الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

العبرة التراثية تودّع خور دبي

العبرة التراثية تودّع خور دبي
27 سبتمبر 2008 02:26
تتهادى العبرات الخشبية بين ضفتي خور دبي، تلتحم بسطح الماء فتخطّ وراءها ذيولاً مائية ترسم هوية المكان، في مشهد يشي بوداع يأتي بعد ''طول عشرة''، عقب قرار إحالة جميع العبرات العاملة في الخور إلى التقاعد، كونها ''لم تعد ترقى'' إلى مستوى المواصفات العالمية لحماية البيئة والحدّ من التلوث، على أن يتم استبدالها بجيل جديد ''أكثر خفة ورشاقة'' ويتمتع بمواصفات صديقة للبيئة· وتتمايل العبرات في انتقالها من ضفاف الديرة والشندغة إلى بر دبي وبالعكس ''مثقلة'' بهموم ركابها الذين وجدوا في فضائها الواسع ''مساحة لنفض ضغوط الحياة ومشاكلها''، كما يعلق أحدهم، الذي يقول إن العبرات تختزن في جنباتها ''المتآكلة'' هموم أصحابها و''فتات أحلامهم'' التي لم تكد ترتفع إلى حدود الأبنية الحديثة المشيّدة في منطقة الخور حتى عادت لتهبط وتتكسر بين طيات الأمواج غير المتناهية· فقد استمرت العبرة طوال السنوات الماضية شاهدة على التحولات الكبيرة التي جرت في محيط الخور ومدينة دبي بشكل عام، سواء من الناحية العمرانية أو الاجتماعية، لتبقى العبرات الـ149 في رحلاتها اليومية المظهر الوحيد الثابت في الخور· أما اليوم، فتواجه العبرات نصيبها من التطور الحاصل في المنطقة عبر إنهاء خدماتها· هذه الخطوة التي تقوم بها الإدارة البحرية في هيئة الطرق والمواصلات وإن كانت تروق للعديد من أصحاب العبرات وحاملي الرخص التشغيلية، إلا أنها تعتبر بمثابة ''الضرب المؤلم'' بالنسبة لآخرين· حسين الحماد، آخر فرسان العبرات، واحد من الذين أمضوا أكثر من 40 عاماً من حياتهم في صناعة العبرات وصيانتها وقيادتها، وهو الآن يعدّ الأيام المتبقية له في المهنة التي يعمل في ساحتها وحيداً· فقبل حوالي سنة، أرسلت هيئة الطرق والمواصلات أولى لوائح الاستبيان لجميع أصحاب العبرات في خور دبي تستقصي من خلالها آراءهم أو مدى تقبلهم لفكرة منحها جميع الرخص والعبرات لقاء مبلغ مادي يتم الاتفاق عليه لاحقاً· ومنذ ذلك الحين، شعر الحماد بأن العد العكسي للاستغناء عن مهنته قد بدأ، وتزداد وتيرته مع كل استبيان جديد يرسل إليه· وتكمن غصة هذا الرجل السبعيني في إقصائه عن ''حبه الأول والثاني''، خور دبي والعبرة، كما يحبذ تسميتهما· فصناعة هذه القوارب تركت أخاديدَ لا تزال محفورة بين تجاعيد يديه· وتلمع عينا الحماد وهو يشرح تفاصيل هذه الصناعة؛ فبالنسبة له لا شيء يوازي متعة تقطيع ألواح خشب الصاي المستورد من الهند والذي يفوق بكلفته سعر الألمنيوم، ويتميز بمقاومته للماء لفترة تصل إلى 100 سنة· ويفخر الحماد بصيته الذائع بين الزبائن نتيجة لمصداقيته في التعامل معهم· إذ يلجأ بعض صناع العبرات إلى استعمال أنواع من الأخشاب رخيصة الثمن مثل خشب المرنتي والجنغلي والصنوبر بدلاً من خشب الصاي سعياً وراء الربح السريع· ولم يكن يتجاوز سعر العبرة 6000 درهم قبل سنوات