إغضاب مصر وهي حليف شرق أوسطي مهم تحتاج إليه الولايات المتحدة بصورة ماسة في المرحلة الحالية. كما تجد تجسيداً كذلك في السودان حيث تعمل الإدارة الأميركية في الوقت الراهن بشكل أكثر تقرباً من النظام. وينطبق ذلك التغيير أيضاً على دول أخرى مثل بورما، التي تسعى واشنطن لإجراء محادثات مباشرة مع مجلسها العسكري الحاكم بدلا من معاقبته ومحاصرته، وكذلك الصين التي التزم أوباما الصمت حيال ملف حقوق الإنسان الخاص بها خلال زيارته الأخيرة، كما كان حذراً في انتقاء عباراته أثناء المؤتمر الصحفي حول الرقابة على الإنترنت، ولم يتحدث عن الأحداث الأخيرة ضد شعب "الإيجور"، ولا عن قضية التبت والدلاي لاما، كما حرص على التأكيد على ترحيب الولايات المتحدة بتنامي الدور الصيني على المسرح الدولي. وعلى رغم كل التوافقات والتسويات التي حاول أوباما تحقيقها إلا أن الحقيقة هي أن الفصل بين حقوق الإنسان وبين الأولويات الأخرى قد يكون فصلا زائفاً، ذلك أن أوباما قد لا يكون بحاجة للمفاضلة بين انتقاد أنظمة مثل الصين وبورما وبين العمل معها لمواجهة تحديات في مجالات أخرى. وبصراحة فإن خطاب أوباما في أوسلو ذكَّرنا بالسبب الذي جعل لجنة الجائزة تكرّمه بمنحه إياها، وهذا السبب يتمثل في قدرات أوباما الخطابية الفذة عند حديثه عن الحرب والسلام، وحقوق الإنسان. أي أنها قررت منحه مكافأة على ما يفترض أن يقوم به في الدعوة لتلك القيم العليا، وكي تكون إلهاماً له للقيام بأعمال أخرى عظيمة. وبالعودة إلى خطابه المذكور قال أوباما: "يجب أن نبذل قصارى جهدنا للموازنة بين العزلة والانخراط، بين الضغط والحوافز، من أجل تعزيز حقوق الإنسان وكرامته، على امتداد الزمان". دعونا فقط نأمل أن يتمكن أوباما من تحقيق تلك الوعود. زميل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©