طويلة، في حين أنه يبلغ اليوم 70 ألف درهم للعبرة بالمجداف· ولا يخفي الحماد امتعاضه من قرار هيئة الطرق والمواصلات في طرح جيل جديد من العبرات، لكنه يتحدى الهيئة أن تشغّل هذه العبرات بين محطتي الكابتن اوفيس والسبخة· فهو يراهن على أن العبرات الجديدة لن تتمكن من اجتياز امتحان المد والجزر والتيارات البحرية التي تكثر بين هاتين المحطتين· ويقف الحماد مكتوف الأيدي متأملاً في الذيول الاقتصادية والمعيشية التي ستنتج عن تنفيذ قرار هيئة الطرق والمواصلات· فهو اللاعب الوحيد في مجال العبرات من ناحية اعتبار هذه المهنة المصدر الوحيد للرزق· ويشرح الحماد من مركز عمله في جداف دبي، كيف أن تطور الحياة في دبي وغلاء المعيشة دفعا رواد هذه المهنة إلى التفتيش عن مصدر آخر للرزق· لذلك لا يعدّ الحماد نفسه كغيره من ملاك العبرات الذين لا يعرفون من هذه المهنة سوى المدخول الذي يحصّلونه يومياً والذي يضاف إلى راتب عملهم الثابت· لكن قلق الحماد لم يُخف ابتسامة كشفت عن أسنان متهالكة وهو يحاول تذكر أسماء أولاده الـ18 بالترتيب· من ناحية ثانية، يبدي يحيى سلطان في خور دبي رضاه عن قرار هيئة الطرق والمواصلات في مصادرة جميع العبرات العاملة في الخور لقاء مبلغ مادي يدفع لأصحاب القوارب والرخص، قائلا إن جميع مالكي العبرات وضعوا في لوائح الاستبيان قيمة التعويض التي تناسبهم· ويردف يحيى، الذي طالب بمليون درهم ثمناً لعبراته الثماني وأرقام رخصها التي ورثها عن والده، بأن ارتفاع تكاليف تشغيل وصيانة العبرات مقارنة بالمدخول قد حوّل عملية الإشراف عليها إلى ''صداع'' مستمر· فكلفة الصيانة تبلغ 7000 درهم شهرياً، وهي تزداد خلال موسم الصيف بسبب تعرض المحرك للكثير من الاعطال بسبب درجة الحرارة المرتفعة· أما المدخول فيختلف باختلاف المواسم· ففي فترة الصيف لا يزيد المدخول اليومي عن 300 درهم، مقارنة بـ320 درهما في فصل الشتاء وأيام الجمعة والمناسبات والعطل الرسمية· أما شهر رمضان فيعدّ الموسم الأكثر بطئاً بالنسبة للعبرات، إذ لا يزيد المدخول اليومي عن 150 درهماً· وتذكر المراجع التاريخية أن أقدم استخدام للعبرة يعود إلى العام 1860 من خلال الحركة التجارية والاجتماعية التي نشطت على ضفاف الخور، وفي العام 1920 كانت العبرة بالمجداف تنقل التلاميذ من الشندغة وبر دبي إلى المدرسة الأحمدية· أما المؤرخ البريطاني لوريمير، فقد ذكر في أحد كتبه أنه في العام 1908 كان حاكم دبي آنذاك يسمح للسكان يوم الجمعة باستخدام العبرة مجاناً للوصول إلى دبي والصلاة في الجامع الكبير والعودة بعد ذلك إلى منازلهم في ديرة· وتعدّ العبرة واحدة من أصل 20 نوعا من القوارب الصغيرة التي درج استعمالها في الماضي، ومنها الجلبوط والشوعي والشاشة· وتعد هذه الأخيرة من أصغر أنواع القوارب التي استخدمت في خور دبي، وهي مصنوعة من سعف النخيل، وكانت تستعمل في الصيد البحري، ويحوي متحف الفجيرة نموذجاً عنها· ولم تملّ العبرات طوال العقود الماضية ولغاية اليوم من ممارسة دورها الذي تحفظه كتب التاريخ بصورٍ الأبيض والأسود· إذ تنحصر مهمتها في العبور بسكان دبي بين ضفتي الخور في مسافة لا تتعدى الكيلومترين· وشكلت العبرة في الماضي وسيلة التنقل الوحيدة بالنسبة لمعظم سكان دبي المنتمين إلى مختلف الطبقات الاجتماعية· أما اليوم، ولكون العبرة لا تزال من أرخص وسائل النقل العامة في المدينة، انحصرت مهمتها في خدمة الطبقة العاملة التي تضم الآلاف من الجنسيات الآسيوية، كما أن الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته دبي، جعل من الرحلة بين الضفتين واحدة من أهم الطقوس السياحية التي يمارسها الزوار والسائحون من العرب والاجانب· وتبلغ كلفة الرحلة على متن العبرة درهماً واحداً· أما الرحلة السياحية التي تمتد لفترة ساعة كاملة فتبلغ كلفتها 100 درهم· فشل مشروع تشغيل العبرات بالطاقة الشمسية دبي (الاتحاد) - أعلن خالد الزاهد مدير إدارة المشاريع البحرية في مؤسسة النقل البحري في هيئة الطرق والمواصلات أن مشروع تشغيل عبرتين قديمتين بالطاقة الشمسية بدلاً من الديزل ''لم ينجح''، بسبب ثقل وزن العبرات العاملة حالياً في الخور، مشيرا إلى أن الهيئة وضعت طروحات عدة لكيفية تشغيل العبرات الجديدة التي ستدخل الخدمة قريباً، مثل استخدام الغاز الطبيعي بدلاً من الديزل أو عبر محركات تعمل على الكهرباء والطاقة الشمسية· وأكد الزاهد أن الهيئة ستطرح جيلاً جديداً من العبرات في خور دبي من خلال مشروع ''العبرات النموذجية'' الذي تبلغ كلفته 10 ملايين درهم، لافتا إلى أن الهيئة، وبتوصية من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تعمل على تطوير عبرات صديقة للبيئة مع الحرص على ''عدم مسّ الشكل التقليدي للعبرة، كونها تشكل جزءاً أساسياً ولافتاً من تراث خور دبي''· وقال الزاهد إن العبرات الجديدة مصنوعة من مادة الفايبر غلاس ومغلفة بالخشب، ويبلغ وزنها طنا واحدا، مقارنة بالعبرات الموجودة حالياً في الخور والتي يبلغ وزن الواحدة منها 11 طناً· ووفقاً للزاهد، تتضمن العبرات الجديدة مقاعد مريحة إضافة إلى توفر مختلف متطلبات الأمن والسلامة البحرية وهي 22 سترة نجاة، و طوقان للنجاة· وقد زودت العبرات بإسعافات أولية، ومطافئ للحريق يمكن الوصول إليها بسرعة وسهولة· وصمم هذا الجيل بطريقة يسهل استخدامها من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة· كما جهزت بحواجز لحماية الركاب من السقوط، وباب هيدروليكي· أما فيما يخص الأنوار الملاحية فإن العبرات الجديدة مجهزة بجميع المواصفات الملاحية الخاضعة للاتفاقيات الدولية· وكانت مؤسسة النقل البحري في هيئة الطرق والمواصلات أعلنت أن عدد الركاب في العبرات عام 2007 بلغ حوالي 27 مليون راكب· كما أعلنت الهيئة أن الاستبيان الذي نفذته المؤسسة سجل ارتفاعاً في نسبة رضا مستخدمي العبرة بلغ 13,8 % عن معدل الرضا خلال الفترة ذاتها في العام ·2007 وبذلك تبلغ نسبة الرضا الحالية 74% مقارنة بالعام الماضي الذي انحدرت فيه هذه النسبة إلى 0 %·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©